3 قتلى في صفوف الأمن المغربي جراء تدخل لإزالة مخيم أقامه محتجون على الأوضاع الاجتماعية في «العيون»

اعتقال 65 عنصرا واجهوا القوات العمومية.. وإصابة 70 بجروح

صورة وزعتها وكالة الأنباء المغربية، أمس، تظهر المخيم الذي نصبه محتجون خارج مدينة العيون بعد إخلائه من قاطنيه عقب تدخل أمني (ماب)
TT

لقي ثلاثة من عناصر الأمن المغربي حتفهم، ضمنهم دركي وعنصر في القوات المساعدة وإطفائي، وجرح 70 منهم، 4 منهم إصاباتهم بليغة، إضافة إلى 4 مدنيين، خلال التدخل الذي قامت به صباح أمس قوات الأمن من أجل إزالة المخيم الذي أقامه محتجون على الظروف الاجتماعية في العيون، كبرى مدن الصحراء، وذلك حسب ما أعلنته وكالة الأنباء المغربية، التي قالت: إن قوات الأمن اعتقلت 65 عنصرا من الذين واجهوا القوات العمومية. وذكرت الوكالة أنه سيتم تقديم مرتكبي هذه الأفعال الإجرامية للعدالة فور انتهاء البحث القضائي.

وكانت قوات الأمن المغربية، المشكلة من عناصر الدرك الملكي والقوات المساعدة، قد قامت في السادسة و45 دقيقة من صباح أمس بعملية تدخل في المخيم «لتحرير الشيوخ والنساء والأطفال الموجودين تحت قبضة مجموعة من ذوي السوابق والمبحوث عنهم في قضايا الحق العام، بمخيم أكديم إيزيك، بعدما استنفدت كل مساعي الحوار الجاد لإيجاد حل لوضع غير مقبول قانونا».

وأقيم المخيم في 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من قبل سكان المنطقة للاحتجاج على «تدهور» ظروفهم المعيشية، والمطالبة بـ«وظائف وسكن».

وأوضح محمد جلموس، والي جهة العيون - بوجدور - الساقية الحمراء، عامل (محافظ) إقليم العيون، في تصريح للصحافة، أن قوات الأمن التي كان هدفها إيقاف العناصر الخارجة عن القانون بشكل سلمي، ووجهت بالمنع من ولوج المخيم، وبرد فعل عنيف تمثل في استخدام الزجاجات الحارقة وقنينات الغاز.

وأعلن مسؤولون محليون أن المخيم جرى إخلاؤه بشكل كامل، مشيرين إلى أن السلطات طلبت، أول من أمس، من المحتجين إخلاء المخيم، وهو ما قاموا به، بيد أن بعض المحسوبين على جبهة البوليساريو دخلوا في مواجهات عنيفة مع الأمن. وأوضحت مصادر في المخيم أن هؤلاء كانوا يعمدون إلى منع الموجودين في المخيم من مغادرته، رغما عنهم، وهو ما جعل قوات الأمن تتدخل لتواجه برد فعل عنيف منهم.

وكان بيان لوزارة الداخلية المغربية قد أشار، أمس، إلى أن التدخل تم تحت إشراف السلطات القضائية، وفي احترام تام للضوابط القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات. وذكر البيان أنه تم إيقاف عناصر بالمخيم الواقع شرق مدينة العيون، كانت تمارس التهديد تجاه الموجودين بالمخيم.

وأوضح البيان أنه يوجد ضمن هؤلاء الموقوفين «أصحاب سوابق قضائية، وآخرون مبحوث عنهم في قضايا الحق العام، وكذا عناصر انتهازية لا علاقة لها بالمطالب الاجتماعية، بل خططت لاستغلالها لخدمة أغراض سياسية وفق أجندة معلومة». وأضاف البيان أن هذه العناصر «تعمدت، بشكل ممنهج، حجب نتائج الحوار الذي باشرته السلطات العمومية منذ أسابيع بخصوص المطالب الاجتماعية المعبر عنها وتحوير مضامينه، وممارسة التهديد والعنف المادي والنفسي تجاه الموجودين بالمخيم، خاصة الشيوخ والنساء والأطفال منهم، قصد منعهم من مغادرة المخيم، أو إزالة خيامهم، وذلك في الوقت الذي تباشر فيه عملية دراسة جميع الملفات الاجتماعية والاستجابة لها حسب معايير الاستحقاق والعدالة، من قبل اللجان المشكلة من السلطة العمومية وشيوخ مختلف القبائل والمنتخبين وبعض ممثلي المجتمع المدني».

وذكر البيان أن السلطات العمومية أقدمت على هذه العملية، التي دامت أقل من ساعة، وأزالت المخيم بكامله، من أجل الحفاظ على الأمن والنظام العامين، وضمان سلامة المواطنين، بعدما استنفدت كل محاولاتها لإرساء مقومات الحوار الجاد والمسؤول، وبعدما تجاوزت الأفعال التي قام بها الموقوفون الحد المسموح، وذلك في تحدٍّ سافر للقانون.

إلى ذلك، قالت جبهة «البوليساريو»: إن خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس الأخير، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، كان بمثابة الأمر في الشروع في عملية اجتياح المخيم، التي خلفت عشرات الجرحى، ومختلف الإصابات الخطيرة في صفوف المحتجين، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الصحراوية، التي زعمت، في وقت لاحق، مقتل شخص وجرح المئات.

في سياق ذلك، نفى مصدر أمني في «العيون» لـ«الشرق الأوسط» وقوع أي قتيل في صفوف المحتجين، سواء خلال التدخل الأمني في المخيم أو خلال أعمال الشغب التي عرفتها بعض أحياء «العيون».

وروت مصادر محلية متطابقة في العيون لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل ما جرى، وقالت إن قوات الأمن المغربية شرعت الليلة قبل الماضية في التحليق فوق المخيم بمروحيات، وطلبت من المحتجين، عبر مكبرات الصوت، إخلاء المخيم قبل أن يتم التدخل بالقوة لتفريق المحتجين، ووضعت حافلات قرب المخيم لنقل من يرغب في مغادرته، بيد أن عناصر من داخل المخيم عمدت إلى إحراق إحدى الحافلات، مما اضطر قوات الأمن إلى التدخل، فبدأت المواجهات بينها وبين تلك العناصر التي كانت قد استعدت من قبل لمواجهات محتملة مع عناصر الأمن المغربي، وتزودت بمختلف أشكال الأسلحة البيضاء من سيوف وعصي وزجاجات حارقة وغيرها.

وأضافت المصادر ذاتها أن عددا من الفارين من المخيم نقلوا مواجهتهم مع عناصر الأمن إلى شوارع وأحياء بالمدينة، مثل شارعي السمارة ومكة، وحي معطى الله؛ حيث شرعوا في رشق سيارات الشرطة بالحجارة، كما قاموا بإحراق سيارات خاصة، ومحلات تجارية، ومقاه، ووكالات مصرفية، وعدد من المؤسسات العمومية.

وأشارت مصادر إعلامية محلية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المواجهات التي تمت بين المتظاهرين ورجال الأمن أسفرت عن مقتل رجل أمن (قوات مساعدة) على أيدي متظاهرين في شارع السمارة بعد سقوطه من سيارة للشرطة كانت تقوم بمطاردة المحتجين، الذين كان عدد منهم يمتطي سيارات رباعية الدفع؛ حيث تمكن عدد كبير من المتظاهرين من الوصول إليه مدججين بالسيوف، وأجهزوا عليه.

وذكرت المصادر ذاتها أن الهدوء عاد إلى شوارع المدينة بعد ظهر أمس بعد أن عاشت المدينة انفلاتا أمنيا خطيرا دام بضع ساعات، مشيرة إلى أن المواجهة التي تمت مع قوات الأمن من طرف تلك العناصر كان مخططا لها من قبل؛ حيث عمدت تلك العناصر إلى نشر الذعر والهلع بين سكان المدينة، واستعدت بشكل جيد لرد فعل القوات الأمنية.

وتزامنت أحداث «العيون» مع انطلاق جولة ثالثة من المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو حول نزاع الصحراء، برعاية الأمم المتحدة، في إحدى ضواحي نيويورك.

وقال مصدر دبلوماسي في نيويورك لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من لندن: إن كريستوفر روس، الموفد الأممي إلى الصحراء، كان منتظرا أن يقدم في بداية اللقاء، الذي يحضره أيضا ممثلون عن الجزائر وموريتانيا، مقترحات بخصوص آليات إدارة المفاوضات، لبحثها قبل المضي قدما في جوهر المفاوضات.

وألقى الوضع بـ«العيون» أمس بظلاله على لقاء نيويورك. ويقول المغاربة إنهم ذهبوا إلى اللقاء في إطار علاقات التعاون مع الأمم المتحدة، وإن ما وقع في «العيون» أمس يندرج في سياق داخلي محض.