نقل 36 من ضحايا هجوم كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد إلى فرنسا للعلاج

مصابون حريصون على أن يعودوا قريبا.. وآخرون غير متحمسين

بعض المسيحيين الذين أصيبوا في هجوم كنيسة «سيدة النجاة» ينتظرون في مطار بغداد أمس قبل سفرهم إلى فرنسا للعلاج (أ.ف.ب)
TT

حطت طائرة الشركة الفرنسية «إيغل أزور» بعد ظهر أمس في مطار بغداد لنقل 36 جريحا أصيبوا في هجوم دام استهدف كنيسة للسريان الكاثوليك في العاصمة العراقية قبل 9 أيام. وقال مصدر ملاحي إن الطائرة هبطت قبيل الثانية بعد ظهر أمس، وكان مقررا أن تقلع عائدة إلى فرنسا عند الساعة 16.40، لكن تأخيرا طرأ على موعدها بسبب عدم وصول 12 جريحا تقلهم سيارات إسعاف إلى المطار نظرا لازدحام حركة السير وسط بغداد.

وجلس نحو عشرين جريحا بإمكانهم التحرك في قاعة الانتظار بينما كان دبلوماسيون من السفارة الفرنسية يقومون بمساعدة الأب الدومينيكاني أمير جاجة بإحصاء الذين سيرافقون الجرحى وعددهم 21 شخصا. أما الجرحى الذين لا يمكنهم التحرك فسيتم نقلهم إلى الطائرة بواسطة سيارات إسعاف.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن دبلوماسي فرنسي في المطار قوله إنه تم «اختيار الجرحى تبعا لخطورة إصابتهم بالتنسيق بين السفارة الفرنسية ومطرانية السريان الكاثوليك» في بغداد. من جهته، قال جاجة «إنها عملية إنسانية طارئة تندرج ضمن إطار التقاليد الفرنسية».

وقتل 44 مصليا وكاهنان في 31 أكتوبر (تشرين الأول) عندما هاجم عدد غير معروف من المسلحين كنيسة السريان الكاثوليك في حي الكرادة وفجروا سيارة قرب سوق الأوراق المالية المجاورة قبل أن يقتحموا المكان من عدة محاور، كما أن بعضهم كان متمركزا على السطح. وقتل سبعة من عناصر الأمن في الاعتداء الذي تبنته «دولة العراق الإسلامية»، وهي تحالف يضم 6 تنظيمات بزعامة «القاعدة». وبدت تبعات الكارثة واضحة على وجوه الجالسين في قاعة الانتظار. وقالت ياسمين الدير (51 عاما) المصابة بشظايا قنبلة في ظهرها وساقيها بينما كانت ممددة على أحد مقاعد صالة الانتظار، إنها تحمد الله على نجاتها وتشكر فرنسا على الاعتناء بها قبل أن تنفجر باكية. وأضافت ودموعها تنهمر «أتمنى أن أعود بعد انتهاء العلاج كما أتمنى السلام وأن يحمي الله الجميع في العراق».

أما دريد جورج الجالس في مكان غير بعيد ويعمل موظفا في شركة للنقل فلا أوهام لديه حيال مستقبل بلده بحيث غنه يفضل عدم العودة إليه. ويدين الرجل ببقائه حيا إلى زوجين ارتميا عليه وسط الهلع مما شكل درعا حمته. وقتل الزوجان وأصيب هو برصاصتين واحدة في الكاحل الأيسر والأخرى فوق الركبة فاعتبر الأطباء أن من الأفضل له أن يعالج في فرنسا.

واقترحت فرنسا استقبال 150 مسيحيا عراقيا بعد الاعتداء. وسينقل الجرحى بعد ذلك إلى مستشفيات بيرسي وكلامار وبيستر في باريس وضواحيها. وقد أصيبوا خصوصا بالرصاص وشظايا قنابل يدوية. وقال الدبلوماسي الفرنسي إن «استعدادات كبيرة» في أورلي تنتظر الطائرة لنقل المصابين.

واعتبر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أن وضع المسيحيين في العراق المهددين الذين يغادرون بكثافة منطقة تعتبر موئلهم التاريخي يطرح «مشكلة خطيرة جدا». وقال لإذاعة «آر تي إل»: «نقدم مساعدتنا لكن ذلك لن يغير المشكلة، الحل يكمن في عدم دفع كل المسيحيين إلى مغادرة الشرق الأوسط». وأضاف «هناك اضطهاد وصعوبات يواجهها كل المسيحيين في الشرق. إنهم مكون أساسي لهذا الشرق الأوسط الذي يشهد مشكلات جمة».

كذلك أعلن وزير الهجرة الفرنسي إريك بيسون استقبال مجموعة ثانية من 93 شخصا يجري حاليا إعداد لائحتهم «خلال الأسابيع المقبلة». وتندرج عملية الإخلاء أمس ضمن إطار مبادرة اتخذتها الرئاسة الفرنسية في خريف عام 2007 لاستقبال عراقيين «ينتمون إلى أقليات دينية ذات وضع حساس». واستقبلت فرنسا نحو 1300 مسيحي منذ ذلك الحين. ويقدر عدد المسيحيين في العراق بما بين 450 ألفا و500 ألف نسمة، بينهم 300 ألف يتبعون كنائس كاثوليكية متحدة مع الفاتيكان (مقابل 378 ألفا عام 1980). ويشكل الكلدان 80% من الكاثوليك في العراق والسريان 20% منهم. أما غير الكاثوليك، فإن 80% منهم آشوريون والباقي سريان أرثوذكس أو أرمن أرثوذكس. وقد تدفع مجزرة كنيسة «سيدة النجاة» بمزيد من المسيحيين، وهم ضحايا اعتداءات متكررة، إلى المنفى لا سيما في ظل عدم الاستقرار السياسي، خصوصا منذ الاجتياح الأميركي ربيع عام 2003.