خبير قانوني لـ«الشرق الأوسط»: لا صلاحية لمجلس الوزراء في النظر بملف شهود الزور

في ظل موازين القوى الدقيقة داخل الحكومة اللبنانية

TT

في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، تمكن رئيس الحكومة سعد الحريري من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بعد مخاض عسير دام قرابة الخمسة أشهر من تاريخ إجراء الانتخابات النيابية في يونيو (حزيران) 2009. واستندت الحكومة في تشكيلتها إلى توازنات دقيقة تحول دون طغيان فريق سياسي على آخر، وتجعل كل الفرقاء أمام خيارات صعبة ولا يملك أي منهم قرار الحسم في المسائل التي تحتاج للتصويت.

وجاء تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بعد حصول فريق المستقبل وحلفائه في «14 آذار» على الأكثرية النيابية، مما منحهم 15 مقعدا وزاريا مقابل 10 مقاعد للمعارضة ممثلة بحزب الله وحلفائه و5 مقاعد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، بينهم الوزير عدنان السيد حسين الذي اصطلح على تسميته بـ«الوزير الملك».

وشكل الثاني من أغسطس (آب) الفائت مفصلا في خريطة التحالفات السياسية مع إعلان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط خروجه من صفوف «14 آذار»، ورأى البعض في هذه الخطوة انضماما تلقائيا إلى الفريق المقابل، مما يعني ترجيح كفة الثلث المعطل لصالح حزب الله الذي سبق وطالب بالحصول عليه، رغبة منه في إعاقة أو تعطيل اتخاذ القرارات التي لا تنسجم مع قناعاته في المسائل الأساسية لا سيما المحكمة الدولية وتمويلها.. وإذا كان طرفا المعادلة السياسية في لبنان ذهبا بعيدا في حساباتهما إلا أن ملف شهود الزور جاء ليثبت دقة «ميزان الجوهرجي» في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، انطلاقا من أن ترجيح كفة فريق على آخر داخل مجلس الوزراء يحتاج إلى أكثرية موصوفة من الأصوات (نصف + واحد).

وأمام إصرار حزب الله وحلفائه على طرح ملف شهود الزور على التصويت في مجلس الوزراء ورفض تيار المستقبل وحلفائه إحالته إلى المجلس العدلي، يبدو الطرفان على الرغم من انعطافة جنبلاط والتداول بإمكانية رضوخه للرغبة السورية فيما يتعلق بإحالة الملف إلى المجلس العدلي، عاجزين عن تأمين النصف زائد واحد من الأصوات في مجلس الوزراء. وما يعزز هذا العجز هو عدم حسم رئيس الجمهورية موقفه لناحية الأخذ برأي الأكثرية أو المعارضة، باعتباره رئيسا توافقيا وعلى مسافة واحدة من جميع الأفرقاء، علما بأن الوزير السيد حسين أبدى أكثر من مرة رغبته بإحالة الملف إلى المجلس العدلي، لكن المعلومات المتداولة تؤكد أنه لن يغرد خارج السرب الوزاري المحسوب على الرئيس سليمان.

وتشير المعطيات إلى صعوبة حسم ملف شهود الزور بالتصويت في مجلس الوزراء غدا، وتتقاطع المعلومات حول اتفاق رئيس الجمهورية مع وزرائه على البقاء خارج الاصطفافين، وهو ما انضم إليه بالأمس النائب وليد جنبلاط ووزراؤه في الحكومة.

وفي سياق متصل، شدد الخبير القانوني الدكتور حسن الرفاعي، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، على أنه «في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية يكون القول الفصل للقوانين، وعندما تطيح الدولة بالقوانين ومفاهيمها لا تعتبر دولة»، معتبرا أن «القوانين صريحة جدا لناحية أنه لا يمكن الحديث عن شهود زور قبل صدور القرار الظني والقرار النهائي المبرم عن المحكمة الدولية». وذكر أن «هناك شخصا أقام دعوى على شهود الزور في سورية (الرئيس السابق لجهاز الأمن العام جميل السيد)، فكيف يمكن في الوقت عينه الادعاء على نفس الأشخاص خارج سورية»، موضحا أنه «ينبغي على القضاء السوري أن يرفع يده عن الملف قبل أن يباشر القضاء اللبناني النظر فيه». وسأل الرفاعي: «من هو المدعي على شهود الزور ومن قال له إنهم أعطوا إفادات كاذبة، ذلك أن أكثرهم لم يعطوا إفادات كشهود»، موضحا أنه «بالتالي القضاء اللبناني ليس صالحا للنظر في ملف شهود الزور»، مجددا الإشارة إلى أن «قضية شهود الزور ليست من تعداد الحالات التي يمكن اللجوء فيها إلى القضاء العدلي».

ورأى أن «أقل ما يقال في السجال الدائر أنه عشائري وقبائلي وفوضوي»، معولا على «دور رئيس الجمهورية باعتباره حامي الدستور والقوانين ويجب أن يفرض رأيه في الموضوع». ووضع الجدال والتهديد في إطار «الانقلاب»، داعيا من «يريدون القيام بالانقلاب إلى أن يلجأوا إليه بعيدا عن الأساليب الملتوية».

وشدد الرفاعي على أنه ينبغي على من «يطالب بإحالة ملف شهود الزور إلى القضاء العدلي أن يتقيد بما يقوله الخبراء القانونيون وعشرات منهم أبدوا آراءهم في لبنان والخارج لناحية ألا صلاحية إطلاقا لمجلس الوزراء أو حتى مجلس القضاء الأعلى للنظر في مثل هذه الأمور». وخلص بالإشارة إلى أن «الأمر يسهل عند الاحتكام للقانون».