بورما: العسكر يكسبون انتخابات ندد الغرب بمصداقيتها

مواجهات دامية بين الجيش ومتمردين تهدد باندلاع حرب أهلية

TT

بدت الأحزاب الموالية للجيش البورمي، أمس، متأكدة من الفوز غداة أول انتخابات تجرى في بورما منذ عشرين سنة، في اقتراع نددت به الدول الغربية وشابته مواجهات دامية بين قوات النظام العسكري ومتمردين من إثنية كارن.

ونددت الولايات المتحدة وأوروبا بالظروف التي أقيم فيها الاقتراع، بينما نشرت الصحف المحلية صور كبار القادة، وعلى رأسهم الجنرال ثان شو وهو يدلي بصوته.

ونشرت صحيفة «نيو لايت أوف ميانمار» الحكومية لوائح «الفائزين» في الانتخابات في 57 دائرة، منها 55 لم يتقدم فيها سوى مرشح واحد في أغلب الأحيان ينتمي إلى حزب اتحاد التضامن والتنمية الموالي للنظام العسكري الحاكم. لكن النتائج الرسمية لن تصدر إلا بعد أيام في هذا البلد الذي يضم خمسين مليون نسمة معظمهم في مناطق جبلية نائية. وكتبت صحيفة «نيو لايت» على موقعها على الإنترنت أن «مسؤولي مكاتب الاقتراع فتحوا الصناديق وأحصوا الأصوات وسجلوا اللوائح بشكل منهجي بعد أن انتهى الناخبون من الاقتراع»، ونشرت صور سفراء أجانب يزورون مكاتب الاقتراع. لكن تلك الزيارات لم تقنع أحدا، باستثناء الصين حليفة النظام العسكري، التي اعتبرت صحافتها الرسمية الاقتراع «تقدما» ودعت الغرب إلى «خفض عدائيته» إزاء النظام العسكري.

ونددت واشنطن وباريس ولندن وبروكسل وكانبيرا وطوكيو بانتخابات ليست عادلة ولا منصفة بعد حملة منحازة إلى العسكريين على خلفية اتهامات بالتزوير. وبدت النتيجة محسومة سلفا لصالح اتحاد التضامن والتنمية الذي شكله النظام العسكري الحاكم قبل أشهر، في البرلمان المكون من مجلسين وفي المجالس الإقليمية، على الأقل بفضل ربع المقاعد التي منحت سلفا إلى العسكريين.

ويفترض أن يحل خلفه حزب الوحدة الوطنية القريب من النظام السابق للجنرال ني وين (1962 - 1988)، حتى وإن اعتبر بعض الخبراء أنه قد لا يدعم بشكل كامل المجلس العسكري. كذلك انتقد الكثير من المحللين عدم نزاهة الاقتراع وانتهاك المعايير الدولية المبدئية، لكنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى احتمال وصول ممثلين للمعارضة إلى هذه المجالس على المدى البعيد.

واعتبرت دونا غيست من منظمة العفو الدولية أن «الاستراتيجية العامة كانت تتمثل في فرض قيود على نطاق واسع قبل تنظيم الانتخابات»، لكن «قد تفتح بعض المجالات السياسية» في المستقبل.

وقد فازت الرابطة الوطنية الديمقراطية التي تتزعمها المعارضة، أونغ سان سو تشي، في اقتراع 1990. لكن بعد عشرين سنة يبدو النظام العسكري أقوى من أي وقت مضى، بينما قاطعت الرابطة الاقتراع، مما أدى إلى حلها، بينما لا تزال سو تشي قيد الإقامة الجبرية من دون توقف منذ 2003، وقد حرمت من حريتها 15 سنة من السنوات الـ21 الماضية، وهي في عزلة تامة. وصدر آخر حكم عليها بالإقامة الجبرية في أغسطس (آب) 2009، وسينتهي الحكم في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مما أثار آمالا في الإفراج عن الحائزة على جائزة نوبل للسلام.

وأسفرت معارك اندلعت أمس بين متمردين من إثنية كارن والجيش البورمي في مدينة مياوادي عند الحدود مع تايلاند (شرق) عن سقوط ثلاثة قتلى مدنيين وإصابة عدد آخر، في دلالة على توتر شديد بين السلطة المركزية والأقليات الإثنية تنذر منذ أسابيع باندلاع بؤر حرب أهلية. واندلعت هذه المعارك بعدما تظاهر متمردون من إثنية كارن، بأسلحتهم، ضد أول انتخابات تجرى في البلاد منذ 20 عاما، وهي انتخابات استبعد من المشاركة فيها الملايين ممن ينتمون إلى أقليات، لأسباب قالت السلطات إنها أمنية. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر رسمي بورمي قوله إن مدينة مياوادي الحدودية مع تايلاند في ولاية كارن «تعرضت لهجوم» في الصباح الباكر بواسطة «أسلحة ثقيلة». وسقطت قذيفة «آر بي جي» في الجانب الآخر من الحدود في مدينة ماي سوت في تايلاند، مما أسفر عن سقوط الكثير من الجرحى، كما أوضح مسؤول عسكري تايلاندي.

وحذر رئيس الوزراء التايلاندي، ابهيسيت فيجاجيفا، من إمكان أن تستمر المعارك التي اندلعت أمس ثلاثة أشهر. وقال: «من الممكن أن يستمر هذا خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، لا سيما خلال الفترة الانتقالية بين الحكومة الحالية والحكومة المنتخبة»، مشيرا إلى أن «المعارك أدت إلى فرار الكثير من البورميين إلى تايلاند. إن تايلاند ستساعدهم على أسس إنسانية». وأضاف رئيس الوزراء التايلاندي: «نحن نريد السلام والنظام. لا نريد مشكلات بلا نهاية، نريد المصالحة»، مشددا في الوقت عينه على أن ما يجري في الجانب الآخر من الحدود هو «شأن داخلي بورمي». وقال الأمين العام لمنظمة «الاتحاد الوطني كارن» زيبوراه سين، إن المعارك دارت بين نحو 300 عنصر من «الجيش البوذي الديمقراطي كارن» والجيش البورمي. ويرفض هؤلاء المتمردون أيضا مشروعا وضعه النظام لإرغام المجموعات المسلحة التي وقعت اتفاقات وقف إطلاق نار معه على الانضمام إلى قواته المسلحة المكلفة حراسة الحدود، مما يضعها عمليا تحت إمرته.

والأسبوع الماضي أعلن «صوت بورما الديمقراطي»، وسيلة إعلام المعارضة في المنفى، عن تحالف تم التوصل إليه بين ست مجموعات مسلحة متمردة في ولايات كارن وكاشين وشان، بينها الجيش البوذي الديمقراطي كارن. وقال ماونغ زارني، المحلل في «كلية لندن للاقتصاد» إنه «إذا التزموا فعلا تنفيذ ما أعلنوه، أي تحالف عسكري حقيقي قائم على فكرة أن أي هجوم على طرف في التحالف هو هجوم على جميع أطرافه، فسنكون أمام حرب أهلية». وهناك الكثير من الأقليات الإثنية، التي تمثل ما لا يقل عن ثلث عدد سكان البلاد البالغ 50 مليونا، لم يهادنوا الحكومة المركزية يوما منذ استقلال بورما في 1948. ويزيد هذا الوضع تعقيدا واقع أن البلاد لا تزال منقسمة بشكل كبير على أساس عرقي.

وغداة الاستقلال اندلعت حرب أهلية بين العاصمة ومجموعات متمردة تطالب بمنح مناطقها قدرا أكبر من الحكم الذاتي والحقوق. وفي 2009 استأنف الجيش هجومه ضد متمردي كارن ومن ثم ضد جماعة كوكانغ، وهم متمردون يقطنون مناطق نائية في شمال شرقي البلاد. واتهم يومها المحللون النظام العسكري بالسعي إلى القضاء على آخر جيوب المقاومة بالحديد والنار، وهي اتهامات كثر الحديث عنها مجددا لدى اقتراب موعد الانتخابات.