لندن تشهد أول مظاهرات احتجاجية على سياسة الحكومة التقشفية.. يقودها الطلاب

50 ألف طالب نزلوا إلى الشوارع في مظاهرة بدأت سلمية وتحولت إلى أعمال عنف

TT

شهدت العاصمة البريطانية أول من أمس مظاهرات ضد خطط الحكومة التقشفية، قادها طلاب ومحاضرون في الجامعات اعتراضا على رفع الأقساط الجامعية إلى 3 أضعاف المستوى الحالي. وسرعان ما تحولت المظاهرات التي بدأت سلمية بمشاركة أكثر من 50 ألف طالب في وسط لندن جاءوا من مختلف أنحاء بريطانيا إلى أعمال عنف، فيما بدا أنه تأثر بالمظاهرات التي قادها الطلاب الفرنسيون طوال أسابيع ضد خطط الحكومة لرفع سن التقاعد. واندلعت اشتباكات بين الشرطة وعدد من الشبان الغاضبين، بعضهم ملثمون، نفثوا عن غضبهم بتحطيم زجاج المبنى حيث مقر حزب المحافظين الذي يتزعمه رئيس الحكومة ديفيد كاميرون.

واحتل نحو مائتي طالب الطابق الأول من مبنى ميلبانك 30 في وسط لندن، حيث المقر الرئيسي لحزب المحافظين، وصعد بعض الطلاب إلى سطح المبنى وبدأوا في رمي البيض والقناني على رجال الشرطة من أعلى. وأخلى الموظفون العاملون في مقر حزب المحافظين مكاتبهم تحت حماية الشرطة التي لم تكن تتوقع أعمال العنف. وتوجهت فيما بعد قوة كبيرة من رجال الشرطة إلى مقر حزب الليبراليين الديمقراطيين وطوقته تحسبا لهجوم شبيه عليه.

وكان نائب رئيس الحكومة الائتلافية نيك كليغ الذي يتزعم حزب الليبراليين الديمقراطيين أبرز أهداف المتظاهرين الذين نعتوه بالكاذب والخائن. وكان كليغ قد وعد الطلاب خلال الحملة الانتخابية بأنه لن يرفع الأقساط الجامعية وأن حزبه سيتصدى لهكذا خطط في البرلمان في حال اقترحتها الحكومة الجديدة. وحل حزب كليغ ثالثا في الانتخابات، ودخل الحكومة إلى جانب المحافظين الذين فازوا من دون أن يحققوا الأغلبية المطلقة في البرلمان. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها إلى جانب صورة كليغ: «بماذا كذبت علينا أيضا؟»، وأخرى حملت «الليبراليون الديمقراطيون كاذبون». وحمل البعض لافتات دعت للتصويت لحزب العمال الذي تزعم الحكومة طوال الـ13 عاما الماضية وبات في المعارضة بعد خسارته الانتخابات الأخيرة قبل عدة أشهر.

وتعتبر مظاهرة أمس أكبر مظاهرة تشهدها لندن منذ مظاهرات الحرب ضد العراق التي شارك فيها مئات الآلاف في عهد توني بلير. ولكن البعض شبه مظاهرات أمس بما شهدته البلاد في الثمانينات عندما نزل البريطانيون إلى الشارع للمظاهرة لأسباب شبيهة حينها، ضد الخطط التقشفية لحكومة المحافظين بزعامة مارغريت ثاتشر.

وأدانت الحكومة أعمال الشغب التي وقعت وأسفت لأن «مجموعة صغيرة تتصرف بهذا الشكل». ووصف رئيس بلدية لندن بوريس جونسون الذي ينتمي أيضا إلى حزب المحافظين أعمال الشغب التي وقعت بأنها «غير مقبولة». وأكد أن الشرطة ستجري مراجعة لما حصل. وكان جونسون قد علق على اقتراح الحكومة رفع الأقساط الجامعية قبل عدة أسابيع بالقول إن هذه السياسة ستؤدي إلى «حمام دم».

كما نأت نقابة الطلاب الجامعيين بنفسها عن أعمال الشغب، واتهم رئيسها آرون بورتر «مجموعة صغيرة» بأنها خطفت المظاهرة السلمية لتحولها إلى أعمال عنف، وقال: «أردنا أن نوصل رسالة للحكومة حول سياستهم المتوحشة لرفع أقساط الجامعات، وأردنا أن نقوم بذلك بطريقة حضارية وسلمية». إلا أن بعض الذين احتلوا المبنى وشاركوا في تكسير الزجاج تحدثوا إلى «بي بي سي»، وقال أحدهم إنه أراد أن يقوم بشيء أكثر من المظاهرة السلمية لإسماع صوتهم. وأضاف: «نحن غاضبون من سياسة الحكومة بمعاقبة الفقراء، وأردنا أن نعبر عن غضبنا ضد حزب المحافظين». وقال آخر كان قد احتل سطح مبنى ميلبانك 30، عبر رسالة هاتفية: «هذه فقط البداية، نحن ضد خطط الحكومة التقشفية، ونقف إلى جانب الفقراء، وكبار السن وذوي الحاجات الخاصة والموظفين الذين سيتأثرون بهذه الخطط. نحن ضد كل خطط تخفيض النفقات وتحديدا التعليم.. نحن ضد طريقة المحافظين في مهاجمة الفقراء ومساعدة الأغنياء».

وألقت نائبة السكرتير العام لاتحاد النقابات الذي يضم 58 نقابة، فرانسس أوغرادي، كلمة في المظاهرة هاجمت فيه «طمع المصرفيين» الذين قالت إنهم تسببوا في هذه الأزمة، وانتقدت سياسة الحكومة التي «ستجعل من الجامعات والمدارسة مكانا للأغنياء فقط». وقال رئيس نقابة الطلاب بورتر للحشود: «نحن في قتال لحياتنا.. نواجه هجوما غير مسبوق على مستقبلنا قبل أن يبدأ. يقترحون تخفيضات بربرية ستدمغ جامعاتنا».

وتقترح الحكومة رفع أقساط الجامعات من 3 آلاف جنيه إسترليني إلى 9 آلاف جنيه إسترليني، بينما ستقطع نحو 40 في المائة من النفقات المخصصة للجامعات. ويتعين على النواب أن يصوتوا على هذه الخطط في البرلمان. وسيعارض نواب حزب العمال الخطط المتعلقة برفع الأقساط الجامعية، وقد يعارضها أيضا بعض نواب حزب الليبراليين الديمقراطيين. وهذه الخطة جزء من خطط الحكومة لتخفيض 81 مليار جنيه إسترليني من إجمالي النفقات العامة للحكومة على مدار السنوات الأربع المقبلة، بهدف تخفيض الدين العام للبلاد. ولم تقرر نقابة الطلاب التي نظمت مظاهرة الأمس خطوتها التالية، وما إذا كانت ستدعو لمظاهرات إضافية، إلا أن ما شهدته بريطانيا على الرغم من أنه لا يزال لا يقارن بعد بما شهدته اليونان وفرنسا بسبب الخطط التقشفية، فقد يكون البداية لتحركات نقابية وشعبية أكبر وأشمل.