ذعر في أوساط المسيحيين بعد تفجيرات استهدفت منازلهم في بغداد

مجلس الأمن الدولي يعتبر الاعتداءات على المسيحيين في العراق «مروعة»

عراقي يعاين الدمار الذي خلفه أحد التفجيرات التي استهدفت أمس منازل مسيحيين في بغداد (إ.ب.أ)
TT

عاد الخوف ليخيم من جديد على المسيحيين في العراق، خصوصا في بغداد، بعد سلسلة تفجيرات استهدفت منازلهم في أحياء متفرقة من العاصمة مساء أول من أمس وأمس أدت إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة 33 آخرين، حسبما أعلنت مصادر أمنية.

وقالت المصادر إن «ستة مسيحيين قتلوا وأصيب 33 آخرون بجروح بقذائف هاون ونحو 10 عبوات ناسفة استهدفت منازل في أحياء متفرقة من بغداد صباح أمس». ونقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية قولها إن غالبية «الاعتداءات وقعت ببغداد في حي الدورة (جنوب) وكمب سارة (وسط) والكرادة (وسط)». وكان مسلحون فجروا مساء أول من أمس 3 منازل لمسيحيين في حي المنصور (غرب) دون وقوع ضحايا.

ووصل رائد وسام (42 عاما) صباح أمس مع عشرات من المسيحيين من حي الدورة إلى كاتدرائية «سيدة النجاة» للسريان الكاثوليك وسط بغداد للطلب من الأسقف مساعدتهم في الفرار بعد الاعتداءات الجديدة. وقال وسام: «تحاول زوجتي إقناعي بمغادرة البلاد منذ سنتين فلم أوافق لكنني اليوم مقتنع بأنها محقة، لا أريد أن أشعر بالذنب إذا حدث أمر سيئ لأحد أبنائي».

وتأتي هذه الاعتداءات على المسيحيين بعد 11 يوما من مجزرة تبناها تنظيم القاعدة استهدفت كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك وسط بغداد. وقتل 46 مسيحيا بينهم كاهنان و7 من عناصر الأمن في هجوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) وهو أعنف الاعتداءات بحق المسيحيين في العراق. وكان تنظيم القاعدة في العراق أعلن في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي أن هجمات أخرى ستستهدف المسيحيين.

وأضاف وسام «كنت نائما فاستيقظت على صوت انفجار قوي جدا قرابة الساعة السادسة صباحا صعدت إلى السطح لكي أرى ماذا يحدث ثم سمعت 3 انفجارات أخرى استهدفت منازل مسيحيين». وقال: «طفلاي كانا يصرخان فنقلتهما زوجتي إلى إحدى الزوايا البعيدة عن النوافذ المحطمة لحمايتهما! وسمعنا أصوات انفجارات أخرى، فقررت الذهاب إلى كنيسة سيدة النجاة». وتابع بهلع: «لا نعرف ماذا يمكن أن يحدث لنا، نحن خائفون، لا يمكننا أن نفكر في العودة إلى المنزل حاليا! حاولت إرغام نفسي على البقاء، فالعراق بلدنا، لكنني اكتفيت». وأوضح وسام: «جئت برفقة عائلتي وعائلة أخي، نحو 10 أشخاص (...) غادرت نحو 8 عائلات منازلها إلى أماكن أخرى نحن جئنا إلى الكنيسة لأنه ليس لدينا مكان آخر».

من جهتها، قالت أم هيلين (40 عاما) بصوت مرتجف: «كنت نائمة، وأصبت بالصدمة جراء انفجار قوي قربنا في كمب سارة كانت السابعة صباحا، شاهد زوجي من خلال النوافذ المكسورة سيارة ابن خالي الذي استشهد في الهجوم على كنيسة سيدة النجاة متوقفة أمام منزله المجاور». وأضافت: «كانت القنبلة في السيارة وحاول أحد الجيران إخماد الحريق فانفجرت قنبلة أخرى كانت في شجرة قرب المنزل، فاستشهد الجار وهو مسلم». وتابعت: «لم يصبنا أي أذى لكن بعض العائلات الأخرى أصيب أفرادها. طلبت من أقاربي البقاء في منزلي واتصلنا بالكنيسة فطلبوا منا التوجه إليهم، لكننا لم نفعل فمغادرة المنزل يوما أو يومين ليس حلا».

وختمت قائلة إن «هذا الهجوم المباشر يجعلني أفكر في المغادرة، البقاء هنا ليس فقط خطيرا علينا إنما خطر على المسلمين أيضا (...) لا نريد مغادرة بلدنا لكنهم يرغموننا على ذلك».

بدوره، قال إيمانويل كريم، جار أم هيلين: «كنت أستعد للتوجه إلى العمل فسمعت انفجارا قويا كان قريبا جدا فصعدت إلى السطح لأنني كنت خائفا». وأضاف: «تركنا المنزل وذهبنا إلى الكنيسة! هذا يجبرنا على مغادرة البلاد إلى الأبد لا نشعر بالأمان، وليس هناك من يحمينا، والحكومة ليست جيدة لتضمن أمننا (...) من الأفضل لنا أن نغادر».

إلى ذلك، قال ضابط بوزارة الداخلية لـ«الشرق الأوسط»، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن «عددا من العائلات القريبة من أماكن الانفجارات غادرت مساكنها ولجأت إلى منازل أقارب لها في أماكن أخرى بالعاصمة»، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية فرضت إجراءات أمنية مشددة على المناطق التي يتواجد فيها المسيحيون وكذلك الكنائس».

من جانبه كشف مصدر مسؤول في وزارة الداخلية أن أمرا قد وصل إلى الوزارة صباح أمس من القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، يقضي بتشكيل لجنة عليا لمتابعة ملف المسيحيين في العراق. وكان المالكي زار أول من أمس إلى كنيسة «سيدة النجاة».

إلى ذلك، قال وليم وردا مسؤول منظمة «حمورابي» لحقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط»: «إن مظاهرة صامتة بالشموع كان من المقرر تنظيمها غدا باتجاه كنيسة سيدة النجاة خوفا من استهداف المظاهرة ولعدم التأكد من وجود الغطاء الأمني للمسيحيين». بدوره، قال لويس إقليموس، نائب رئيس مجلس الأقليات في العراق: «إن ما يتعرض له مسيحيو العراق مؤلم جدا لكن الأمر لن يؤدي بهم إلى مغادرة العراق لأن هذه البلاد بلادهم وشعبها شعبهم».

وفي روما طلب الرجل الثاني في الفاتيكان الكاردينال تارسيسيو برتوني من السلطات العراقية أمس «أن يأخذوا بجدية» مشكلة الدفاع عن المسيحيين. وقال سكرتير دولة الفاتيكان للصحافيين على هامش أحد المنتديات «إن حماية المسيحيين في العراق مشكلة بحثناها مع السلطات العراقية ونأمل أن تؤخذ في الاعتبار بجدية»، بحسب ما نقلت الوكالات الإيطالية. ووصف الهجمات الأخيرة ضد منازل ومحلات يملكها مسيحيون بأنها «مؤلمة للغاية». وقال إن الفاتيكان «يفكر كما فعل السينودس (حول الشرق الأوسط الذي عقد خلال الفترة من العاشر إلى الرابع والعشرين من الشهر الماضي في الفاتيكان) في هذه المشكلة الخطيرة لاضطهاد المسيحيين وبهذه الآلام اللامحدودة للطائفة المسيحية في العالم حاليا، وخصوصا في العراق» وكذلك «في باكستان» أيضا.

وفي نيويورك، اعتبر مجلس الأمن الدولي، أمس، أن الاعتداءات على المسيحيين والمسلمين في العراق «مروعة». وشدد السفير الفرنسي على أن «مسيحيي العراق في الخطوط الأمامية للديمقراطية في هذا البلد». وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرار أرو، إن ثمة «إرادة متعمدة في القضاء على الطائفة المسيحية في العراق من جانب المتطرفين». وأضاف متوجها إلى الصحافيين أن «الدفاع عن مسيحيي العراق ليس مطلبا أخلاقيا فحسب، بل هو أيضا ضرورة سياسية. إن مهاجمة مسيحيي العراق هي أيضا مهاجمة تنوع المجتمع العراقي وتعدديته. إن مسيحيي العراق هم في الخطوط الأمامية لهذه المعركة».