مفاوضات الصحراء في مانهاست تحقق بعض التقدم وأطراف النزاع يلتقون مجددا في ديسمبر ويناير

وسط تشبث المغرب بالحكم الذاتي.. وجبهة البوليساريو بالاستفتاء

TT

بينما قال مصدر أممي في نيويورك لـ«الشرق الأوسط»، إن الاجتماع الثالث غير الرسمي حول قضية الصحراء، الذي اختتم الليلة قبل الماضية، في مانهاست بضواحي نيويورك، حقق بعض التقدم - أعلن كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، أن أطراف النزاع قررت الاجتماع مجددا في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وكذلك في مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل.

وقال روس، في تصريح للصحافة، إن اللقاءين الجديدين المبرمجين سينعقدان «وفق مقاربات مجددة»، في أفق مواصلة «مسلسل المفاوضات التي دعت إليها قرارات مجلس الأمن».

وأشار روس إلى أن مفاوضات مانهاست جرت في جو من الاحترام المتبادل على الرغم من أن كل طرف واصل رفض مقترح الطرف الآخر كأساس للمفاوضات المقبلة، مضيفا أنه وبهدف خلق مناخ ملائم لإحراز تقدم، شرعت الأطراف في «بناء دينامية جديدة من أجل مواصلة مسلسل المفاوضات».

وجرى لقاء مانهاست الثالث، الذي استغرق يومين، بشكل مغلق برعاية الأمم المتحدة، وبحضور ممثلين عن المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو.

وسجل روس أنه للمرة الأولى تجتمع الوفود الأربعة الحاضرة «لتتدارس سويا استئناف برنامج إجراءات الثقة الذي تشرف عليه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين».

واتفقت الأطراف على الاستئناف الفوري للزيارات العائلية عن طريق الجو وتسريع الشروع في تنظيم الزيارات عن طريق البر. وأعلن روس أن اجتماعا بين الوفود الأربعة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين سينعقد قريبا بجنيف لمراجعة تنفيذ مخطط العمل برمته والتوجه نحو إطلاق الزيارات عن طريق البر.

وكانت المفوضية العليا للاجئين اقترحت في وقت سابق على المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو، أن يتم تبادل الزيارات بين العائلات التي توجد في مدن الصحراء، واللاجئين الذين يعيشون في مخيمات جبهة البوليساريو في تندوف (جنوب غربي الجزائر)، عبر طريق بري، إضافة إلى الرحلات الجوية، التي عادة ما تنقل أعدادا محدودة، وتتم هذه الرحلات في إطار برنامج تطلق عليه الأمم المتحدة «برنامج بناء الثقة» بين الجانبين. لكن الرحلات الجوية عُلقت بدورها بعد أن رفضت جبهة البوليساريو هبوط طائرة أممية صغيرة كانت تقل عائلات صحراوية في وقت سابق.

وأشار المصدر ذاته إلى أن الجانبين وافقا على اتخاذ خطوات ملموسة باتجاه «تهدئة الأوضاع والكف عن مبادرات يمكن أن تؤجج المشاعر»، لكن المصدر لم يعط تفاصيل حول طبيعة هذه المبادرات. ولم يستبعد المصدر الأممي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن يقوم روس بجولة جديدة في المنطقة في غضون الأسابيع المقبلة، مرجحا أن يكون ذلك قبل جولة المباحثات المقبلة، مشيرا إلى أن مسألة تقديم مقترحات جديدة من طرف الأمين العام للأمم المتحدة «أمر وارد».

وفي سياق ذلك، قال الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي، إن الوفد المغربي أكد خلال لقاء مانهاست ضرورة إعطاء دينامية جديدة ودفعة نوعية للمفاوضات، وذلك بالتركيز ليس فقط على مواصلتها، وإنما تفعيلها حسب الإمكانيات ووفق منهجية جديدة.

وقال الفاسي الفهري، في تصريح للصحافة في ختام الاجتماع، إن الوفد المغربي، وعيا منه بضرورة تجاوز حالة الجمود، اقترح ضرورة إعطاء دفعة للمفاوضات لاختيار بعض الوسائل الأخرى للتوصل إلى الحل المنشود.

وأضاف أنه تم أثناء هذه الجولة إحراز بعض التقدم، حيث اتضح لروس ضرورة الشروع في إعطاء دفعة نوعية ودينامية جديدة لهذه المفاوضات.

وقال في هذا الصدد: «سننتظر الاقتراحات العملية ذات الصلة بهذا الأمر من طرف المبعوث الشخصي».

وشدد الفاسي الفهري على أن المغرب «حينما يطالب بالمفاوضات فإنه يتعين على جميع الأطراف أن تنخرط في روحها، وأن تعمل على تطبيق قرارات مجلس الأمن، وألا تبقى مكتوفة الأيدي أو في نطاق مخططات سابقة أصبحت متجاوزة، (في إشارة إلى الاستفتاء)، وأنه بات من الضروري أن نتطلع إلى المستقبل، وأن نتجاوب مع مجلس الأمن بهذه الروح في إطار من التوافق».

وعبر الفاسي الفهري عن أسفه لكون الأطراف الأخرى «لا تزال وإلى يومنا هذا عند موقفها، وتحاول التهرب من مسؤوليتها، وإعطاء أهمية مبالغ فيها لبعض الأحداث ولبعض القضايا التي ليس لها وجود هنا في مانهاست»، وذلك على الرغم من أن الوفد المغربي عمل على تقديم «كل الشروحات، سواء بالنسبة للمقترح الخاص بالحكم الذاتي أو بالنسبة للتوصل إلى حل، وذلك لأسباب استراتيجية وأمنية ومغاربية واقتصادية».

وأشار الفاسي الفهري إلى أن الوفد المغربي أكد أثناء هذه الجولة الاستعداد الكامل للمملكة المغربية للتوصل إلى هذا الحل، مبرزا قرارات مجلس الأمن وتأكيده الجهود المبذولة من طرف المغرب، وجدية ووضوح مبادرة الحكم الذاتي، في إطار احترام السيادة الترابية والوطنية للمملكة.

وعبر الوفد المغربي مجددا عن رفضه لمقترح جبهة البوليساريو، الذي لم يأت، في نظره، بجديد، ولا ينخرط في ما دعا إليه مجلس الأمن من «التحلي بروح التوافق والواقعية».

وبشأن تبادل الزيارات بين الأسر الصحراوية في الصحراء ومخيمات تندوف بالجزائر، ذكر الفاسي الفهري أن الأطراف الأخرى هي التي كانت وراء وقف هذه الزيارات مؤخرا، مشيرا إلى أنه تم خلال هذه المفاوضات إحراز تقدم ملموس بهذا الخصوص، بعد أن تقدم الوفد المغربي بكل الشروحات.

وبشأن أحداث العيون التي نتجت عن إخلاء قوات الأمن المغربية لمخيم أقامه محتجون يطالبون بتوفير وظائف وسكن لهم، قال خطري أدوه، كبير مفاوضي جبهة البوليساريو إن العنف خلق «جوا متوترا بين المشاركين» في المحادثات، لكن الشيء الأهم هو أن الاجتماع عقد.

وفي غضون ذلك، قال وزير الخارجية المغربي إن قوات الأمن المغربية اقتحمت المخيم لأن بعض المحتجين رفضوا تسوية سلمية، واتهم جبهة البوليساريو بالسعي لاستغلال أي شيء لتجنب التفاوض المستمر والمتعمق.

وبينما زعمت جبهة البوليساريو سقوط 11 قتيلا مدنيا خلال أحداث العيون، أعلنت السلطات المغربية أن حصيلة الضحايا خلال هذه الأحداث طالت فقط عناصر من الأمن المغربي، الذين لقي 9 منهم حتفهم على يد مجموعات مساندة لجبهة البوليساريو، كانت مدججة بالأسلحة البيضاء والزجاجات الحارقة.

وكان مصدر أمني مغربي مطلع في العيون عزا أسباب سقوط ضحايا في صفوف قوات الأمن المغربية دون سقوط أي ضحية من المدنيين ومثيري الشغب، خلال التدخل في المخيم، إلى كون قوات الأمن لم تستعمل الرصاص الحي خلال تدخلها في المخيم، بل اكتفت باستعمال خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع، في حين استعمل المشاغبون السلاح الأبيض من سكاكين وسيوف، إضافة إلى الزجاجات الحارقة. من جهة أخرى، قال كبير مفاوضي جبهة البوليساريو إن الوفدين وافقا خلال المحادثات على التحادث، بطلب من روس، حول الاقتراح الذي قدمته الجبهة (الاستفتاء)، مشيرا إلى أن الطرفين «تحادثا معمقا حول كافة إجراءات الثقة المتضمنة في مخطط العمل 2004، ووافقا على تخصيص جلسة خاصة بجنيف في أقرب الآجال».

وذكر أدوه أن «الطرفين وافقا على مواصلة مسار المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة».

وزاد أدوه قائلا إن وفد الجبهة أثبت مرة أخرى «استعداد البوليساريو لمواصلة التعاون لإنجاح جهود المجتمع الدولي».

ولم يتسن الحصول على تعليق من الوفد المغربي بشأن ما ذكره رئيس وفد جبهة البوليساريو بشأن تحادث المغرب والجبهة حول مقترح الاستفتاء، الذي كثيرا ما ردد المغرب أنه أصبح متجاوزا.

إلى ذلك، ذكرت وكالة «رويترز» أن الفشل في حل نزاع الصحراء، أثار قلق دول غربية، من بينها الولايات المتحدة التي تعتقد أن الانقسام بين المغرب والجزائر يعيق التعاون في التصدي لتنظيم القاعدة في المنطقة.