زوبعة إعلامية وسياسية تثيرها صفقة الاستحواذ على «بي سكاي بي» البريطانية

المؤسسات الإعلامية تتكتل ضد 12 مليار دولار يدفعها ميردوخ مقابل شراء ما لا يملكه من الشبكة

الاستحواذ على أسهم «بي سكاي بي» له انعكاسات كثيرة منها الخوف من تمركز المؤسسات الإعلامية في أيادي قلة قليلة من رجال الإعلام خصوصا أن ميردوخ يملك الكثير من الصحف اليومية البريطانية المتنفذة
TT

بعد أسبوع تقريبا من محاولة الإمبراطور الإعلامي الأسترالي روبرت ميردوخ، الاستحواذ الكامل على ما تبقى من أسهم شبكة «بي سكاي بي»، بدأت تظهر الشروخ في الجبهة المعارضة للصفقة التي تضم عددا من المؤسسات الإعلامية، التي وجدت أذنا مصغية من قبل فينس كيبل، وزير الإعلام في الحكومة الائتلافية.

وكانت قد اتخذت الحكومة البريطانية خطوات لتأجيل إمكانية السيطرة على «بي سكاي بي» من قبل «نيوز كوربوريشن»، التي يملكها ميردوخ.

وقال وزير الأعمال فينس كيبل إن الحكومة سوف تحتكم إلى هيئة التنظيم الإعلامية «أوفكوم» للبت في شأن الخطط، على أساس الاحتفاظ بالتعددية الإعلامية للصالح العام. كما تم إخطار المفوضية الأوروبية رسميا، والتي سوف تجري تحقيقات خاصا بها.

وكانت فكرة طرح الاستحواذ على 60.9 في المائة من أسهم شركة «سكاي» للبث البريطاني، المعروفة باسم «بي سكاي بي»، من قبل مؤسسة ميردوخ «نيوز كوربوريشن»، التي تملك 39.1 في المائة من أسهم تلفزيون الكيبلات - قد أثارت حفيظة عدد من المؤسسات الإعلامية البريطانية بما في ذلك هيئة البث البريطاني (بي بي سي)، إذ قام عدد منها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بالتوقيع على رسالة تطالب الوزير كيبل بالتدخل من أجل المصلحة العامة والتنوع الإعلامي. وقالت المؤسسات الإعلامية إن «الاستحواذ المطروح سيكون له تداعيات خطيرة على المدى البعيد للتنوع الإعلامي»، مضيفة أن تركز مؤسسات إعلامية بهذا الحجم («نيوز كوربوروشن» و«بي سكاي بي»)، والتحكم فيها من قِبل مجموعة إعلامية واحدة، سيجعل الأمر صعبا جدا على أي مؤسسة إعلامية أخرى للتنافس معها.

المؤسسات التي وقّعت على الرسالة للوزير كيبل تضم، إضافة إلى «بي بي سي»، مجموعة الـ«غارديان» الإعلامية، التي تملك صحيفة الـ«غارديان» وشقيقتها الأسبوعية صحيفة الـ«وبزيرفر»، والقناة التلفزيونية الرابعة، ومؤسسة «دي أم جي تي» التي تملك صحيفة الـ«ديلي ميل»، ومجموعة التلغراف الإعلامية، التي تملك الـ«ديلي تلغراف» وشقيقتها «صنداي تلغراف».

لكن «بي بي سي تراست»، التي تقوم بدور المراقب على هيئة البث البريطاني، كشفت هذا الأسبوع من خلال محضر اجتماعها الذي نشر على موقعها، أن المدير العام مارك تومسون تأسَّف لها، لعدم تشاوره مع السير مايكل ليونز قبل أن يقوم بالتوقيع على الرسالة. كما اعتبرت «بي بي سي تراست» التوقع على مثل هذه الرسالة «شيئا مقلقا»، مضيفة أن المدير العام مارك تومسون «اعترف بأنه لم يشاور رئيس (بي بي سي تراست) أو أيا من قيادتها». وكان واضحا من محضر الجلسة أن تومسون «ندم على التوقيع على الرسالة التي تبين معارضة الـ(بي بي سي) لاستحواذ (نيوز كوربوريشن) دون الرجوع إلى (بي بي سي تراست) التي تنظم وتراقب عمله». وعلى الرغم من ذلك، لم تظهر «بي بي سي تراست» موقفها من محتوى الرسالة. كما أظهر المحضر أن السير مايكل ليونز اختار وزملاؤه في اللجنة عدم إبداء أي رأي بعد ذلك حول محتوى الرسالة، كما ذكرت صحيفة الـ«غارديان» في التعليق على الموضوع.

محاولة الاستحواذ على أسهم «بي سكاي بي» لها انعكاسات كثيرة، وظهر أولها في الخلافات القائمة داخل الـ«بي بي سي» حول الموضوع، كما لها انعكاس على المصلحة العامة، وهذا ما عبرت عنه الرسالة، أي الخوف من تمركز المؤسسات الإعلامية في أيادي قلة قليلة من رجال الإعلام، خصوصا أن ميردوغ يملك الكثير من الصحف اليومية المتنفذة، مثل «التايمز» والـ«صنداي تايمز»، إضافة إلى الصحف الشعبية التي تبيع ملايين من النسخ يوميا مثل الـ«صن» و«نيوز أو ذي وورلد».

كما أن الصفقة المطروحة لها أيضا انعكاسات سياسية على الحكومة الائتلافية. من الواضح أن وزير الأعمال فينس كيبل يعارض امتلاك ميردوغ 100 في المائة من أسهم «بي سكاي بي» لأسباب تصب، كما صرح، في المصلحة العامة. كما أن حزبه الليبرالي الديمقراطي الذي يقف سياسيا على يسار حزب المحافظين في نظرته إلى دور الدولة في إدارة السياسة والاقتصاد، إذ يعارض إعطاء قوة أكبر للبنوك ورجال الأعمال، ويقف الحزب مع دور أكبر للدولة في تنظيم هذه الأمور. أضف إلى ذلك هناك مصلحة حزبية لمعارضة كيبل للصفقة، التي يريد أن يحيلها إلى «أوفكوم» لتقرر في شأنها، والسبب أن صحف ميردوخ لم تنحز إلى صالح حزبه في الانتخابات العامة، وتأخذ عادة موقفا غير داعم لسياسات الحزب.

أما حزب المحافظين، فله موقف مختلف، فسياساته المحافظة لا تمانع من هذا النوع من الاستحواذ، لأن فلسفته تنبع من إعطاء السوق الحرية الكاملة في التصرف. وهذا ما قد ينعكس سلبيا على الائتلاف المبني على حزبين بفلسفتين مختلفتين، وأصبح يعاني الكثير من الاختلافات التي قد تصل إلى ذروتها قريبا، كما يعتقد الكثير من المحللين.

وبدأت المشكلة يوم الأربعاء الماضي بعد أن أحيل الموضوع إلى لجنة المنافسة النزيهة التابعة للاتحاد الأوروبي للبت فيها. ويريد الوزير كيبل أن يقر في الموضوع من قِبل مؤسسة «أوفكوم». وقال الأسبوع الماضي في تصريحات لوسائل الإعلام إنه في انتظار رد جهازه الإداري ليقرر ما يمكن أن يفعله. وصرحت مصادر حكومية بأن نصيحة الجهاز الإداري مهمة جدا لأن هناك حالة من الشلل الوزاري. أما «أوفكوم» التي تعمل كرقيب على سلطات البث الإعلامي، فإنها ستقوم بتقييم ما ستعنيه الصفقة، وهل ذلك يعني أن ذلك سيؤدي إلى تركيز كبير للسلطة في أيادي مؤسسة إعلامية واحدة.

وأمام هيئة «أوفكوم» مهلة حتى يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) لتقديم تقريرها للحكومة البريطانية. وتم إخطار المفوضية الأوروبية بالعرض، وسوف تجري تحقيقا بشأن مسائل المنافسة على أن تصدر تقريرها في الثامن من الشهر ذاته.

وقال كيبل إن المفوضية سوف تبحث فقط في التأثيرات المحتملة على الصالح العام، واعتمادا على حكم «أوفكوم»، سوف تدرس الحكومة تحويل الأمر إلى سلطات المنافسة البريطانية. وهذه قد تأخذ ما لا يقل عن ستة شهور قبل أن تتخذ قرارا في الموضوع. ويعتقد بعض المراقبون أنه حتى في حالة اتخاذها أي قرارات بهذا الشأن، فإنها ستضع شروطا على «نيوز كوربوريشن» للتأكد من المحافظة على «المنافسة النزيهة».

السرعة التي احال فيها الوزير كيبل الموضوع إلى «اوفكوم» كان مفاجئا بالنسبة لـ«نيوز كوربوريشن»، إذ قام الوزير بتحويل الموضوع يوم الخميس الماضي إلى «أوفكوم» بعد 12 ساعة فقط من قيام «نيوز كوربوريشن» من إطلاع المفوضية الأوروبية على نيتها لاستحواذ «بي سكاي بي». وكانت قد منحت «نيوز كوربوريشن» في يونيو (حزيران) الماضي 6.75 جنيه للسهم الواحد لشراء 60.9 في المائة للأسهم التي لا تملكها. وكان ذلك سيكلف ميردوغ ما قيمته 8 مليارات جنيه إسترليني (12 مليون دولار). إلا أن المقترح رفض من قبل المساهمين المستقلين، الذين رفضوا أيضا مقترحا آخر بمبلغ 700 (10.5 دولار) بنس للسهم. وقال مجلس إدارة «بي سكاي بي» إن أي اقتراح لا يتعدى 800 (12 دولارا) بنس للسهم، فلن يؤخذ بعين الاعتبار.

وهناك اعتقاد بأن «أوفكوم» قد تنصح الوزير كيبل بأن يحيل الموضوع إلى مفوضية المنافسة حتى تنظر في مفهوم «التعددية» وتأخذ في الاعتبار أن «نيوز كوربوريشن» تمتلك عددا من الصحف وهذا سيهدد التنوع الإعلامي. لكن، تعتقد «نيوز كوربوريشن» أن مفوضية المنافسة ناقشت الموضوع سابقا واستخلصت أن 39.1 في المائة من أسهم «بي سكاي بي» كافية لأن تعطي «نيوز كوربوريشن» السيطرة الكافية على إدارة المؤسسة دون أن يكون هناك أي داع للاستحواذ على باقي أسهم الشركة.

وقال كريس غودول، الذي يعمل مع مؤسسة «أنديرز أناليسيس»، في تصريحات لصحيفة الـ«فايننشيال تايمز» البريطانية اليومية: «أعتقد أن (أوفكوم) ستقول إذا طلب منها أن تتحرى الموضوع، إن هناك حاجة لمزيد من التحري». لكن، رفضت «بي سكاي بي» التعليق حول الموضوع.