إيقاف أولبرمان مذيع قناة «إم إس إن بي سي» عن العمل

على خلفية تبرعه لحملات انتخابية لـ3 مرشحين ديمقراطيين

كيث أولبرمان (نيويورك تايمز)
TT

تم إيقاف كيث أولبرمان، الصوت الليبرالي البارز في التلفزيون الأميركي في عهد أوباما، عن العمل الجمعة الماضي بعد اكتشاف قناة «إم إس إن بي سي» أنه قدم دعما ماليا للحملات الانتخابية لثلاثة من المرشحين الديمقراطيين الشهر الماضي.

يأتي الإيقاف إلى أجل غير مسمى بمثابة عرض واضح للصدام بين الموضوعية والتعبير عن الرأي في الصحافة التلفزيونية، فعلى الرغم من عمل أولبرمان مقدما لبرنامج «أخبار الديمقراطيين المسائية»، أكد القرار أنه يخضع للمعايير نفسها التي تحكم العاملين بقناة «إم إس إن بي سي» والشركة الأم «إن بي سي نيوز» اللتين تشبهان شركة «إن بي سي يونيفرسال» في هذا الشأن؛ حيث تحاول أغلب القنوات الإخبارية إثناء العاملين بها أو حظرهم عن تقديم تبرعات مالية للحملات الانتخابية.

وطفت تبرعات أولبرمان إلى السطح في مقال نشره موقع «بوليتيكو» الإخباري صباح الجمعة الماضي، قال فيه أولبرمان، بحسب المقال، إنه تبرع بمبلغ 2.400 دولار للحملات الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين راؤول غريجالفا وغابرييل غيفوردز عن ولاية أريزونا والنائب العام جاك كونواي عن ولاية كنتاكي، الذي خسر في سباق انتخابات مجلس الشيوخ أمام راند بول. وصرح أولبرمان قائلا: «لم أشجع أحدا، سواء سرا أو علانية على التبرع لهذه الحملات الانتخابية أو لأي حملات أخرى في هذه الانتخابات أو أي انتخابات سابقة ولم أقدم أي مساهمات مالية لأي حملة سياسية على أي مستوى من قبل».

لم يعتقد أي شخص في قناة «إن بي سي» مساء الجمعة الماضي بإمكانية إقالة أولبرمان، لكن ردود الفعل كانت سريعة ومتباينة؛ حيث أدان البعض تقديم أولبرمان مساهمات مالية في حين لم يعارضه كثيرون. قال بوب ستيل، مدير معهد «بريندل إنستيتيوت فور إيثيكس» بجامعة ديباو: إن المساهمة في الحملات الانتخابية شكل من أشكال النشاط السياسي. وأوضح قائلا: «عندما يصبح صحافي ناشطا سياسيا، لا يتراجع مبدأ الاستقلال فقط، بل إنه يدمره تدريجيا من الداخل».

قال آخرون: إن التفكير بهذه الطريقة قد عفى عليه الزمن، ودعا الكثير من الليبراليين والمحافظين البارزين قناة «إم إس إن بي سي» إلى السماح بعودة أولبرمان، الذي اعتاد التعبير عن رأيه لكنه لم يعلق على قرار الإيقاف الجمعة الماضي.

وقد وقع نحو 100 ألف شخص على التماس وزعته جماعة تقدمية، وكتب ديفيد ويغيل، كاتب العمود بمجلة «سليت» وأحد المساهمين في قناة «إم إس إن بي سي»: «أطلقوا سراح كيث أولبرمان». وقد وصف ويغيل القنوات الإخبارية الكابلية بـ«الطبق المعملي للأخلاقيات السياسية والصحافية، المتطور باستمرار». بدت قناة «إم إس إن بي سي»، المفضلة لدى الليبراليين، كأنها تحاول، من خلال قرارها إيقاف أولبرمان، أن تؤكد اختلافها عن قناة «فوكس نيوز» الإخبارية، المفضلة لدى المحافظين، التي لا تمنع العاملين لديها من تقديم مساهمات مالية لدعم مرشحين أو قضايا سياسية. وقد واجهت «نيوز كوربوريشين»، الشركة الأم لـ«فوكس نيوز»، انتقادات من أولبرمان وآخرين خلال الأشهر الماضية بسبب تقديم مساهمة مالية قدرها 1.25 مليون دولار للجمهوريين. بالإضافة إلى ذلك، تبرع شين هانيتي، أحد أشهر المذيعين بقناة «فوكس»، بآلاف الدولارات لاثنين من المرشحين الجمهوريين للكونغرس خلال العام الحالي.

وأوضحت ريتشيل مادو، المذيعة بقناة «إم إس إن بي سي»، الفرق بين الاثنين بالتعليق على مساهمات هانيتي المالية، قائلة: «نحن لسنا مؤسسة سياسية بل قناة (فوكس) كذلك، فنحن مؤسسة إخبارية واللوائح هنا تتعلق بفهمك لذلك». لقد أصبحت كل من قناتي «إم إس إن بي سي» و«فوكس نيوز» فاعلين سياسيين في السنوات الأخيرة؛ حيث خصصتا وقت البث لمرشحيهما المفضلين، وكانتا تسمحان في بعض الأحيان لهؤلاء المرشحين بالقيام بحملات جمع الأموال. إن تحول قناة «إم إس إن بي سي» نحو اليسار تسبب في انزعاج داخلي، خاصة بين صحافيي شقيقتها «إن بي سي»، لكن هذا التحول عزز مكانة القناة وزاد أرباحها.

اتخذ فيل غريفين، رئيس قناة «إم إس إن بي سي» قرار إيقاف أولبرمان عن العمل بعد استشارة ستيف كابوس، رئيس قناة «إن بي سي» الإخبارية، وجيف زاكار، المدير التنفيذي بشركة «إن بي سي يونيفرسال»، وصرح غريفين في وقت مبكر من مساء الجمعة قائلا: «لقد أوقفته عن العمل لأجل غير مسمى من دون أجر، مراعاة لسياسة ومعايير قناة (إن بي سي) الإخبارية».

وافق المدير التنفيذي بشركة «إن بي سي» على اقتراح المسؤولين التنفيذيين في الأقسام الإخبارية التلفزيونية الأخرى بأن ما زاد من سوء تعدي أولبرمان فيما يخص مساهماته المادية هو دعمه للتغطية الانتخابية لا الاكتفاء بالتعليق عليها. وأكد المسؤولون التنفيذيون بقناة «إن بي سي» الإخبارية أن بسياسة الشركة مجالا للاستثناءات الخاصة بالمساهمات المالية في حالة تقديم طلب شخصي، وهو ما لم يفعله أولبرمان.

يذكر أن برنامج أولبرمان «كاونت داون» كان يحظى بأعلى نسبة مشاهدة؛ حيث يبلغ عدد مشاهديه 1.1 مليون في الليلة، وهو ما دفع لمنحه قبل سنوات مساحة للتعبير عن الآراء المختلفة عن قضية الحرب في العراق وسياسات إدارة بوش في الوقت الذي لم يتسن فيه ذلك للكثيرين. ومؤخرا ساعد أولبرمان إدارة أوباما في محاولتها الدفع باتجاه إصلاح الرعاية الصحية. وقد أطلق غريفين على برنامج «كاونت داون» الذي وصل لعامه السابع، قاعدة قناة «إم إس إن بي سي» التي أعادت بناء نفسها بنفسها لتصبح بيتا للأميركيين ذوي التوجه الليبرالي.

يعرف عن أولبرمان أنه شخصية سريعة الغضب داخل الشبكة التلفزيونية، فقد اشتبك مع غريفين ومديرين آخرين بشأن قرارات تخص التحرير وكان شديد الانتقاد لرؤسائه السابقين.

على الرغم من ذلك، جاء قرار الإيقاف مفاجئا للعاملين في قناة «إم إس إن بي سي». واستغل أحد المدونين عدم لفت نظر مذيع آخر في القناة، هو جو سكاربورو، عندما قدم تبرعات مالية لمرشح جمهوري عام 2006، على الرغم من أن متحدثا رسميا باسم القناة صرح بأنه طلب تصريحا للقيام بذلك، بينما قال آخرون إنه تم تطبيق معايير غريبة على أولبرمان؛ حيث تعجب مايكل موينيهان، الكاتب بمجلة «ريزون» ذات التوجه الليبرالي، من تبني قناة «إم إس إن بي سي» سياسة التعامل مع الأمور كلها بطريقة واحدة في تناول قضية المساهمات المالية.

وكتب موينيهان: «إن برنامج (كاونت داون) وجد من أجل دعم المرشحين الديمقراطيين والسياسات الليبرالية وهو ما أراه جيدا. لماذا إذن لا يسمح لأولبرمان بصفته مواطنا بتقديم مساهمات مالية لهؤلاء المرشحين الذين ينتقيهم ليظهروا على شاشة التلفزيون؟».

تميز بعض الشبكات التلفزيونية أو الإذاعية بين مقدمي نشرات الأخبار والمراسلين وبين الذين يعبرون عن الآراء.

جاء قرار الإيقاف في وقت حرج بالنسبة إلى قناة «إم إس إن بي سي»؛ حيث تتجه شركة «إن بي سي يونيفرسال» نحو الانتقال إلى مالك جديد من المرجح أن يكون شركة «كوم كاست» التي تسعى إلى الحصول على موافقة فيدرالية على عملية البيع وتأمل في عقد الصفقة بحلول نهاية العام الحالي.

ووصف السيناتور برنارد ساندرز، عضو مجلس الشيوخ المستقل عن ولاية فيرمونت، في تصريح له، إيقاف أولبرمان عن العمل بـ«الأمر الاستفزازي». وأضاف: «إن هذا يمثل تهديدا حقيقيا للخطاب السياسي في أميركا وسيكون له تأثير سلبي يضيق على كل معلق في قناة (إم إس إن بي سي)».

وقد صرحت القناة مبدئيا بأن كريس هاييز، محرر واشنطن بمجلة «ذا نيشن» وأحد المساهمين في قناة «إم إس إن بي سي»، سيحل محل أولبرمان، لكن هاييز قال إنه لم يشعر بالراحة في القيام بهذا الأمر تحت هذه الظروف وإن القناة قد قامت بتعيين توماس روبرتس الذي يتميز بصراحته ليقدم النشرة الإخبارية مساء الجمعة.

* خدمة «نيويورك تايمز»