مدير قناة «الحرة»: لسنا بوقا لأميركا.. والعرب أخطأوا في حصر دورها بالصراع مع إسرائيل

طارق الشامي قال لـ «الشرق الأوسط» إن الرأي العام العربي لم يعد يحتمل الانغلاق.. والإعلام الحر ينمو في بيئة حرة

طارق الشامي مدير قناة الحرة في القاهرة («الشرق الأوسط)
TT

أكد طارق الشامي، مدير قناة «الحرة» بالقاهرة، أن تحسين صورة أميركا في الشرق الأوسط ليس هدفا للقناة في حد ذاته، وإنما هدفها الأساسي الترويج لمبادئ الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان. وأرجع كره الرأي العام العربي لواشنطن إلى نظرة التهويل من دورها والتركيز عليه من زاوية الصراع العربي الإسرائيلي وحدها وتجاهل ما عداها من زوايا.

وقال الشامي في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» بمكتبه بالقاهرة «إننا نسعى للتركيز على ما يهتم به الشارع العربي، وبطبيعة الحال الشارع المصري، بالإضافة للتركيز على الإيجابيات أيضا كالاتفاقات التجارية المهمة».

وكشف الشامي عن عدة خبطات حققها برنامجه الجديد الذي عرضت أولى حلقاته قبل أسابيع تحت اسم «حوار القاهرة»، والذي أعلن فيه لأول مرة عن اتجاه الحزب الوطني لترشيح الرئيس المصري حسني مبارك لفترة ولاية جديدة خلال الانتخابات القادمة، وتطرق الحوار إلى قضايا أخرى خاصة بمصداقية الرسالة الإعلامية، وشفافيتها في عالم أصبح يموج بالمتناقضات.. وإلى نص الحوار..

* كيف ترى ما يجري على الساحة الإعلامية بمصر في الآونة الأخيرة؟

- علي في البداية أن أوضح أن مصر تعد من أكثر البيئات ازدهارا على الصعيد الإعلامي في العالم العربي، إن لم تكن أكثرها ازدهارا على الإطلاق، وقد أتيح للإعلاميين سقف عال من الحرية لم يتح في أي دولة أخرى من دول المنطقة.

* حتى مقارنة بلبنان؟

- نعم، ففي لبنان يظل الإعلامي أسير الاعتبارات الطائفية التي تحد من حركته وإبداعه، أما في مصر، فلا مكان لأي خطوط حمراء، عدا تلك التي تفرضها قناعاته وأدواته. لكن حدثت مؤخرا بعض التطورات التي جعلت البعض يخشى من تغير تلك الصورة البراقة، وأنا أؤكد على أهمية المضي قدما على طريق الحرية، لأنها مفتاح التقدم الاقتصادي وتحقيق الازدهار، ولا يعني ارتكاب مخالفة هنا أو هناك أن يتم اتخاذ إجراءات ضد الحركة الإعلامية بصورة عامة.

* منذ بدأت قناة «الحرة» بثها وهي تواجه بسيل جارف من الانتقادات، حتى إن بعض الأصوات تعالت بالمقاطعة سواء من ناحية العمل بها أو مشاهدتها، فكيف عملتم في ظل تلك الأجواء؟

- لقد كانت هذه مرحلة وانتهت إلى غير رجعة، فقد شابت انطلاق «الحرة» مخاوف من أن تكون بوقا للتوجهات الأميركية في المنطقة، وتزامن انطلاقها مع تزايد المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في العالم العربي، بسبب احتلال العراق أو الصراع العربي الإسرائيلي، لكن مع انطلاق القناة بدأ المشاهد يدرك أننا نلبي له احتياجاته، ونركز على جوانب لم يعتد من قبل التركيز عليها، فتمكنا من كسر هذا الحاجز برسالتنا المتوازنة التي تستهدف دعم الحريات والديمقراطية والتأكيد على مبادئ حقوق الإنسان الأساسية ومبادئ المساواة.

* لكن هل ووجهت القناة بإجراءات حكومية تحد من حرية طرحها؟

- أحب أن أوضح أن القناة انطلقت في وقت شهدت فيه الساحة السياسية المصرية حراكا غير مسبوق، وانطلقت في هذه الفترة حركات مثل «كفاية» وغيرها من التنظيمات الاحتجاجية الأخرى، وقد فوجئ المشاهدون بأننا نعرض آراء مؤسسي تلك الحركات والمتحدثين باسمها وننقل أصواتهم للشارع، وقد لعبنا أيضا دورا مهما ومحوريا في نقل وقائع الانتخابات البرلمانية الماضية عام 2005، وكنا نبث بصورة مباشرة من أول فتح الصناديق وحتى نهاية اليوم في الدوائر الساخنة، لدرجة أن خصومنا أشادوا بنا، فنجد من يعلق بصورة إيجابية على أدائنا في صحيفة «القدس العربي» مثلا، كما حققنا ذات الصدى في وسائل إعلامية مصرية رسمية وفي قنوات منافسة.

* البعض اتهمكم باللعب على أوتار المعارضة..

- على الإطلاق، ومن المهم أن أوضح في هذه المضمار أن تحليل مضمون ما يعرض من مواد يشير إلى أن القناة منذ يوم صدورها لم تنجرف إلى هوة «الشعبوية» ودغدغة الميل التقليدي لدى بعض العقول العربية في تصديق النظرية التآمرية، كما أنها في المقابل لم تتجاهل الرأي الرسمي في كل ما تطرحه من قضايا، فقد استضافت من الحزب الوطني صفوت الشريف وعلي الدين هلال على سبيل المثال، ووجد بارزون من تيارات الشيوعيين و«الوفد» و«الناصري» و«كفاية» منبرا لهم بالقناة أيضا. إن القناة ليست مع أحد أو ضد أحد، وهي ليست منحازة، لكنها تكرس لمبدأ الحرية الذي تحمل اسمه.

* لماذا انطلقت القناة من مصر؟

- مكتب القناة في القاهرة من أهم المكاتب إن لم يكن أهمها على الإطلاق، فالقناة تنطق بالعربية وجمهورها في الشرق الأوسط، لكن مصر بثقلها السياسي وتاريخها الحضاري تعد منجما لأي عامل في الحقل الإعلامي، إذ يجد وفرة في القضايا السياسية والثقافية وحتى الترفيهية، وهذا الأمر ليس مقصورا على «الحرة». كما أن الإعلامي في مصر لا يتعرض للضغوط المعنوية التي يجدها في دولة أخرى، فهو يتمكن هنا بصراحة من أن يتناول سلبيات الحكومة، أما في دول أخرى فهذا محظور تماما.

* هل خرجت القناة من رحم تلفزيون الـ«أسوشييتد برس» كما يشاع..

- إن أي قناة جديدة تلجأ في بداياتها إلى توفير عناء البحث عن مكاتب تنطلق منها ويؤمها مراسلوها، لهذا فهي تلجأ إلى وكالة أنباء ضخمة تتوافر لديها الخدمات الإعلامية التقليدية، ربما تلجأ بعض القنوات إلى إنشاء مكتب أو مكتبين في بداية انطلاقها، لكنها لن تجد أبدا لا التمويل ولا الوقت لإنشاء عدد هائل من المكاتب في عواصم مختلفة، وقد استعانت «الحرة» بـ«أسوشييتد برس» كما فعلت قنوات عربية أخرى مثل «إم بي سي» و«الجزيرة» آنفا، لكن الكيانين منفصلان ولا علاقة بينهما حاليا.

* لكن بماذا تفسر رؤية البعض لـ«الحرة» باعتبارها بوقا للسياسة الخارجية الأميركية؟

- علينا في البداية أن ندرك أن الولايات المتحدة دولة عظمى، مصالحها ممتدة في أصقاع العالم كله، ولهذا فإن الاهتمام بما تهتم به الإدارة الأميركية يجري أصلا في كل البلدان من دون أن يكون عليها تأثير من هنا أو هناك، لكن المهم هو أن القناة لا تلجأ إلى تبرير أو الترويج للسياسات الأميركية سواء في الشرق الأوسط أو في أي مكان في العالم، فهذه السياسات عرضة للانتقاد والتقريع، وهذا الأمر يحدث من الإعلام الأميركي الداخلي ذاته.

* هل تعني أنه لا توجد قيود على الإطلاق تعترض عمل «الحرة»؟

- كلا، هناك بالطبع قيود، وهي ببساطة القيود القانونية التي تحكم العمل في الدولة التي نبث منها والدولة التي نبث فيها، فما دمنا في مصر فنحن نخضع للقوانين المصرية، ولا يحق لأحد ضيوفنا مثلا انتهاك القانون المصري. كما يحكمنا في ذات المضمار القانون الأميركي الذي يدين مثلا سب الأشخاص والتجريح فيهم بذات القدر الذي يقدر فيه انتقاد السياسات ويفتح الباب على مصراعيه لهذا المجال. وعلى سبيل المثال فنحن ننبه على الضيوف حين يكون موضوعنا عن السياسات الإسرائيلية أن التلفظ بما يجرح اليهود ويهين السامية أمر غير مسموح به، أما انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية فهو أمر مشروع تحميه الدساتير.

* وهل تعرضتم لمواقف محرجة في هذا الصدد؟

- أذكر في هذا المقام أن الدكتور محمد السيد سعيد - رحمه الله - ذكر في أحد البرامج المبثوثة على الهواء مباشرة أنه «إذا كان بن لادن متطرفا فالرئيس الأميركي متطرف أيضا»، وهو أمر أربكنا جميعا، وكان هذا وقت تولي إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش المسؤولية، لكن لم يجر اتخاذ أي إجراء ضد القناة وقتها. لهذا فإنني أؤكد أن سقف الحرية لدينا عال جدا. إن من ضيوفنا من ينتمي للجماعات الإسلامية و«الإخوان المسلمين». لقد أخذنا من الثقافة الغربية هذه الميزة، الإيمان بالتعددية والإيمان بالحق في الاختلاف.

* لكن هناك من ردد أن القناة كانت على وشك الإغلاق منذ أشهر..

- يحلو للبعض أن يفهم ما يتواتر من أنباء خطأ، فهذا الأمر غير صحيح على الإطلاق، وغايته أن الكونغرس الأميركي في معرض مراجعته لكل البرامج الإعلامية التي تتلقى التمويل من دافع الضرائب الأميركي يجري مراجعته الدورية لمدى تمكن «الحرة» ضمن غيرها من الأدوات الإعلامية من تحسين صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وكان الرأي السلبي هو رأي واحد من أعضاء اللجنة المكلفة بهذا الموضوع، ولم يكن هناك قرار أو شيء من هذا القبيل قد يهدد بوقف القناة أو العدول عن تمويلها أو حتى تقليصه. وهو دور يقوم به الكونغرس بصورة دورية كل عامين لمعرفة هل تنفق الأموال الحكومية في مصارفها أم لا.

* لكن كثيرين يرون أن القناة لم تنجح في تأدية رسالتها، وأن الرأي العام في العالم العربي في مجمله لا يعشق واشنطن..

- مهمة تحسين صورة الولايات المتحدة ليست هدفا في حد ذاتها، لكن المهم هو الترويج لمبادئ الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، ولكني أعزو كره الرأي العام العربي لواشنطن للأنظمة العربية ذاتها، وذلك عبر تهويل دور واشنطن والتركيز عليه من زاوية الصراع العربي الإسرائيلي وحدها وتجاهل ما عدا هذا من زوايا.

إننا نسعى للتركيز على ما يهتم به الشارع العربي، وبطبيعة الحال الشارع المصري، مثل أزمات الخبز والعشوائيات وما إلى هذا، بالإضافة للتركيز على الإيجابيات أيضا كالاتفاقات التجارية المهمة، مع تسليط الضوء على قضايا الحريات التي تعد «مغبونة» في العالم العربي.

* ولماذا فكرت في إطلاق برنامج جديد؟

- استثمارا لأجواء الحرية الإعلامية رغم ما تواجهه من عواصف مؤخرا، واسم البرنامج هو «حوار القاهرة»، ويذاع الساعة 21:00 بتوقيت غرينتش، الحادية عشرة مساء بتوقيت القاهرة، ويعرض يوم الجمعة من كل أسبوع، ويتطرق للقضايا السياسية والثقافية والدينية والأدبية والاجتماعية، ويستضيف قادة الفكر والرأي والقيادات الحزبية والسياسية، وأحيانا ما تتم خلاله مواجهة أطراف وآراء متقابلة، كما يعرض آراء الجمهور من الشارع ويورد التقارير القصيرة.

* ألا ترى أن برنامجا كهذا «ولد يوم القيامة»؟

- بصراحة، كنت أنوي أن يكون البرنامج الجديد منبرا لكل الآراء بكل صراحة وموضوعية، وكان من المفترض أن يعرض البرنامج على الهواء مباشرة، لكن «ظروفا قهرية خارجة عن إرادتنا» اضطرتنا إلى عرضه مسجلا، بعد أن تم إعداد كل شيء، لكننا مصرون على أن يخرج البرنامج على الرغم من هذه العقبات بالصورة الملائمة.

* ما رأيك في ما يحدث على الساحة الإعلامية العربية؟

- إنني أوجه رسالة إلى السلطات في العالم العربي مفادها أنه من الصعب جدا أن يجري التراجع عن مساحة الحرية التي تمتع بها المواطن لبرهة، فهذا من شأنه أن يخلق احتقانا يؤدي بدوره إلى الانفجار. هذه نتيجة معروفة بدراسة كل التجارب السابقة، ولهذا فأنا مطمئن إلى أنه على الرغم من الإجراءات الأخيرة فإن الرأي العام العربي لن يحتمل الانغلاق مجددا، لأن هذا له تأثيره على الأجواء الاقتصادية، وسوف يؤدي بالضرورة إلى هروب الاستثمار، لأن البيئة الاقتصادية الحرة لا بد أن تواكبها بيئة إعلامية حرة أيضا.

* البعض يلوم إعلاميين لم يعوا قيمة الحرية التي نعموا بها..

- لا أعتقد أن هناك مبررا يمكن أن يحاجج به أحدهم لإغلاق مصادر التنفس والحرية، وأتمنى أن تكون هذه الفترة مرحلية تمضي لحال سبيلها ويجري التراجع عنها في أسرع وقت ممكن لأنها تؤثر على المدى الطويل على سمعة البلد، وقد تجاوزت مصر بكثير في السنوات الأخيرة مثل تلك الصغائر، ويحسب لها هذا على كل المستويات السياسية والإعلامية. كما أن الخطوط الحمراء التي يتحدث البعض عنها لا بد أن تكون واضحة بنصوص قانونية غير مطاطة أو سهلة التبديل، وألا تتغير بتغير الظروف.