عون في باريس اليوم.. وخلافات أساسية تفصل مواقف فرنسا عن مواقفه

مصادر فرنسية: الزيارة تصب في إطار المساعي الفرنسية لامتصاص الاحتقان الداخلي

TT

يصل رئيس التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون، إلى باريس اليوم في زيارة تستمر حتى يوم الخميس المقبل، بينما فرنسا مشغولة بمشكلاتها الداخلية وتشكيل حكومة جديدة تنتظر ولادتها في اليومين المقبلين. ولأول مرة يستقبل عون رسميا في قصر الإليزيه، على الرغم من سنوات المنفى الـ15 التي قضاها على الأراضي الفرنسية وزياراته الكثيرة إلى فرنسا منذ عودته إلى لبنان في عام 2005.

وتأتي زيارة عون في إطار المساعي التي تبذلها الدبلوماسية الفرنسية بغرض «امتصاص الاحتقان» على الساحة اللبنانية، و«التواصل» مع كل الأطراف اللبنانية، وفق ما تقوله المصادر الفرنسية الرسمية. وبحسب الرؤية الفرنسية، فإن دعوة عون إلى باريس «استكمال» لما بدأته فرنسا مع استقبال رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وزيارة اليومين التي قام بها الوزير برنار كوشنير نهاية الأسبوع الماضي إلى بيروت، واجتمع خلالها بكبار المسؤولين، وبمروحة واسعة من السياسيين اللبنانيين، فضلا عن لقائه البطريرك صفير.

وكانت باريس قد اتخذت قرارا بحصر تعاملها مع «المؤسسات» اللبنانية، بعد أن انتخب رئيس للجمهورية، وجاءت حكومة الرئيس سعد الحريري، وعاد البرلمان لتفتح أبوابه ويستأنف مهمته. غير أن تدهور المناخ السياسي بسبب المحكمة الدولية الخاصة في لبنان دفع باريس لإعادة النظر بسياستها والعودة إلى التواصل عالي المستوى مع أقطاب السياسة اللبنانية من أكثرية ومعارضة. ولذا، فإن زيارة عون ستستتبع بزيارات لرئيس حزب الكتائب، أمين الجميل، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بينما وجهت دعوة رسمية لرئيس مجلس الوزراء. ولا يستبعد أن يأتي رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط إلى العاصمة الفرنسية، وكان قد زارها مرتين في الأسابيع الأخيرة.

ويمثل استقبال ساركوزي للجنرال عون رسميا في قصر الإليزيه قبيل ظهر الاثنين «المفصل» الأهم في محطته الباريسية، على الرغم من «التعارض البين» بين مواقف عون ومواقف فرنسا الرسمية من جملة مواضيع على رأسها المحكمة الدولية، حيث يتبنى عون طرح حزب الله لهجة «تسييس المحكمة» وبالتالي رفض القرار الظني.. كما لا تنظر باريس بارتياح إلى مواقف عون المتشنجة من رئيسي الجمهورية والحكومة، ومن طاولة الحوار الوطني. كما لم «تهضم» المواقف التي أطلقها عون من قوات اليونيفيل الصيف الماضي، وفيها تم تبني منطق حزب الله عقب الإشكالات التي واجهت القوة الفرنسية أكثر من مرة مع «جمهور» المقاومة في الجنوب التي أفضت إلى وضع «فيتو»، خصوصا من قبل الخارجية الفرنسية على زيارة رسمية لعون إلى فرنسا، كان من المفترض أن تتم قبل عدة أسابيع.

وينص برنامج زيارة عون، إلى جانب لقاء الرئيس ساركوزي، على اجتماع مع رئيس مجلس النواب برنار أكواييه «الاثنين»، وعلى اجتماع آخر مع رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه يوم الأربعاء، بينما لم تلحظ أجندة وزير الخارجية للأسبوع المقبل لقاء مع عون. وقالت الخارجية الفرنسية أول من أمس: إنها «تحضر» لزيارة عون من غير إعطاء مزيد من التفاصيل.

وعلى الرغم من التباين في المواقف، فإن الغاية التي تسعى إليها الدبلوماسية الفرنسية هي «تبريد» الأجواء السياسية في لبنان عبر «التحاور» مع مختلف الأطراف، بما في ذلك حزب الله، وهذا ما تمثل مؤخرا في اجتماع الوزير كوشنير مع عمار الموسوي، مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله. وترى فرنسا أن مطالبة المعارضة السابقة بإلغاء المحكمة الدولية ورفض القرار الظني قبل صدوره والتهديد المبطن باللجوء إلى العنف لقلب الأوضاع ميدانيا، أمور غير مقبولة. ولذا، فإن ما تقوم به فرنسا هو من نوع «الدبلوماسية الوقائية».

وعاد الوزير كوشنير من زيارته الأخيرة إلى بيروت متشائما و«قلقا» على الوضع اللبناني. وعمدت باريس إلى توجيه رسائل عن طريق أكثر من قناة، بما فيها القناة السورية، مفادها أن أي عمل عسكري يمكن أن يقوم به حزب الله «لن يغير من طبيعة الأمور شيئا» وأنه يتعين عليه أخذ الانعكاسات السلبية لمثل هذه الممارسات بعين الاعتبار، لأنها ستؤدي إلى عزلته الإقليمية والدولية، وستدفع به إلى لائحة الإرهاب الأوروبية وستحرج سورية، وستطرح أسئلة محرجة بصدد «الدور الحقيقي» الذي تؤديه في لبنان.

وفي أي حال ترى المصادر الفرنسية أن الواقع اللبناني «شهد تحولا» في المرحلة الأخيرة، إذ تبين أن الصورة التي سادت لبعض الوقت وفحواها أن قوى المعارضة المتحالفة مع أطراف إقليمية بصدد «قلب الطاولة» على من حولها «بدأت بالتحول»، وأن إحداث تحول جذري في المشهد السياسي اللبناني «ليس بالسهولة التي كان يتصورها البعض».