ولع أثرياء آسيا بالاستثمار في الأعمال الفنية كلف أحدهم الملايين

مزهرية بيعت بـ69 مليون دولار وصفت بأنها «نسخة مزيفة».. والضحية مستثمر صيني

المزهرية قيمت أولا بـ1200 دولار من قبل خبير الأعمال الفنية قبل 40 عاما وقال إنها إعادة إنتاج لنسخة أصلية (رويترز)
TT

دار «بينبريدجز» للمزادات الكائنة في شمال غربي لندن، لا تتمتع بشهرة داري مزاد «سوذبيز» و«كريستيز» الشهيرتين للأعمال الفنية والتاريخية القديمة، ليس فقط على الصعيد العالمي، وإنما أيضا على صعيد السوق المحلية البريطانية، على الرغم من أنها تمكنت هذا الأسبوع من كسر الأرقام القياسية وبيع مزهرية صينية تعود، حسب رأي الخبراء، إلى القرن الثامن عشر، باعتها بمبلغ 43 مليون جنيه إسترليني (69 مليون دولار)، وهذا أكثر من أربعين مرة من القيمة التقديرية الأولية التي تسبق يوم المزاد، أي يوم البيع الفعلي للقطعة.

ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف أن قطعة من هذا النوع تفوق كل التقديرات وتحصل على رقم قياسي اعتبر الأعلى هذا القرن؟

وبمجرد أن أعلنت الدار، بعد أن قامت بعملية جرد لمحتويات بيت توفي صاحبه وترك جميع ممتلكاته لورثته، عن وجود مزهرية صينية تعود إلى تلك الفترة التاريخية كان هناك اهتمام غير عادي من قبل الأثرياء الصينيين الذي جمعوا ملايينهم، بل وملياراتهم، بعد أن حررت الدولة الصينية الاقتصاد من قبضتها، وخلقت بذلك فئة واسعة من الأثرياء.

ويشبه هؤلاء في غناهم الأثرياء الروس الذين قاموا بدورهم أيضا بصرف الملايين على الأعمال الفنية بعد سقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي.

وتشير الكثير من دور المزادات الأوروبية إلى أن هناك اهتماما متزايدا من أثرياء آسيا، وخصوصا الصينيين، للاستثمار في الأعمال الفنية لسببين؛ أولا لاعتقادهم أن هذه تحافظ على قيمتها على المدى البعيد، وثانيا، هو المنزلة الاجتماعية التي يطمحون لتحقيقها من خلال تميزهم عن غيرهم، وإظهار ثروتهم الهائلة وجمعهم الأعمال الفنية.

ومن هذا المنطلق فقد أراد المشتري الصيني، الذي لم يعلن عن هويته، الحصول على المزهرية بأي ثمن. وقالت الدار إن «المشتري هو رجل أعمال صيني ناجح جدا، وكان مصمما على الحصول على القطعة الفنية تحت أي ظرف»، مضيفة أنه شعر بخيبة أمل كبيرة بعد أن خسر المزايدة على قطعة فنية شبيهة بالتي بيعت، عندما نجح شخص صيني آخر في شراء جرة بيعت في هونغ كونغ من قبل دار «سوذبيز»، وكانت أقل ثمنا من التي بيعت في لندن.

وقالت هيلين بورتر من دار «بينبريدجز» للمزاد في غرب لندن لـ«رويترز»: «هذا الثمن هو رقم قياسي بالنسبة لقطعة فنية آسيوية»، وأضافت: «كان ذلك في ختام أسبوع الفن الصيني، لذا كان هناك الكثير من المشترين وكان الصينيون الذين يزايدون على بعضهم للشراء يملأون المكان بالكامل. استمر المزاد نصف ساعة، لم نعرف بالضبط من المشتري. أعتقد أنهم يشترون نيابة عن شخص ما، لكن أعتقد أنه صيني». والاعتقاد السائد أن الثري الصيني أراد امتلاك مزهرية لندن، التي وصلت رسوم البيع عليها إلى ما يقارب 10 ملايين جنيه إسترليني (15 مليون دولار) بما في ذلك القيمة الضريبية المضافة، ليثبت هو الآخر قدرته الشرائية ومركزه الاجتماعي بعد أن خسر المزايدة في جولة هونغ كونغ. الجرة أو المزهرية لا يزيد طولها عن 40 سم، ويقال إنها صنعت عام 1730م، في فترة حكم سلالة تشيان لونغ، وقدرت قبل موعد المزاد بمبلغ 800 ألف إلى 1.2 مليون جنيه إسترليني (1.2 - 1.8 مليون دولار تقريبا).

وقالت دار «بينبريدجز»، التي جنت ما يقارب ثمانية ملايين جنيه إسترليني من البيع (12 مليون دولار) إن المزهرية اكتشفت خلال تصفية لمقتنيات بيت في ضاحية بشمال غربي لندن، وبيعت بمبلغ 43 مليون جنيه إسترليني (69 مليون دولار) متجاوزة السعر المقدر لها 40 مرة، ومسجلة رقما قياسيا لأي عمل فني من آسيا.

وذكرت أن وجود هذه القطعة الثمينة في لندن يعد لغزا. وقالت إنها كانت تخص مقتنيات عائلة إنجليزية ربما حصلت عليها في الثلاثينات من القرن الماضي.

وذكرت صالة المزاد أن تاريخ المزهرية يعود إلى فترة الأربعينات من القرن الثامن عشر، خلال حكم الإمبراطور تشيان لونغ، وربما كانت موجودة «بلا شك» في القصر الملكي الصيني؛ فكيف وصلت إلى لندن؟ إذ لا توجد أي أوراق تبين تاريخ وصولها إلى بريطانيا.

بدأ المزاد على هذه القطعة بـ500 ألف جنيه إسترليني، وخلال نصف ساعة استقر الرقم على 43 مليون جنيه إسترليني.

«كانت مفاجأة لنا جميع» قالت هيلين بورتر، مضيفة: «لقد صُعقنا وفرحنا في آن واحد. لقد كان مزادا ينتظره الشخص العامل في هذه المهنة طيلة حياته من أجل الوصول لهذه النقطة».

هذه السرعة في بيع القطعة يعطيك فكرة عن طبيعة المنافسة التي حدثت خلال عملية البيع. أضف إلى ذلك أن الدار التي قامت بالبيع غير معتادة بيع هذه النوع من الأعمال الفنية بهذه القيمة، وثالثا أن الثمن الذي حققته أيضا، وهو أكثر من أربعين مرة من القيمة التقديرية الأولى، كلها تثير علامات استفهام؛ ليس فقط حول السوق الفنية التي دخلها لاعبون جدد، وإنما أيضا حول العمل الفني نفسه. وفي أول من أمس، أي بعد يوم واحد من عملية البيع، وبعد أن هدأت العاصفة، اتضحت الكثير من الأمور حول المزاد، التي قد يكون لها مضاعفات وتوابع لم تتضح نتائجها بعد.

لقد تبين أن خبيرا يعمل في برنامج «ذي أنتيك رود شو» (معرض الأعمال الفنية المتنقل) الذي تبثه هيئة البث البريطاني «بي بي سي» قيم المزهرية، واستخلص أنها مجرد نسخة مزيفة للأعمال الصينية التي سادت في القرن الثامن عشر، مضيفا: «لكنها مزيفة بجدارة». وقبل بيعها كانت تجلس المزهرية فوق الموقد في وسط بيت إنجليزي عادي، وليس في أحد القصور البريطانية التي قد تحتوي على هذا النوع من الأعمال بسبب سفر أبناء الطبقة الأرستقراطية الدائم، وعلاقاتهم مع دول ومجتمعات بعيدة.

وهؤلاء يحصلون على هذه النوع من الأعمال الثمينة التي تبقى ضمن ممتلكات العائلة لعشرات أو مئات السنين.

أما المزهرية صاحبة الرقم القياسي فكان يملكها شخص عادي، وعندما توفي قامت شقيقته مع ابنها وابنتها بالاتصال بدار المزاد في نفس المنطقة التي يعيشون فيها. ودار «بينبريدجز» متخصصة في هذا النوع من المزادات وفي شراء ممتلكات البيوت عندما يتوفى صاحبها، وتقوم بتنظيم مزادات لجميع قطع البيت، وتباع هذه بمبالغ تتراوح ما بين عدة دولارات إلى بضعة آلاف.

وفي الأمس، صرح ديفيد رايلي مدير الدار لصحيفة «إيفنينغ ستاندارد» بأن القطعة كانت بحوزة امرأة في السبعين من عمرها، وجاءت لنا مع ابنها وبنتها وطلبت من أن تقوم ببيع جميع ممتلكات البيت التي كان يملكها شقيقها».

وأضاف رايلي: «قالوا لنا إنها قيمت سابقا بمبلغ 800 جنيه إسترليني (1200 دولار)، وكان ذلك قبل شهرين فقط من البيع. كما قال أصحاب البيت إن الشخص المتوفى كان قد عرضها قبل 40 عاما، من قبل برنامج تلفزيوني يخص تقييم الأعمال الفنية، الذي كانت تبثه (بي بي سي)، وقيل له آنذاك إنها نسخة مزيفة لمزهرية أصلية لكن (أعيد إنتاج مزهريات شبيهة بها، ولكن بشكل جيد)».

والاعتقاد السائد أن الشخص الذي قيمها قبل 40 عاما كان الخبير آرثر نيغوس، الذي عمل مع «بي بي سي»، التي صرحت أمس قائلة: «ليس لدينا أي شيء نقوله حتى هذه اللحظة». وقيل إن العائلة التي كانت موجودة خلال المزاد، لم تصدق ما كان يحدث، واضطر القائمون على المزاد إلى اصطحابهم لخارج الصالة، بسبب حالة الذهول التي أصابتهم من القيمة التي وصل إليها المزاد، لكن ظلت هويتهم غير معروفة للمشتركين في المزاد.

ويقال إن بيتر رايلي الذي قاد المزاد على القطعة، رجع بعد حالة الذهول التي أصابت الجميع وحصوله على عشرات الملايين ليبيع القطع التي اعتاد بيعها، وبدأت تنزل مطرقته على قطع لا يتعدى سعرها 50 دولارا.