الأمين العام للجامعة العربية: نريد مواقف على الأرض.. ونتفهم جهود واشنطن لوقف الاستيطان

عمرو موسى لـ «الشرق الأوسط»: الخلافات العربية لن تؤثر على مستوى التمثيل في القمة القادمة

عمرو موسى (إ.ب.أ)
TT

حدد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى منطلقات التحرك العربي لإنقاذ الجهود المبذولة من أجل السلام، وكشف في حوار مع «الشرق الأوسط» عن طبيعة التحرك والبدائل المطروحة، قائلا إنه يتفهم ما تقوم به واشنطن لوقف الاستيطان لكن نريد مواقف على الأرض. وقال موسى إنه يشارك موقف وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في إفصاح الإدارة الأميركية عن تصورها لعناصر التسوية، مشيرا إلى أن النزاع العربي - الإسرائيلي لا يخضع لخلط إسرائيل بين الإرهاب والأمن وإيران.

وأضاف موسى أن انعقاد لجنة مبادرة السلام محل تشاور لتحديد الموعد المناسب، وطالب بتمكين السلطة الفلسطينية من توسيع دائرة عملها وسحب المستوطنين من مناطقها، كما تحدث عن الاضطرابات السياسية في المنطقة وتداعياتها ومحاربة الإرهاب، واستبعد تكرار تجربة أفغانستان في اليمن، وأبدى موسى مخاوفه على عدد من الدول، خاصة اليمن والعراق والسودان والصومال ولبنان، وأكد أن تطوير العمل العربي المشترك يساهم في حل المشكلات القائمة، مشيرا إلى أن التطوير سيتم على ثلاث مراحل وصولا إلى التوافق الشامل، وكشف عن زيارة قادمة لكل من العراق والسودان، وإلى نص الحوار:

* ما هي أسباب تأخير انعقاد لجنة مبادرة السلام؟ وهل المهلة ممتدة إلى أسبوعين فقط لإعطاء الفرصة للجهود الأميركية؟ وهل من جديد فيما يتعلق بتجميد الاستيطان؟

- بالنسبة إلى المهلة فقد كانت مطلوبة لكل الأطراف المعنيين بعملية السلام - بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل - في إطار العمل على وقف الاستيطان وتهيئة الجو اللازم لاستئناف المفاوضات، كما كانت مطلوبة للدول العربية أيضا باعتبار أن الوضع في كل الأحوال غير مؤهل للتقدم وبالتالي فلا بد من التشاور بشأن البدائل، وقد جرى بشأنها فعلا نقاش وتشاور مطول لا يزال قائما، تحدث عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخرا وعرفها بالبدائل السبعة، ومجمل التشاور العربي في هذا الصدد يشير إلى اتفاق فيما بيننا بأنه إذا كانت الإدارة الأميركية تحتاج إلى وقت معقول لإتمام جهودها فمن الحكمة تفهم ذلك ولكن مع عدم الوقوع في فخ المماطلة والتأجيل مع استمرار بناء المستوطنات، ومن ثم فنحن الآن نتحدث عن الموعد المناسب لاجتماع لجنة المتابعة أو لجنة المبادرة ليتم في إطار زمني قصير قادم لتدارس الوضع، وخاصة أن الاجتماع مقرر بقرار إجماعي قائم، ثم بتأكيد طلب عقد الاجتماع من قبل القيادة الفلسطينية، وسوف نستأنف مناقشة مواعيد الانعقاد وأجندته بعد العيد، لمناقشة ما قد يكون هناك من موقف أميركي ولاستئناف بلورة البدائل.

* وماذا عن احتمالات عقد مجلس الأمن لنظر القضية وتطوراتها والوضع السلبي الجاري؟

- إن اللجوء إلى مجلس الأمن مقرر كبديل رئيسي ضمن بدائل أخرى، وموضوع اللجوء إلى مجلس الأمن له أشكال ثلاثة: أولها معالجة موضوع الاستيطان، وهذا أمر حالي وتتحرك الرئاسة الفلسطينية حاليا على أساسه والنشاط العربي في نيويورك يستند إليه، وثانيهما يتعلق بإعادة ملف القضية إلى الأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن بصفة خاصة.. وهذا قرار استراتيجي مهم لأنه يعني طرحا عربيا جديدا يقوم على أن الأسلوب الذي اتبع في إدارة عملية السلام منذ مؤتمر مدريد عام 1991 لم يؤد إلى نتيجة ومن ثم يتطلب الأمر البحث عن أسلوب سياسي آخر، ومجلس الأمن هو أفضل الأجهزة الدولية للتعامل مع هذا الوضع الخطير. وهنا يفضل البعض منا الانتظار بعض الوقت حتى نترك للرئيس أوباما الوقت اللازم للعمل إذا كان في عزمه ومكنته عمل شيء، إلا أن عبارة «بعض الوقت» هذه سيكون لها إطار زمني محدد وقصير وفي إطار أواخر الشهر الحالي وما حوله، علما بأن عملية الانتظار تعني أننا نأخذ الموقف الأميركي في الاعتبار وننتظر في المقابل أن تتفهم الإدارة الأميركية الموقف العربي ولا يكون هناك فيتو أوتوماتيكي ضده، وثالثهما هو الذهاب إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن والطلب الرسمي منهما إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وقبولها عضوا بالأمم المتحدة، وأن يتلو ذلك تفاوض تفصيلي تحت إشراف من مجلس الأمن وإقامة عملية سياسية تحقق التفاهم بين الدولتين المتشاركتين في أرض فلسطين التاريخية، أي فلسطين وإسرائيل، ويجري التفاوض بينهما من هذا المنطلق.

* نلاحظ أن الولايات المتحدة أعلنت، ومعها أوروبا، معارضتها لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، فهل هذا يشكل عاملا إيجابيا في علاج هذا الموضوع؟

- من المنطقي أن نقبل ونقدر هذا الموقف، وخاصة أن موضوع الاستيطان يؤدي إلى قتل موضوع الدولة حيث يطعن في كفاءة عنصر الأرض اللازم لقيام دولة فلسطين، ومن هنا فلم تعد التصريحات تكفي وإنما نحن نريد مواقف عملية على الأرض تتجاوز التصريحات الأميركية والأوروبية التي أعلنت فيها رفض الاستيطان، وهنا أود أن أشير إلى ما ذكره بعض القادة الفلسطينيين مؤخرا وأظنه الدكتور سلام فياض الذي تحدث بحق مشيرا إلى أن حزمة الحوافز التي تعد بها الحكومة الأميركية إسرائيل مقابل وقف جزئي ومؤقت للاستيطان تشكل طعنة أخرى لمسار قيام دولة فلسطين، حيث يضيف إلى الاستيطان (الذي سوف يستمر وإنما بوتيرة أبطأ في حالة إعلان موراتوريوم، بالإضافة إلى عدم شموله للقدس الشرقية).. يضيف إلى الاستيطان التزامات خطيرة أخرى تؤدي إلى عكس المطلوب.. أي تؤدي إلى استفحال الموقف الإسرائيلي أكثر وأكثر.

* إذن، من الضروري عقد لجنة مبادرة السلام في المستقبل القريب جدا! - نعم، وسنبدأ بعد العيد في التشاور عن الموعد المناسب والقريب لعقدها لتقييم الموقف، والدعوة قائمة لانعقاد هذا الاجتماع كما سبق القول، وأن ينعقد في وقت قريب، أي مع عدم الإطالة في المهلة التي تطلبها الإدارة الأميركية، إذ إنه من الواضح أن الوقت يستخدم لصالح إسرائيل لفرض المزيد من الاستيطان على الأرض، وتأجيل الاجتماع أكثر من ذلك مشكوك في أسبابه، إذ إنه يؤجل اتخاذ الجانب العربي موقفا بينما يسمح لإسرائيل بأن تغير من تركيبة الأرض المحتلة كما نرى الآن، ولا أعتقد أن أي دولة عربية يمكن أن تشارك أو تقبل منح التعنت الإسرائيلي وقتا ومكنة لتنفيذ سياسات القضاء على فرص قيام الدولة الفلسطينية.

* هل وصلت إليكم أي رسائل من واشنطن لطمأنة العرب بدور إيجابي أميركي لاستئناف المفاوضات بعد التوصل إلى اتفاق مع تل أبيب لتجميد الاستيطان؟

- نحن في انتظار التعرف على مبنى الجهود الأميركية ومضمونها ونقدر الجهود التي يقوم بها السيناتور ميتشل والرئيس أوباما والدبلوماسية الأميركية، ولكن في مقابل هذا نحن نرصد الموقف على الأرض، ونقارن ما بين الوعود التي نتلقاها والإجراءات الإسرائيلية التي نشهدها، وهذا - أي التعرف على مضمون الموقف الأميركي - لا يتطلب ولا يصح أن يتطلب وقتا طويلا.

* عودة إلى الخيارات، هل هناك خيارات أخرى مطروحة؟

- نعم، ومنها ما أشار إليه وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، حيث اقتراح أن تفصح الإدارة الأميركية، باعتبارها الوسيط الحالي، عن تصورها لعناصر التسوية، وأضيف إلى طرح الوزير الإشارة إلى موقف إدارة كلينتون التي فعلت الشيء نفسه وقدمت تصورا للعناصر الأميركية للتسوية عام 2000 ليجري التفاوض على أساسها، ولكنها مع الأسف قدمتها والرئيس على وشك الرحيل من البيت الأبيض خلال أيام، وتلته إدارة جمهورية ألغت ورقته، أما الرئيس أوباما فأمامه سنتان في إدارته الحالية، وشهور عدة حتى شهر سبتمبر (أيلول) القادم، حيث ذكر أمام الجمعية العامة أنه يريد أن يرى دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة في الدورة القادمة للجمعية العامة، ومن ثم فالوقت متاح أمام الرئيس أوباما لعرض تصور إدارته لحل عادل للنزاع العربي - الإسرائيلي، ولقضية فلسطين بصفة خاصة، وأدعو الرئيس في هذا الشأن إلى أن يقرأ المبادرة العربية مرة أخرى.

ومن الخيارات كذلك انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية من المنطقتين «أ»، و«ب» تمكينا للإدارة الفلسطينية من توسيع دائرة عملها وسلطتها وسحب المستوطنين منها.. وهناك غير ذلك من الخيارات وسوف يأتي الوقت المناسب لإعلانها أو لتفعيلها.

* من الواضح أن واشنطن تولي اهتمامها لموضوع مكافحة الإرهاب والحرب ضد «القاعدة» وبالقدر نفسه تهتم إسرائيل أولا وأخيرا بالأمن ولا يوجد في الأفق أجندة واضحة لإقرار السلام، كيف تقرأون ذلك؟

- محاربة الإرهاب شيء والقضية الفلسطينية شيء آخر، وللإرهاب ظروفه وأسبابه ولكنها كلها لا تبرره، ويجب وقفه ورفضه وإنهاء تداعياته السلبية الخطيرة، والإرهاب ذو علاقة بالاضطراب السياسي الكبير في المنطقة الذي يجب علاجه، ونرى أن محاربة الإرهاب لا تتأتى فقط بأسلوب رصاصة مقابل رصاصة وإنما بالتحرك الفعلي لتخفيف حدة التوتر البالغ في المنطقة وفي العالم على اختلاف تنوعه، فقد حدثني كثيرون عبر العالم بما في ذلك أوروبا وأميركا الجنوبية والجميع في حالة غضب شديد من نتائج ما وصلت إليه القضية الفلسطينية، ونحن نرصد جيدا ما تحاول السياسة الإسرائيلية خلط بعضه ببعض وبالذات خلط ثلاثة مواضيع معا «القضية الفلسطينية - والإرهاب - وإيران»، وهي بذلك تقصد خلق حالة من الاضطراب والالتباس تمنع التعامل الصحيح مع القضايا المطروحة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والنزاع العربي - الإسرائيلي، ومن ناحية أخرى فإن مشكلة الإرهاب في نطاق التوجه الأمني العالمي الحالي وبالشكل التي هي مطروحة به تجعل من الضروري أن نبحث في موضوع الأمن الإقليمي، أي أمن الشرق الأوسط، وتعريفه والتوصل إلى إقراره، وهذا يستتبع أن يعاد النظر في أمن إسرائيل وتعريفه وألا نأخذ الأمور المطروحة في شأن أمن إسرائيل على علاتها، لأن فيها من المبالغة والتضخيم والاختراع والافتراء ما يصادر على المطلوب وهو إقرار الأمن الإقليمي نفسه، نعم لا يمكن الحديث عن الأمن الإقليمي واختصاره كله في أمن دولة واحدة، لأن ذلك يعني أمنا مختلا وإقليما مضطربا.

* هل من مقترحات جديدة كما تردد للدفع بعملية السلام، مثل انعقاد مؤتمر جديد؟

- المؤتمرات والمبادرات والاجتماعات والصور التي يتم التقاطها للسلام والتحية والابتسامات العريضة.. كل هذا شبعنا منه ولا قيمة له ولم يعد يقنع الرأي العام ولا يفيد الناس، المهم الموقف على الأرض، وأقصد من هذا أن هناك نقاطا محددة يجب التعامل معها قبل التفكير في مسرحيات المؤتمرات والابتسامات.. إلخ، هل أنت أوقفت الاستيطان أو لا؟ هل أوقفت الحركة الإسرائيلية الواضحة لاستعمار القدس بكاملها أو لا؟.. وبالتالي نؤيد مطلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بربط التفاوض المباشر بوقف الاستيطان، فالاثنان أمران متناقضان لا يسيران معا، إلا إذا كانت مصلحة إسرائيل هي الهدف وأن المطلوب من العرب أن يسيروا مع هذه المصلحة، وهي في رأينا مصلحة مشبوهة ما دامت بعيدة عن تسهيل التوصل إلى سلام متوازن، كما نؤيد طلب فلسطين بانعقاد جلسة في مجلس الأمن لبحث موضوع الاستيطان، وهذه خطوة سياسية سليمة أرجو أن يصر الجانب الفلسطيني عليها.

* ما هي نتائج زيارتكم إلى ليبيا؟ وهل تتعلق بمنظومة التطوير أو بأي شيء آخر؟

- الزيارة تتعلق بمنظومة التطوير وأهمية إحداث التوافق حولها، ومن الطبيعي أن يتحدث الأمين العام مع رئاسة القمة العربية الحالية في هذا الأمر، كما كان من الطبيعي أن نتحدث عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط وتطورات النزاع العربي - الإسرائيلي وكذلك الموقف في السودان والتطورات الجارية في العراق، وفى الحقيقة تحدثت مع الزعيم الليبي معمر القذافي في مواضيع كثيرة في إطار التشاور وتحقيق التفاهم حول مجمل هذه القضايا، وأود في هذا المقام أن أشير إلى أن هناك إمكانات واعدة لتخفيف التوتر القائم بين بعض الأطراف العربية.

* هل تطرق اللقاء مع الزعيم الليبي معمر القذافي حول نتائج قمة سرت الثانية وموضوع إصلاح منظومة العمل العربي المشترك؟

- ناقشنا هذا الموضوع جيدا واتفقنا على إجراء عدد من الاتصالات في هذا الشأن تقوم بها رئاسة القمة ويقوم الأمين العام من ناحيته بإجرائها أيضا، وذلك في صدد المواقف المتباينة إزاء بعض - وليس كل - نقاط البحث، والواقع أنه توجد توافقات قائمة بالفعل والخلاف إنما هو حول عدد محدد من النقاط، وبناء عليه نبحث في مسار التوافق بشأنها وفي بدء التنفيذ على مراحل وخطوات متدرجة، بمعنى تنفيذ ما هو مقبول اليوم والإعداد لما يمكن القبول به بعد فترة، وكذلك تأجيل المختلف عليه إلى بعض الوقت الذي ربما يتيح إعادة صياغة أو إعادة نظر، ولا تنسي أن هناك فترة 5 سنوات مقترحة لتحقيقه واستكمال عملية التطوير.

* هل تم التطرق إلى القمة العربية القادمة كي تستضيفها دولة أخرى أو عقدها في دولة المقر؟

- نحن تحدثنا فقط عن الإعداد للقمة الاقتصادية التنموية والاجتماعية التي ستعقد في منتجع شرم الشيخ في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، أما موضوع انعقاد القمة العربية في بغداد فسوف نتحدث عنه بعد الانتهاء من القمة الاقتصادية، وقرار القمة الأخيرة هو عقدها في بغداد كما تعرفين.

* هل الخلافات العربية ستؤثر على مستوى التمثيل في القمة الاقتصادية؟

- أتوقع مشاركة قوية في القمة الاقتصادية بشرم الشيخ، لأن المطروح على جدول أعمالها يشكل مصلحة لكل الدول العربية، ومناقشة مواضيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية أمر لا يقل أهمية عن مناقشة القضايا السياسية، بل هو دليل على نضج سياسي عربي، وكذلك أعتقد أن مستوى التمثيل سيكون جيدا في القمة العادية القادمة، وخاصة بعد انتهاء الأزمة السياسية في العراق التي أرجو أن يتبعه استقرار سياسي وأمني يشعر به الجميع.

* هل ستزور العراق قريبا؟

- بعد إجازة العيد سوف أستأنف اتصالاتي لتحديد موعد الزيارة، خاصة بعد الاتفاق على تشكيل الحكومة وقد يتطلب الأمر بعض الوقت لتفعيل كل المطروح من تفاهمات بين القوى العراقية.

* ما هي الأجندة الثقيلة التي تحملها الجامعة العربية خلال المرحلة المقبلة؟

- العمل متصل على أكثر من محور سياسي واقتصادي والشباب والمرأة، ولدينا عدد من الاجتماعات التي ستعقد على التوالي، وخلال هذه الاجتماعات سوف أقوم بزيارات لكل من السودان والعراق ولبنان وربما اليمن لتقديم الدعم الكامل في هذه المرحلة الحساسة لهذه البلاد ذات المركز الخاص في المجتمع العربي والإقليمي.

* هل تتوقع ذهاب القادة العراقيين إلى مكة وفق الدعوة السعودية؟

- بعد تشكيل الوزارة ومعالجة المواضيع الخلافية سنرى في أي اتجاه تسير الأمور، والمبادرة السعودية كانت مبادرة خيرة، وهي لا تزال تستأهل التواصل بين الرياض والإخوة جميعا في بغداد لفائدة الجميع.

* ماذا عن المخاطر التي تحاصر اليمن حاليا بعد قضية الطرود المفخخة والمخاوف التي يطرحها البعض من تحويل اليمن إلى أفغانستان؟

- تجربة أفغانستان آمل ألا تتكرر في أي بلد عربي وأعتقد أنها لن تتكرر في اليمن بالذات، فاليمن يختلف عن أفغانستان التي عانت من ظروف مختلفة وانقلابات كثيرة ثم الاحتلال الروسي والحرب الدولية ضده، والحرب الدينية أيضا، وكذلك دور طالبان والانقسامات العرقية والمذهبية، وهذا غير الوضع في اليمن، وأرجو أن يصل اليمن بسرعة من خلال الحوار الوطني ومعالجة ملفات الأزمة والمصالحة الشاملة إلى نتيجة طيبة في هذا، ومعروف أن اليمن لديه أزمة اقتصادية كبيرة تحتاج إلى تقديم الدعم، وبخاصة الدعم العربي إلى جانب الدعم الاقتصادي الدولي لمساعدته في مواجهة أوضاعه الاقتصادية واحتياجاته التنموية.

* ألا تشعر بمخاوف على اليمن؟

- طبعا، بل إن لدي مخاوف شديدة الخطورة على كل العالم العربي، خاصة في بعض المناطق الساخنة، ومنها اليمن والسودان ولبنان والعراق والصومال.. إن هشاشة الموقف في هذه البقاع، والسياسات المتضاربة في المنطقة، والمصالح المتقاطعة كلها تغذي هذه المخاوف، ولهذا طالبت بسياسة عربية جريئة تبدأ بتجميع دول الجوار، وتحقيق إصلاحات اقتصادية وسياسية، وحل المشكلات الكبرى والأساسية التي تسبب التوتر البالغ في المنطقة، بإسهام عربي رصين وبمواقف عربية غير متراجعة ولا خائفة ولا مترددة ولا محصورة في زاوية المصالح الضيقة.

* هل من دعم محدد يقدمه العالم العربي لليمن في هذه المرحلة؟

- مطلوب دعم اقتصادي، وأعتقد أن مجلس التعاون الخليجي يأخذ بيد اليمن بشكل واعد، إضافة إلى دعم سياسي من كل الدول العربية، ويجب أن يهتم الجميع باليمن باعتباره دولة عربية محورية تحتل مكانا استراتيجيا يهم العرب أن تكون مؤمنة وقادرة.

* إذا تحدثنا عن المناطق الأكثر سخونة عربيا، وهي السودان، ألا ترى الدعم غير المسبوق من الولايات المتحدة الأميركية لانفصال الجنوب؟

- حل مشكلة السودان لن يكون إلا عبر استفتاء شفاف وتحت رقابة دولية فعالة وينتهي الأمر إلى النتيجة التي تعكس قرار ومواقف أهل الجنوب طبقا لصحيح رغباتهم، وإذا حدث هذا بمصداقية فسوف تسير الأمور إلى الأفضل، والمهم أن نستعد من الآن لتداعيات النتائج التي سوف يسفر عنها الاستفتاء، وأهل الجنوب إخواننا في كل الأحوال ويجب أن يظلوا كذلك، اتحدوا أو انفصلوا، والتعاون بين الجنوب والشمال يجب أن يستمر، بل ويتوثق بتعظيم المصالح المشتركة بينهما في حالتي الوحدة أو الانفصال، وليس بتدميرها أو إهمالها. وفي النهاية فالأمر يتعلق بإرادة الناس سواء في اتجاه الوحدة أو الانفصال، الشمال والجنوب يجب ألا يديرا ظهرهما لبعضهما إذا قرر الاستفتاء الانفصال.

* بماذا تفسر الهجوم على المقترح المصري الذي تحدث عن الكونفدرالية، خاصة من قبل جبهة الدكتور الترابي وكذلك أميركا؟

- الحقيقة أن طرح الكونفدرالية مهم، وكان يجب أن يكون أحد الخيارات التي تدخل في اتفاق السلام الذي وقع في نيفاشا عام 2005، أي أن يكون هناك خيارات ثلاثة وليس الوحدة أو الانفصال فقط، ومع الأسف لم يتم التفاوض حول هذا الخيار، والآن الساحة السياسية سواء في الشمال أو في الجنوب غير مهيأة لذلك، إنما فكرة الكونفدرالية تبقى قائمة وهي جيدة ولذلك يجب ألا تطعن أو تفقد، وألا تصبح مسارا للشد والجذب فتتمزق، ولذلك فمن الأفضل بقاء الفكرة كاحتمال يمكن أن يقترح طبقا للتطورات في المنظور القريب أو المتوسط، وأرجو ألا يكون البعيد.

* ماذا تحمل للسودان خلال زيارتكم المرتقبة؟

- التأكيد على أهمية شفافية الاستفتاء وتجنب أي مشكلات، وأن يتم الاستفتاء في موعده، وعدم فرض أوضاع أو آراء أو مواقف ونتائج من قوى أجنبية، وإنما من الناس.. من أهلنا في جنوب السودان، فنحترم ما يقررونه في هذا الإطار.