خبراء: «القاعدة» تتفتت إلى مجموعات تبحث عن المال.. و«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» أفضل مثال

قاض فرنسي: ارتكبنا خطأ كبيرا عندما وضعنا معتقلي الإرهاب مع باقي السجناء

TT

قال خبراء دوليون: إن هناك تحولا حدث لتنظيم القاعدة أدى إلى انتقاله من تنظيم إرهابي مؤسس على خلفيات آيديولوجية وسياسية متطرفة، إلى مجموعة من العصابات الإجرامية التي تتخذ الإرهاب كغطاء لجرائم تهدف بشكل أساسي إلى إغناء مجموعة من المجرمين الكبار.

وأوضح الخبراء، الذين شاركوا في ندوة حول تداخلات الإرهاب والجريمة، المنظمة أول أمس في إطار «منتدى ميدايز» في طنجة، أن تركيز الاستقطاب في السنوات الأخيرة داخل السجون وتراجع الجانب السياسي الحركي لـ«القاعدة» شكلا أبرز الأسباب لميلاد جيل جديد للمنظمات الإرهابية التابعة لـ«القاعدة»، والتي أصبحت تعمل في استقلال تام عن بعضها وعن المنظمة الأم.

ويقول جان بابتيس كاربونتيي، مدير برنامج «تراكفين» لمعالجة المعلومات والتدابير ضد القنوات والحركة غير الشرعية للأموال: إن هذا التحول يمكن الوقوف عليه بسهولة من خلال مقارنة المستوى المتدني والمنحط للخطاب الحالي للجيل الجديد من زعماء المنظمات التابعة لـ«القاعدة»، خاصة تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» مع خطاب القاعدة خلال التسعينات. ويضيف: «اليوم نحن أمام عمليات اختطاف وقتل رهائن من أجل المال، ومساومة، وتجارة مخدرات، وتهريب تبغ وأشخاص، وغيرها من الأعمال الإجرامية التي تتم تحت قناع الإرهاب. كما أننا أمام خطاب غير مفهوم تماما لا علاقة له بالبلاغة التي عرفناها في خطاب «القاعدة» في الماضي. نحن الآن أمام وضع يمكن فيه أن نجزم بأن «القاعدة» انتقلت من جيل يستغل الجريمة من أجل تمويل الإرهاب إلى جيل جديد يتخذ لبوس «القاعدة» والإرهاب أقنعة من أجل التغطية على أنشطة إجرامية صرفة تهدف بالأساس إلى تحقيق الثروة والغنى.

وأوضح كاربونتيي أن هذا النوع من التحول ليس خاصا بتنظيم القاعدة. ويضيف: «كانت لدينا في فرنسا حركة سياسية إرهابية متطرفة في كورسيكا. ولاحظنا مع مرور الزمن اضمحلال الجانب السياسي لهذه الحركة الإرهابية بالموازاة مع توسع نشاطها الإجرامي. واليوم أصبحت هذه الحركة تعيش فقط على الإجرام الصرف. ويمكن الجزم بأن هذه الحركة لو عولت على القاعدة السياسية فقط لما استطاعت الاستمرار».

ويرى كاربونتيي أن التطرف قد ينشأ في البداية نتيجة لاعتبارات سياسية، وأنه في معظم الأحيان يظهر كرد فعل متطرف على الاحتلال أو المشكلات الاجتماعية. غير أن طبيعته المتطرفة والوسائل والأساليب الشاذة التي يلجأ إليها لا تعطيه أي أفق سياسي. وزاد كاربونتيي قائلا: «سياسيا لا يمكن للإرهاب أن يعطي أي نتيجة. وحتى إذا كانت هناك نتائج فإنها تكون دائما كارثية. فالعمليات التي قامت بها (القاعدة) مند عام 2001 كلها كانت ضد مسلمين، وضحاياها مسلمون؛ لذلك، وبسبب انسداد الأفق السياسي لهذه التنظيمات وعدم تحقيقها نتائج، فهي سرعان ما تضمحل كحركات سياسية، وبالتالي تفتح الباب على مصراعيه لكي تتحول إلى تنظيمات إجرامية محضة، مع استمرارها في العمل بالوسائل نفسها. وتصبح قنوات التمويل غير الشرعية التي كان يستغلها التنظيم الإرهابي سابقا لتمويل أعماله هي النشاط الرئيسي للتنظيم الجديد، الذي يواصله تحت أقنعة التنظيم الإرهابي الأصلي. فهي تستمر في استعمال الأساليب نفسها والوسائل نفسها التي كان يستعملها التنظيم الأصلي، لكن برؤى أكثر انحطاطا، ولأهداف لا علاقة لها بتاتا بالأهداف التي كان يدعيها التنظيم الأصلي. وبفضل هذا التحول تتمكن هذه التنظيمات من الاستمرار؛ لأنه من السهل أن تستمر منظمة إجرامية هدفها تحقيق مكاسب مادية عبر الإجرام، من أن تستمر منظمة إرهابية على أساس سياسي مهزوز ومن دون أفق، ومن السهل على تنظيم يفتقد الأفق السياسي تجنيد مجرمين وذوي سوابق أكثر مما يستطيع استقطاب أشخاص متطرفين آيديولوجيا».

ويشير كاربونتيي إلى أن هذا التحول بقدر ما يمكن التنظيم الإرهابي من الاستمرار في شكله الجديد، فإنه يجعل كذلك من السهل القضاء عليه باستعمال الوسائل العادية لمكافحة الجريمة المنظمة، كما أن تدني مستواه السياسي وانحطاطه الأخلاقي يجعل من السهل تحييده سياسيا وعزله في المجتمع.

وأشار قاضي الإرهاب الفرنسي السابق، جان لويس بروكيير، من جهته، إلى أن أعضاء «القاعدة» الذين اعتقلوا خلال العقد الماضي استطاعوا استقطاب عدد من السجناء، مستغلين ظروفهم النفسية داخل السجون. وعبر بروكيير عن أسفه لأن السلطات لم تنتبه لخطورة جمع معتقلي الإرهاب مع باقي السجناء. وأضاف: «فوجئنا في فرنسا خلال عام 2004بتنظيم إرهابي خطير تم إنشاؤه بالكامل داخل السجن ويتكون من مجرمين سابقين، وقد بدأ يخطط بعد خروج أعضائه من السجن لعمليات خطيرة في فرنسا».

وأشار بروكيير إلى أن درجة التهديد الإرهابي في فرنسا لا تزال مرتفعة. وقال: «القاعدة في المغرب الإسلامي» تعمل اليوم على 3 أجندات، أولاها: استهداف فرنسا، على اعتبار أن هذا التنظيم ينحدر من المجموعات الجهادية السابقة في الجزائر التي لدينا معها تاريخ طويل من الصراع. يجب ألا نغفل أن أول استعمال للطائرة كأداة للدمار من طرف الجهاديين حدث في فرنسا عندما اختطفت طائرة إيرباص عام 2004، وقال في هذا السياق: «كان هذا الحادث مؤشرا لو أخذته المجموعة الدولية بالاعتبار لما وقعت أحداث 11 سبتمبر (أيلول)». الهدف الثاني على أجندة «القاعدة في المغرب الإسلامي»، كما يرى القاضي بروكيير، هو زعزعة استقرار المغرب العربي، والهدف الثالث: إضعاف دول منطقة الساحل الأفريقية واتخاذها منطقة خلفية مع التوسع في اتجاه الغرب وللسيطرة على السواحل الأطلسية في بوركينا فاسو والسنغال وكوت ديفوار (ساحل العاج) لأهمية هذا الساحل في تهريب المخدرات والسجائر والأسلحة الآتية من أميركا الجنوبية في الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي.

وقال أمادو مارو، رئيس المجلس الاستشاري الوطني في النيجر: إن الطريقة الأمنية والاستخباراتية والقضائية التي نهجها المغرب أبانت نجاعتها ضد خلايا «القاعدة»، مقارنة مع المقاربة العسكرية في الجزائر، مشيرا إلى أن المغرب لم يعرف أحداثا إرهابية تذكر منذ عام 2003 نتيجة هذه المقاربة. وأضاف أن على المجتمع الدولي تقوية دول الساحل والصحراء وتحصينها عبر دعم الديمقراطية والتنمية. وقال «(القاعدة) تريدنا دولا ضعيفة لكي تصول وتجول في منطقتنا بلا رادع. وأحذر المجتمع الدولي من أن منطقتنا سيكون من الصعب السيطرة عليها إذا تفاقم الأمر». وقال في هذا السياق: «بلدي النيجر تبلغ مساحته 1.26 مليون متر مربع، والدولة والجيش ليست لديهما أي وسائل لمراقبة هذا المجال الشاسع».