العلماء يبحثون عن معلومات جديدة لارتفاع منسوب البحار بينما تذوب الكتل الجليدية

درجة الحرارة التي تم تسجيلها بالقرب من القاع 40 درجة.. تثير القلق

TT

حلقت الطائرة الهليكوبتر فوق المياه، بينما كان الطيار المتوتر ممسكا بعصا التحكم، وضاعت نقطة حمراء تشير إلى الطائرة وسط غابة من الصخور والجليد. وعلى الجانب الأيمن يمتد مضيق بحري عظيم باتجاه البحر وتحيط به جبال من الجليد على نحو خانق، بينما لاح على الجانب الأيسر نهر جليدي ضخم يوصل الجليد من أعلى غطاء جليدي بجزيرة غرين لاند إلى المحيط.

أنزل عالمان، بينما كان يتدلى نصف جسميهما خارج الطائرة، أجهزة قياس في المياه بين طبقات الجليد الطافية وكانت درجة الحرارة التي تم تسجيلها بالقرب من القاع 40 درجة. أوضحت هذه الدرجة الأخيرة من سلسلة القياسات المثيرة للقلق أن المياه دافئة بدرجة كافية لإذابة الكتل الجليدية من الأسفل سريعا.

وتقول فياميتا سترانيو، وهي عالمة من الاثنين: «إن هذه الدرجة هي أعلى درجة نراها في المضيق البحري».

ومثلت هذه القراءة للحرارة معلومة جديدة في إطار الجهود المبذولة للإجابة على أحد أكثر الأسئلة، التي تواجهها الإنسانية إلحاحا وإثارة للجدل وهو: ما سرعة ذوبان الجليد في العالم؟

وقد كان يعتقد العلماء لوقت طويل أن انهيار الأغطية الجليدية في غرين لاند والقارة المتجمدة الجنوبية سيستغرق آلاف السنين وأن هذا سيؤدي إلى ارتفاع منسوب البحار بقدر ضئيل يقدر بسبع بوصات خلال القرن الحالي وهو ما يعادل تقريبا مستوى الارتفاع في القرن الماضي.

لكن ذهل الباحثون مؤخرا بحدوث تغيرات كبيرة في كل من غرين لاند والقارة المتجمدة الجنوبية.

ونتيجة للحسابات الأخيرة التي وضعت هذه التغيرات في الاعتبار، يقول الكثير من العلماء حاليا إنه من المرجح أن يرتفع منسوب البحار بمقدار ثلاثة أقدام بحلول عام 2100 ويمثل هذا الارتفاع، في حالة حدوثه، خطرا على المناطق الساحلية في أنحاء العالم.

وتشير التقديرات إلى احتمال تجاوز مقدار الارتفاع ستة أقدام مما قد يؤدي إلى غرق آلاف الأميال المربعة على طول الساحل الأميركي ونزوح ملايين الناس في قارة آسيا.

يقول العلماء إن ارتفاع المنسوب بمقدار ثلاثة أقدام من شأنه أن يؤدي إلى غرق الأراضي المنخفضة في الكثير من البلاد وإحالة بعد المناطق إلى مناطق غير مأهولة بالسكان. كذلك قد يتسبب هذا الارتفاع في حدوث فيضان ساحلي كل بضع سنوات من نوعية الفيضانات التي تحدث مرة أو مرتين كل مائة عام كما هو الحال الآن وفي تعرية الشواطئ والجزر العازلة والسبخات بشكل أسرع وأيضا تلوث موارد المياه العذبة بالملح.

وهناك أجزاء من الساحل الشرقي وساحل الخليج في الولايات المتحدة معرضة لهذا الفيضان بشكل كبير، وقد يصبح الفيضان الساحلي أمرا معتادا في نيويورك، حيث أجزاء كبيرة من حي كوينز وبروكلين معرضة لهذا الخطر بصفة خاصة. كذلك قد تغرق نحو 15 في المائة من الأراضي الحضرية في ميامي ويمتد المحيط إلى مسافة تتعدى ميلا نحو أجزاء من كارولينا الشمالية.

هناك مدن أخرى مثل لندن والقاهرة وبانكوك وفينيسيا وشنغهاي معرضة بشدة لخطر ارتفاع منسوب البحار بها بمقدار ثلاثة أقدام.

يقر علماء المناخ بأن تقدير ارتفاع منسوب البحار بمقدار ثلاثة أقدام قد يكون خطأ فإدراكهم للتغيرات التي تحدث للمناطق الجليدية في أنحاء العالم لا يزال بدائيا، لكنهم يقولون إن هذا التقدير قد يكون أقل وليس مبالغا فيه. ينصح أورين بيلكي، أحد عمداء الدراسات الساحلية الأميركية بجامعة ديوك، السكان الذي يعيشون على السواحل بالاستعداد لمواجهة ارتفاع منسوب البحار بنحو خمسة أقدام على الأقل بحلول عام 2100.

قال دون تشيرش، وهو عالم أسترالي من أبرز الخبراء في منسوب البحار: «أعتقد أننا بحاجة إلى التفكير في مدننا الساحلية وكيفية حمايتها». وأضاف «لا يمكننا حماية كل شيء، فعلينا أن نتخلى عن بعض المناطق».

ويمثل ارتفاع منسوب البحار عنصرا مثيرا للقلق في الجدل حول ظاهرة الاحتباس الحراري. يشير أحد التقديرات إلى خطورة التهديد، حيث من المحتمل أن يرتفع منسوب البحار بنحو 15 قدما خلال القرن الحالي. أجريت بعض هذه الدراسات التي تنبأت بارتفاع قدره ثلاثة أقدام خصيصا لتكون في مواجهة حسابات أكثر تطرفا.

وعلى الجانب الآخر يزعم المشككون في ظاهرة الاحتباس الحراري أن أي تغيرات في الطبقات الجليدية تحدث نتيجة قدرة المناخ الطبيعي على التغير للغازات الدفيئة التي يتسبب فيها الإنسان.

ولطالما كانت هذه الشكوك عاملا رئيسيا في الجدل السياسي في أميركا حول الاحتباس الحراري الذي يعوق جهود الديمقراطيين وإدارة أوباما في تمرير تشريع يحد من انبعاثات الغازات الحابسة للحرارة. من المرجح أن تلقى جهود تشريعية مماثلة دعما أقل في الكونغرس الجديد، حيث يشكك الكثير من أعضاء الكونغرس الجدد في التغير المناخي.

ويعتقد أغلب علماء المناخ أن الغازات الحابسة للحرارة تلعب دورا فيما يحدث للمناطق الجليدية في أنحاء العالم، وأن عدم وجود سياسات تحد من انبعاثات يزيد من خطورة تدهور حالة الجليد بشكل لا يمكن تداركه قبل نهاية القرن الحالي مما قد يؤدي في النهاية إلى النظر لتقدير ارتفاع منسوب البحار ثلاثة أقدام باعتباره رقما ضئيلا للغاية.

ويعد ذوبان الجليد المؤشر الوحيد على ارتفاع درجة حرارة الأرض، كما توضح الترمومترات الموضوعة على الأرض وفي البحر بالإضافة إلى تلك التي تحملها أقمار صناعية. تتزايد موجات الحرارة والسيول والظواهر الجوية غير العادية وتزهر النباتات مبكرا وتموت الشعاب المرجانية بالإضافة إلى اقتراب حدوث تغييرات كثيرة أخرى يرجع العلماء سببها إلى الاحتباس الحراري. لكن قد يتبين أن ارتفاع منسوب البحار هو التأثير الوحيد الأخطر. رغم أن الولايات المتحدة من ضمن أكثر الدول تعرضا للخطر، لم تضع هي أو أي دولة غنية أخرى تتبع أو فهم التغيرات التي تحدث على رأس قائمة الأولويات الاستراتيجية القومية.

نتيجة لذلك لا تتوفر المعلومات الأساسية للباحثين. كما أنهم لا يستطيعون قياس درجة حرارة المياه القريبة من بعض أهم المناطق الجليدية على الأرض ولا معرفة إذا ما كان الماء يزداد دفئا بمرور الوقت أم لا. ولم تستبدل الأقمار الصناعية الأساسية في الوقت المناسب مما أدى إلى عدم قدرة العلماء الأميركيين على رصد الجليد من الجو كما ينبغي.

وعدم توفر هذه المعلومات يجعل تمكن العلماء من التأكد من مدى خطورة الموقف مستحيلا.

يقول غوردون هاميلتون، أحد الباحثين على متن الطائرة الهليكوبتر: «عليك أن تلتزم بما تعرفه وما تشير إليه الأدلة بصفتك عالما، لكن ما رأيته في غرين لاند خلال الخمسة أعوام الأخيرة مثير للقلق. لقد رأينا هذه الطبقات الجليدية تتغير بالفعل بين ليلة وضحاها».

* خدمة «نيويورك تايمز»