فرض الضرائب على دخول الذهب المشغول إلى السعودية يتسبب في عمليات تهريب

اضطراب قيمة العملات يرفع أسعار المعدن الأصفر

أحد محلات بيع المجوهرات في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

كشف خبير اقتصادي عن وجود عمليات تهريب للذهب الداخل إلى السعودية، نتيجة فرض ضرائب على دخوله بشكل رسمي، وهي التي تبلغ أكثر من 6 في المائة بالنسبة للذهب المشغول، في حين أن الخام لا تفرض عليه ضريبة، لافتا إلى أن المجتمع لا يعلن عن مثل تلك العمليات مطلقا. وأوضح الدكتور خالد البسام، الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز والمستشار الاقتصادي للغرفة التجارية الصناعية بجدة، أن أكثر عمليات التهريب التي تشهدها السعودية عادة ما تكون من الإمارات العربية المتحدة واليمن، وذلك في ظل استيراد المهربين للذهب من الخارج إلى هاتين الدولتين، ثم تهريبه للمملكة.

وقال البسام في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن عمليات تهريب الذهب إلى السعودية قد لا تؤثر على أسعاره، إلا أن هناك جشعا أكثر من اللازم لدى بعض الناس وهو الذي يدفعهم إلى الحصول على المال بشتى الطرق.

وذكر أن أغلب مصانع الذهب انتقلت إلى خارج السعودية على خلفية أسباب تنظيمية، لا سيما أن الإجراءات هناك تعد أكثر سهولة من تلك الموجودة في المملكة، والمتضمنة توفير الأيدي العاملة بأسعار معقولة دون التعرض لأي منع لجلب العدد المرغوب منها، مما يجعل غالبية التجار ينشئون مصانعهم في الخارج.

وأضاف: «أن الدول الأخرى تتيح للتجار فرصة الحصول على أي كمية من الذهب الخام».

بينما أكد جميل فارسي، رئيس لجنة الذهب والمجوهرات في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، على أن خروج مصانع الذهب من السعودية، غالبا ما يكون نتيجة التسهيلات التي تعطى لهم في الخارج، التي من ضمنها الحصول على العمالة الرخيصة مقابل الصعوبات التي تواجههم في الحصول على العمالة بالمملكة.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن أي صناعة محلية لم تخلق منفعة أو قيمة مضافة للوطن نفسه، وليس لصاحب المصنع، فلا لزوم لبقائها، غير أنه إن استطاع أن يخلق فرص عمل جديدة للمواطنين، ففي هذه الحالة نؤيد الصناعة السعودية للذهب».

وطالب بضرورة تدريب أصحاب المصانع للسعوديين على المهنة، غير أنهم إن لم يستطيعوا فعل ذلك، فإنه لا بد من الاكتفاء باستيراد الذهب جاهزا، عوضا عن استقدام العملات من الخارج، التي من شأنها أن تخلق أعباء اجتماعية مصاحبة للتصنيع المحلي في هذه الحالة.

وأشار إلى وجود نحو أربعة مصانع للذهب في جدة، والحاصلة على ترخيص صناعي، إلى جانب نحو 320 ورشة، خصوصا أن معظم عمليات تصنيع الذهب تكون داخل تلك الورش. وفيما يتعلق بعمليات تهريب الذهب إلى السعودية، علق رئيس لجنة الذهب والمجوهرات في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، قائلا: «لا يمكن الحصول على إحصاءات دقيقة لمثل تلك العمليات، إلا أنه لا يستبعد وجودها في ظل ظهور عمليات تهريب لمنتجات كثيرة».

ولكنه استدرك وأشار إلى أنه لا يمكن أن تدفع رسوم الضرائب بالتجار إلى اللجوء لعمليات التهريب، وذلك باعتبارها ضئيلة جدا، على حد قوله.

وبالعودة إلى الدكتور خالد البسام، فقد أشار إلى أن السعودية تعد من أكبر الدول المستهلكة للذهب المصنع في العالم، غير أن إنتاج الخام منه قليل جدا، مقارنة بإجمالي الإنتاج العالمي في ظل وجود منجم واحد للذهب، لافتا إلى إمكانية وجود مناجم أخرى غير مكتشفة حتى الآن أو لم يتم الإعلان عنها بعد.

وتابع «من المعروف أن أسعار الذهب مرتبطة بعوامل كثيرة، من أهمها الدولار، فضلا عن حجم المضاربات الهائل الذي شهده الذهب حتى في دول أوروبا»، مشيرا إلى أن انخفاض الدولار يدفع بالناس لحماية أنفسهم بشراء الذهب، وهو ما يجعل أسعاره ترتفع في هذه الحالة.

وأبان أن أسعار الذهب شهدت انخفاضا في فترة من الفترات، غير أنها ارتفعت ارتفاعا هائلا وغير متوقع، لا سيما أن الأزمة المالية العالمية أدت إلى نشوء مضاربات شديدة على الذهب، استمرت حتى بداية عام 2009.

> عمليات المضاربة والتحوط ترفع الأسعار يأتي ذلك في وقت أجرى فيه الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز والمستشار الاقتصادي للغرفة التجارية الصناعية بجدة، دراسة للتوصل إلى ما إذا كان الارتفاع الحاد في أسعار الذهب مجرد فقاعة، أم أن هناك ما يبرره، وذلك بعد أن اخترقت تلك الأسعار حاجز 1400 دولار خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

وأفاد خلال دراسته التي خص بها «الشرق الأوسط» بأن الانخفاض الحاد في سعر صرف الدولار الأميركي تجاه العملات الرئيسية الأخرى وارتفاع أسعار البترول والضغوط التضخمية التي تواجهها الكثير من اقتصادات الدول المتقدمة والنامية، إلى جانب انخفاض سعر الفائدة الحقيقي على الدولار والعملات الرئيسية أو العوامل الطارئة، مثل احتدام شدة المضاربات والأزمات الاقتصادية والمالية والاضطرابات السياسية، جميعها قد تكون عوامل مبررة لارتفاع أسعار الذهب.

وبين أن انخفاض حجم العملة الورقية «السيولة المحلية» سيؤدي حتما إلى خفض الطلب الكلي في اقتصاد الدولة المستوردة، وهو بدوره يؤدي إلى خفض المستوى العام للأسعار «التضخم» وإعادة التوازن إلى الميزان التجاري، مؤكدا أن الدولة التي تعاني من عجز في ميزانها التجاري تضطر إلى تقليص حجم سيولتها النقدية المحلية، مما يؤدي إلى خفض مستوى الطلب الكلي في اقتصادها، ومن ثم خفض مستوى التضخم وإعادة التوازن للميزان التجاري.

وأبان الدكتور خالد البسام في دراسته أن أسعار الذهب بدأت منذ نهاية عقد التسعينات في الارتفاع لتواصل ارتفاعها سنة بعد أخرى، مشيرا إلى أنها حققت معدل نمو سنوي بلغ ما يقارب 14.5 في المائة خلال الفترة من عام 2000 حتى 2009.

وأرجع أسباب ذلك الارتفاع إلى الانخفاض الحاد في سعر صرف الدولار الأميركي والارتفاعات القياسية التي سجلتها أسعار البترول خلال العقد الحالي، وتدني مستويات سعر الفائدة الحقيقي، إضافة إلى انخفاض إنتاج الذهب عالميا خلال العقد الحالي. وزاد: «شهد العقد الحالي انخفاضا ملحوظا في إنتاج الذهب، مما يترتب عليه انخفاض المعروض من الذهب عالميا، وفي المقابل حقق الطلب نموا متسارعا، خلال هذه الفترة في ظل تسجيله متوسط معدل نمو سنوي بلغ 9 في المائة، للفترة من عام 2000 إلى 2009»، موضحا أن الفجوة الواضحة بين الطلب على الذهب والمعروض منه أسهمت في دفع أسعاره للارتفاع.

وخلص الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز والمستشار الاقتصادي للغرفة التجارية الصناعية بجدة، في نهاية دراسته إلى عدة عوامل طارئة أسهمت في الارتفاع الحاد لأسعار الذهب خلال العقد الحالي، من ضمنها تنامي طلب صناديق الاستثمار، على شراء الذهب الذي بلغ 87 طنا في النصف الأول من عام 2008.

كما تضمنت تلك العوامل أيضا ارتفاع الطلب العالمي على الذهب خلال الربع الثالث من عام 2008 بنسبة 9 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2007، فضلا عن المضاربات العالمية في بورصة الذهب، لا سيما أن الصناديق الادخارية العالمية أصبحت تضم الذهب داخل محفظتها الاستثمارية، وبالتالي شراء كميات كبيرة منه عند إنشاء تلك الصناديق، الأمر الذي أدى إلى ارتفاعه.

وقال: «كان للأزمات الاقتصادية والمالية والاضطرابات السياسية دور رئيسي في ارتفاع الذهب، مثل الأزمة المالية العالمية والمفاعل النووي الإيراني والأعاصير التي ضربت خليج المكسيك، إضافة إلى العجز الكبير في الميزان التجاري الأميركي».

وحول احتمالية استقرار أسعار الذهب عند تلك المستويات التي وصلت إليه أو إدخالها لمرحلة تصحيح، بين الدكتور خالد البسام أن ذلك الأمر يبقى رهن الظروف الاستثمارية والسياسية، ومدى استمرار الطلب القوي على الذهب في المستقبل القريب، فضلا عن دور أسعار صرف العملات الرئيسية، خاصة مقابل الدولار في العملية.

وتوقع أن تدفع التطورات السياسية بمنطقة الشرق الأوسط المستثمرين إلى شراء الذهب، في حين أن ثمة آخرين يرون أن الطفرة الحالية في أسعار الذهب جاءت نتيجة استثمارات عفوية وليست بسبب العرض والطلب، مما يجعلهم يرون ذلك الارتفاع مجرد فقاعة قد تتلاشى في أي وقت.

ولكنه استدرك قائلا: «إن تلك التوقعات صعودا أو هبوطا ينبغي أن تأخذ في الاعتبار حالة عدم الاستقرار التي قد تطرأ على أسعار المعادن النفيسة جميعها وبصورة مفاجئة لسبب أو لآخر».

وكان خبير دولي يزور السعودية قد كشف عن مؤشرات يسجلها الطلب على الذهب بالانخفاض في السعودية مؤخرا، وذلك عطفا على زيادة الأسعار، على الرغم من تسجيل الربع الأول من 2010 مبيعات جيدة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وقال كاميرون ألكسندر من معهد «دي إف إم إس» لتحليل المعادن، إن مبيعات الذهب في السعودية شهدت في الربع الثاني من العام تأثرا كبيرا بسبب الديون السيادية في أوروبا واليونان، التي أثرت على الاستثمار، وبالتالي على الأسعار، إضافة إلى مشكلة النمو الاقتصادي في أميركا وانخفاض الدولار.

وأضاف الخبير الأسترالي الذي كان يتحدث خلال اجتماع ضم تجار الذهب في محافظة جدة (غرب السعودية) مؤخرا، بهدف تدارس الواقع الذي تمر به الصناعة في ظل الأسعار المتصاعدة والتحديات الناجمة عن ذلك، والبحث عن أنجح الوسائل للخروج منها، إن الربع الثالث سجل هبوطا في المبيعات، إذ تشير الأرقام الأولية إلى أن الربع الأخير من هذا العام سيسجل انخفاضا كبيرا بسبب الطلب الضعيف، وإحجام المستهلكين، لافتا إلى أن شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شهد انخفاضا شديدا في المبيعات، نتيجة ما يحدث عالميا.

وأرجع انخفاض المبيعات وزيادة الأسعار إلى التحديات وتغيرات سلوك المستهلكين وتوجه معظم المستثمرين نحو الاستثمار في الذهب والمحافظة عليه بسبب الارتفاعات المتواصلة.

وتوقع كاميرون ألكسندر الزيادة وانخفاض الفوائد البنكية وضعف العوائد الاستثمارية فيها إضافة إلى أن أكبر شركات التعدين أقفلت دفاتر للتحوط، مما يؤثر في الأسعار.

وأشار إلى أن الأسواق الصينية والهندية دعمت سوق الذهب من خلال ارتفاع الطلب على الذهب بنسبة 18 في المائة، وعلى المجوهرات بنسبة 8 في المائة، فيما سجلت الهند نسبة طلب فاقت 30 في المائة، وذلك بسبب حساسيتهم الكبيرة وتوقعهم ارتفاع الأسعار، الأمر الذي زاد من نسب الشراء للاستثمار.

وأضاف أن الأسواق الأوروبية سجلت ارتفاعات نتيجة وضع الاقتصاد السيئ وهو ما شجع الطلب نحو الذهب، موضحا أنه وفق الأرقام، فقد سجل الطلب على الذهب للأغراض الصناعية زيادة بنسبة 13 في المائة، وعلى الميداليات والجنيهات 25 في المائة في أوروبا، خاصة ألمانيا، بينما زاد الطلب في الصين على الميداليات الصغيرة بسبب التشجيع الحكومي لشراء الذهب. وتوقع الخبير الأسترالي انخفاض الطلب على المجوهرات خلال العامين 2011 و2012، وقال: «نتوقع خلال العامين المقبلين أن تكون الأسعار مرتفعة، ومن المتوقع أن يكون معدل الأسعار عام 2011 نحو 1380 دولارا للأونصة على مدار العام، و1405 للأونصة عام 2012، وينخفض إلى 1340 بحلول عام 2013».

وأضاف أنه خلال 3 سنوات من 2013 سيخسر الذهب 400 دولار للأونصة، وذلك بعد تعافي الاقتصاد العالمي، وبعد 5 سنوات سيكون دون 100 دولار لتعافي الاقتصاد الأوروبي والأميركي، وانتعاش الاستثمارات.

بينما أكد علي باطرفي، نائب شيخ الجواهرجية في محافظة جدة، وجود انخفاض كبير في الإنتاج والتصنيع بسبب انخفاض الطلب المرتبط بزيادة الأسعار. وذكر أن حجم المعارض في محافظة جدة بلغ نحو 700 محل تستثمر نحو طنين من الذهب، في حين تقدر نسبة السعودة فيها ما يقارب 50 في المائة في مجالات البيع، وتشهد نقصا كبيرا في مجال التصنيع.