السعودية: الأضحية هاجس السكان من أيام «التخمة» إلى زمن أغنام «الخمسة نجوم»

العيد يحول المنازل إلى مسالخ والأزقة تكون أشبه بحرب شوارع.. والسباكون وسائقو الليموزين يمتهنون الجزارة

الأطفال يجدون في أضاحي العيد متعة منذ شرائها وحتى نحرها
TT

من منطلقات دينية بحتة ووفاء لتأديتها تشكل «الأضحية» في حياة السعوديين أهمية خاصة، بل تظل هاجسهم وملازمة لهم وضمن أولوياتهم والتزاماتهم السنوية، إذ يحرص الجميع على الوفاء بها وتأديتها عن أنفسهم أو عن موتاهم، والعمل بما أوصى به الآباء والأجداد، أو بدافع ذاتي وفاء للراحلين من الأقارب.

ومع بدء العد التنازلي لحلول موسم «النحر» واستقبال عيد الأضحى تتحول بعض المنازل السعودية إلى «مسالخ» لمدة أربعة أيام هي أيام الذبح المعروفة باسم أيام التشريق، حيث يفضل بعض السعوديين نحر أضاحيهم بأنفسهم أو تحت إشرافهم داخل منازلهم، بينما تفضل فئة من السكان ذبح أضاحيهم في المسالخ الحكومية أو الأهلية أو في المطابخ المرخص لها بالذبح، كما أن هناك فئة تفضل توكيل الجمعيات الخيرية بتأدية ذلك نيابة عنهم مقابل شراء كوبونات مرخصة تحمل أسعارا أقل بكثير من الأسعار لو تم شراء الأضاحي مباشرة من أسواق بيع الأغنام لتوزيعها على المحتاجين في الدول الفقيرة.

واستعدت الأسر السعودية منذ مطلع الأسبوع الحالي بتجهيز الأضاحي قبل أيام من حلول العيد غدا (الثلاثاء) بتحديد عدد الأضاحي المراد نحرها في يوم العيد والأيام الثلاثة التي تليه ومن ثم شراؤها ووضعها داخل أحواش أو أماكن في منازلهم أو تركها تتحرك بحرية داخل الساحات، في حين ينشغل الأطفال برعايتها وإطعامها واللعب معها في متعة لا تضاهى، بل إن الأطفال انشغلوا بذلك عن ألعابهم الإلكترونية وجوالاتهم والحواسيب المحمولة إلى حين يوم نحرها الذي يتجمع فيه أفراد الأسرة جميعا لمشاهدة عمليات النحر في ساحات المنازل أو من خلال المسالخ المجهزة داخلها ثم تقطيع لحومها وتوزيعها وإهدائها وتناول أجزاء منها.

وشهدت مواقع بيع الأغنام التي خصصتها أمانة منطقة الرياض في أماكن مختلفة من العاصمة إقبالا كبيرا من المشترين، وستصل ذروة الشراء اليوم (الاثنين)، في حين سيشهد فجر يوم العيد الطلب ذاته حيث يحرص البعض على شرائها قبيل الصلاة ووضعها في المركبات ثم التوجه بها مباشرة بعد صلاة العيد إلى المسالخ الرسمية التي تقع عادة بالقرب من مواقع بيع الأغنام.

وتمثلت ذروة اهتمام السعوديين بأضاحيهم في أن المساومة على الأسعار تكاد تختفي، بل إن البعض لا يتردد في دفع المبلغ الذي يفرضه البائع مباشرة دون مساومة، علما بأن المشتري قام بجولة سريعة على السوق اطلع من خلالها على معدل الأسعار التي يصل رأس البعض منها إلى مبلغ 2500 ريال، كما لوحظ أن بعض الأسر تتعمد إركاب أضاحيها في المقاعد الخلفية للمركبات وبعضها سيارات فارهة من ماركة «بورشه» و«بانوراما» و«بي إم دبليو» و«لكزس»، والأضاحي منتصبة في المقاعد الخلفية وكأنها نزيلة فندق من الخمسة نجوم رغم ما تسببه من اتساخ المقعد وأرضيته لكنها تنازلات بسب الأضحية التي لها مكانة في نفوس السكان.

ولا تزال عادة قديمة لدى بعض كبيرات السن بخصوص الأضحية سائدة إلى اليوم، حيث تعمد إلى رعاية أضحيتها قبل أيام من حلول العيد وغسلها وتنظيفها ثم صبغها بالحناء في أجزاء من رأسها وأذنيها.

وتحرص الأسر على أن تكون أضحيتها خالية من العيوب الشرعية لذا يحرص المشترون على فحص الأضحية جيدا للتأكد من خلوها من أي عيب كوجود كسر فيها أو قطع في أذنيها أو قرنيها أو ليتها، بل إن بعض البائعين يجدون حرجا في تسويق مواشيهم التي توضع في آذانها علامات لتمييزها واستعاضوا عن ذلك بكتابة رموز وأرقام تدل عليها عن طريق الأصباغ المختلفة الألوان.

وتتحول بعض شوارع العاصمة السعودية بعيد صلاة العيد إلى أشبه ما تكون بحرب الشوارع، حيث دماء الأضاحي تسيل من تحت الأبواب وتأخذ مجراها في الشوارع مع المياه التي غسلت بها الدماء حيث يتعمد بعض السكان ذبح الأضاحي في الشوارع والأراضي الفضاء وداخل المنازل وإفراغ ما تحمله المعدة والأحشاء الداخلية والشحوم غير المرغوب فيها في حاويات شركة النظافة مما تتسبب في بعض المتاعب للسكان، كما أن هذا الأسلوب في الذبح لا يخضع إلى فحص بيطري للتأكد من سلامة الذبيحة وصلاحيتها للاستهلاك، ويلجأ السكان إلى هذا الأسلوب نظرا إلى الازدحام في المسالخ وبهدف توفير مبلغ الذبح المدفوع لهذه المسالخ إضافة إلى قناعتهم بأن الذبح بهذه الطريقة وبحضور أفراد الأسرة يشكل قمة متعة المناسبة.

ولجأ البعض من السكان إلى استئجار استراحات ليلة العيد وتناول إفطار صيام عرفة فيها مع جلب الأضاحي إليها وجعلها ترتع داخل هذه الاستراحات ثم حملها إلى مصيرها المحتوم بعد صلاة العيد إلى المطابخ المجاورة لنحرها وتوزيعها إلى قطع حيث يتم طبخ ثلثها للمدعوين من الضيوف والتصدق بثلثها وإهداء ثلثها الأخير.

وتنشط أيام العيد تجارة الجلود حيث تقوم عمالة بالمرور على المنازل والمطابخ والاستراحات للحصول على جلود الأضاحي التي تم نحرها داخلها إما بأسعار مجانية وإما بأسعار محددة من قبل المطابخ، في حين أن المسالخ الرسمية تجمع هذه الجلود من قبل شركات تشغيلها للاستفادة منها لصالح المصانع والمصدرين وفق آلية تم الاتفاق عليها طوال العام.

وفي الوقت الذي يفضل البعض فيه إجراء عمليات ذبح الأضاحي داخل المسالخ الرسمية أو المطابخ التي تتوافر فيها مقومات الذبح والتقطيع والتنظيف وشلوطة الرؤوس والمقادم وتنظيف الكرش والأمعاء (المصران) وإخضاع الذبائح إلى الفحص البيطري للتأكد من صلاحية الاستهلاك، يفضل البعض ذبحها داخل المنازل أو في الاستراحات بأنفسهم أو بالاستعانة بالجزارين الجائلين الذين يمتهنون ذلك بصفة مؤقتة، وجلهم من العمالة الوافدة الذين يفتقرون إلى أبجديات هذه المهنة لكن مناسبة العيد يجدونها فرصة لهم لتحسين دخولهم، حيث يتراوح سعر ذبح الرأس الواحد من الأغنام بـ100 ريال، كما دخل في هذه المهنة بصفة مؤقتة السباكون والمبلطون والدهانون حتى سائقو سيارات الأجرة (الليموزين) بعد أن لمسوا أن دخولهم من عمليات الذبح والسلخ خلال أيام العيد الأربعة تفوق دخلهم من مهنهم الأصلية.

وتعيد أيام عيد الأضحى من كل عام ذكريات عن هذه المناسبة من قبل كبار السن، حيث إن شغل السكان في القرى والمدن «أيام زمان» هو الحجاج والأضاحي، وكانت القرى تنظم حملات حج للسكان الراغبين في تأدية الركن الخامس من أركان الإسلام عن طريق استخدام الدواب خصوصا الجمال للوصول إلى مكة والمشاعر المقدسة قبل دخول شهر ذو الحجة بأيام وقد تصل إلى أشهر، في حيث ينشغل السكان المقيمون الذين لم يحجوا بتجهيز الأضاحي سواء كانت عن أنفسهم أو تنفيذ وصايا الآباء والأجداد، وكانت مجمل هذه الوصايا تنحصر في: «هذا ما أوصى به أو أوصت به الفقير أو الفقيرة إلى عفو ربه أو ربها، زيت لسراج المسجد أو أضحية عنه أو عنها وعن والديه أو والديها»، ليبدأ في يوم العيد نحر الأضاحي وإهداء وتوزيع ثلثها والتصدق بثلثها وتناول ثلثها، بدءا من «الحميسة» التي تؤخذ عادة من المعاليق (الكبد، والكلاوي، والجران، وأحيانا الكرش والمصران)، في حين يتم الاستفادة من الإلية بتقطيعها قطعا صغيرة ووضعها في قدر تغلي بالزيت ثم تناول بعضها ساخنا ثم وضعها في أوان (مطابق) فيما يعرف بـ«الودكة» لاستخدامها لاحقا كخزين استراتيجي وأمن غذائي في أيام الجدب والقحط، ويترتب على تناول السكان في العقود الماضية للحوم الأضاحي بصورة مفاجئة وشرهة، الإصابة بالتخمة أو ما يسمى في اللهجة الدارجة بـ«الغيرة» لعدم تعود الأجسام على النسبة العالية من البروتين الحيواني المتمثل في اللحوم، ويتم علاج ذلك بتناول كميات من الملح للقضاء على التخمة.