مصممو الأزياء الإسلامية يكتسبون ثقلا في تركيا

دراسة: 69% من التركيات يرتدين غطاء الرأس بطريقة ما و16% يرتدين الحجاب

تحول الحجاب من تغطية الرأس بشكل بسيط إلى زي متأنق وسلعة رائجة بصورة كبيرة (رويترز)
TT

في حي أمينونو المزدحم بإسطنبول تظهر نساء بمعاطف وأوشحة داكنة مربوطة تحت الذقن جنبا إلى جنب مع نساء أخريات يرتدين ألوانا زاهية وحجابا متأنقا وملفوفا بعناية حول الوجه. قبل نحو 20 عاما لم يكن لهذا المظهر المتأنق للملتزمات دينيا وجود في تركيا.

لكن اليوم أصبح للحجاب مناصرون من أعلى المستويات مثل خير النساء زوجة الرئيس عبد الله غل وأمينة زوجة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. ما زال الحجاب يمثل في تركيا إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل في كل تفاصيله.

من الطريقة التي يجري بها ربط الوشاح إلى سلوكيات من ترتديه وهي قضية تزخر بالمعاني في هذا البلد الذي تسكنه أغلبية مسلمة لكنه علماني من الناحية الرسمية. تحول الحجاب من تغطية الرأس بشكل بسيط - الذي كان شيئا موصوما في السنوات الأولى من قيام الجمهورية التركية باعتباره يدل على الرجعية والأصول الريفية - إلى زي متأنق وسلعة رائجة بصورة كبيرة وهو يجسد تحديا يواجه النخبة العلمانية في تركيا يتمثل في ظهور طبقة جديدة من المسلمين الملتزمين دينيا. قال الباسلان أكمان وهو مسؤول تنفيذي عن إنتاج وتسويق ماركة «أرمين» للمحجبات: «كان من الصعب العثور على أزياء أنيقة للمحجبات قبل عشر سنوات.. لكن الأزياء للملتزمات دينيا أحرزت تقدما هائلا خلال السنوات الست أو السبع الماضية».

وتشتهر ماركة «أرمين» بحملاتها الإعلانية ذات التأثير الكبير.. إذ يجري تعليق ملصقات هائلة في قلب حي الحانات والملاهي الليلية في إسطنبول حيث تتعارض بشدة صور عارضات الأزياء المحجبات مع السائد في المنطقة. وتجمع هذه الماركة من الأزياء بين الأوشحة ذات الألوان الزاهية والمعاطف الفضفاضة والياقات الأنيقة والأزرار الكبيرة والأكمام المموجة. السعر المعتاد للمعطف نحو 200 ليرة تركية (143.2 دولار) بينما يبلغ سعر الوشاح نحو 50 ليرة. وقالت فيليز البيرق (30 عاما) التي تعمل في متجر لبيع الأوشحة بإسطنبول: «نحن أكثر حظا من الأجيال السابقة.. لدينا تصميمات وألوان أكثر للأوشحة يمكن الاختيار من بينها».

وأكدت دراسة أجريت عام 2007 أن نحو 69 في المائة من نساء تركيا يرتدين غطاء الرأس بطريقة ما وأن 16 في المائة يرتدين الحجاب الذي يلتف بإحكام حول الرأس والعنق. وقد شاركت السيدة الأولى خير النساء غل - التي ترتدي هذا النوع من الحجاب الذي يلتف بإحكام حول الرأس والعنق - في استضافة احتفالات تركيا بذكرى تأسيس الجمهورية مع زوجها للمرة الأولى الشهر الماضي في مؤشر على الثقة بين الطبقة الملتزمة دينيا في تركيا. لكن مقابلة خير النساء غل وهي ترتدي الحجاب في القصر الرئاسي كان شيئا زائدا عن الحد بالنسبة للجيش التركي الشديد العلمانية الذي رفض رموزه حضور هذا الحفل. ويشير مصطفى كارادومان مؤسس دار أزياء «تكبير» عام 1982 إلى التحديات القائمة في المجتمع ويأمل في تحقيق المزيد من النمو. وقال: «كان عملنا مبتدئا للغاية في العقد الأول. ثم في عام 1992 نظمنا أول عرض أزياء للأوشحة الذي حقق لنا اهتماما عالميا. أصبحت الآن الأزياء الإسلامية محل اهتمام في أنحاء العالم». وهو يعتزم فتح المزيد من المتاجر إلى جانب 90 متجرا في تركيا و10 في الخارج. كما أن لدى أرمين خططا مماثلة للتوسع.

وقال أكمان: «نحن نشطون للغاية فيما يتعلق بالأهداف». وأضاف ممازحا: «سأقول إننا نجحنا عندما يأتي اليوم الذي يتساءل فيه الناس.. من أرماني هذا.. لا بد أنه تقليد لأرمين» في إشارة إلى أزياء أرماني الإيطالية الشهيرة. وقدرت صحيفة «ميليت» اليومية التركية أن قيمة سوق الملابس الإسلامية نحو 2.9 مليار دولار. وأوضحت وكالة رويترز للأنباء أنه على الرغم من وجود المحجبات في أنحاء شوارع تركيا فإن الطالبات والموظفات الحكوميات محظور عليهن ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة العلمانية وهو قانون تعهد حزب العدالة والتنمية الحاكم بإنهائه. وتخشى المؤسسة العلمانية من أن يؤدي أي تغيير لهذا الحظر إلى شعور النساء غير المحجبات بالضغط لارتداء الحجاب. ومنعت المحكمة الدستورية محاولة من حزب العدالة والتنمية قبل 3 سنوات لرفع هذا الحظر وهي محاولة كادت تؤدي إلى حل الحزب ذاته لمزاولته أنشطة مناهضة للعلمانية. ويعكس النقاش المستمر حول الحجاب التطور الاجتماعي الاقتصادي في البلاد، والصراع الدائر حول وضع الحدود بين السمات السياسية والدينية للبلاد. وفر النمو الاقتصادي السريع للكثير من الناس دخلا أكبر للنفقات الشخصية، في حين أن زيادة الوعي السياسي بين طبقة صاعدة من الملتزمين دينيا أدت إلى انتشار الحجاب، بينما تسعى هذه الطبقة لإيجاد صوت مسموع لها في المجتمع. وأصبح للمظاهر الدينية وجود أكبر في المجتمع بعد انقلاب عسكري عام 1980 وكان يجري التهاون معها باعتبار أنها تحقق توازنا مع الأفكار اليسارية. قالت أزلم سانديكجي وهي أستاذ مساعد للتسويق في جامعة بيلكنت بأنقرة إن النساء من سكان المدن بدأن يرتدين معاطف فضفاضة منزلية الصنع وأوشحة كبيرة باعتبارها وسيلة للتعبير السياسي. وأضافت أن الأزياء أصبحت تدريجيا أكثر أناقة وذات ألوان زاهية في الوقت الذي أصبحت فيه الملتزمات دينيا يرغبن في أن يكون لهن وجود ظاهر في المجتمع. وأردفت قائلة: «لدى تركيا بالفعل معرفة بصناعة الملابس. لذلك فعندما بدأت النساء يرتدين الحجاب أصبح من الواضح أن أنشطة تجارية يمكن أن تظهر وأن تمدهن بما يحتجن إليه. بدأت هذه الشركات الصغيرة تنمو وأصبحت أطرافا لها نفوذ متزايد. أصبح الآن المسلمون المحافظون يبدون غضبهم من تحويل صناعة الأزياء الإسلامية للحجاب إلى سلعة في حين أن العلمانيين المتشددين يقولون إن هذه الملابس ملفتة للنظر ولا تدل كثيرا على التواضع الذي من المفترض أن يرمز إليه الحجاب. وقالت سانديكجي: «التواضع من المتطلبات لكنه ليس المتطلب الوحيد.. من المفترض أيضا أن تبدي النساء مظهرا حسنا حتى يكن قدوة ونموذجا إيجابيا للإسلام».