الشبان يجوبون شوارع الحج

محمود تراوري

TT

الآن أتوقع أنهم يجوبون شوارع مشعر منى، يمسحونها جغرافيا، مسحا من المؤكد أنه ساير العصر وبات إلكترونيا، متطورا عن زمن البدايات عام 1975 حين انطلق أول معسكر كشفي تابع للرئاسة العامة لرعاية الشباب لخدمة الحجاج.

كان المعسكر حينها مقتصرا على كشافة أندية المنطقة الغربية، وفي مقدمتها نادي الوحدة، حيث مهابة المكان وقداسة الزمان، أول ناد أنشأ فرقة كشفية على يد القائد الكشفي طاهر سعد، الذي كان أحد رياضيي ذلك الزمان، حكم كرة قدم وألعاب قوى، ناهيك بمهنته الأساسية، مدرس تربية رياضية في واحدة من أعرق وأشهر مدارس العاصمة المقدسة، ألا وهي المدرسة السعدية في الحفائر.

بعد تجربة البدايات لحضور الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى جوار الأجهزة الخدمية الأخرى، توسعت المشاركة لتشمل أندية وبيوت الشباب في المملكة كافة، يتجمعون من معظم المدن والقرى، فتية وشبان يوزعون جهدهم ما بين إرشاد الحجيج التائهين وتنظيم الحج والمشاركة في حالات الطوارئ والأزمات، ولعل التاريخ لا ينسى الدور البطولي الذي أداه شباب الكشافة في الحريق الكبير الذي اندلع بخيام منطقة في وسط منى عام 1975.

كذلك لن تنسى هذه المعسكرات على مدى قرابة الأربعين عاما أسماء قيادات إدارية وكشفية أشرفت على تنظيم المعسكر، من أمثال الرائعين محمد بن نمشان وناصر الحجيجي وصالح الوشيقري وسليمان الحنطي (رحمه الله) وصالح عبد الفتاح، ومحمد الجويسم ويوسف الخميس (مدير مكتب رعاية الشباب بالأحساء حاليا) وصالح إمام وعبد الله أكرم وإبراهيم الزعفراني ومحفوظ المنسف وعابد السليماني ومحمد زين ومحمد الترابي (رحمه الله) وسعد الفرج وعلي بكر وعلي العبندي.. وسرب طويل من أسماء بهية كانت تحلق في أجنحة الحج، بكل تفان وإتقان ومبادرات طوعية، فالمقابل المادي ثمن بخس، دراهم معدودة لا تتجاوز الألف وخمسمائة ريال يضاف إليه شهادة شكر وتقدير، ليبقى الوسام الأجمل الذي يطوق الأعناق دائما ويسعد القلب هو تلك الدعوة الناصعة البياض التي ترفعها أكف حاج جاء يلبي ويغتسل من ذنوبه في أيام معدودات.

يرجع اهتمام السعودية بالحركة الكشفية منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - في عام 1356هـ، حيث أعجب بفكرة الكشافة وأهدافها، وأسفر ذلك عن قيام فرقة كشفية عام 1363هـ في مدرسة تحضير البعثات والمعهد العلمي السعودي في مكة المكرمة. وفي عام 1381هـ وبموجب مرسوم ملكي تأسست جمعية الكشافة العربية السعودية، وهي هيئة ذات شخصية اعتبارية، مقرها الرئيسي في العاصمة الرياض، وتعمل على توثيق علاقاتها بالهيئات الاجتماعية العاملة في ميدان رعاية الشباب والميادين الاجتماعية الأخرى في الداخل، وبالهيئات الكشفية العربية والإسلامية والدولية. وبدأت الخدمة العامة الفعلية رسميا عام 1382هـ بمائة وخمسين كشافا فقط ينتمون إلى التعليم، وبعدها بسنوات كانت مشاركة الأندية الرياضية هذه تحية إكبار واعتزاز لشباب الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وهم يسهمون في خدمة ضيوف الرحمن إلى جانب أشقائهم.