رحيل الكاتب المغربي إدمون عمران المليح الطائر النادر الذي ظل مهموما بالثقافة

عرف بكتاباته المتألقة ومواقفه المساندة للشعب الفلسطيني

TT

غيب الموت الكاتب المغربي إدمون عمران المليح عن سن تناهز 93 سنة أول من أمس في المستشفى العسكري بالرباط. وتمت مواراة جثمانه أمس في مدينة الصويرة، جنوب الدار البيضاء، تنفيذا لوصيته. والصويرة، من أكثر المدن المغربية التي تضم عددا كبيرا من أفراد الطائفة اليهودية المغربية.

عرف المليح بمواقفه المناوئة لإسرائيل، والمساندة للشعب الفلسطيني، كما تميز بمسار أدبي متألق. ولد إدمون المليح، عام 1917 في آسفي (جنوب الدار البيضاء)، والتحق بالحزب الشيوعي المغربي عام 1945، وأسهم بشكل عملي في معركة الاستقلال، قبل أن يستقيل عام 1959 من مهامه الحزبية ويقطع صلته بالعمل السياسي، ويبدأ تجربة تدريس الفلسفة، قبل الهجرة إلى فرنسا، لكنه ظل محافظا على وشائجه القوية مع بلده المغرب، الذي عاد للاستقرار به نهائيا عام 1999.

يقول عنه النقاد في المغرب إنه «طائر حر من النوع النادر»، و«أديب من طينة استثنائية»، وإنه «إحدى القامات الأكثر شموخا في المشهد الأدبي المغربي». لم تدرك حرفة الأدب الكاتب الراحل إلا بعد أن جاوز عمره الستين، ليصدر عام 1980 سيرته الذاتية «المجرى الثابت» في باريس. ثم توالت بعدها رواياته المتميزة: «أيلان أو ليل الحكي، 1983»، «ألف عام بيوم واحد، 1986»، و«عودة أبو الحكي، 1990»، و«آبنر أبو النور، 1995»، و«المقهى الأزرق، 1998»، وكان آخر كتبه «رسائل إلى نفسي، 2010»، إضافة إلى إصدارات فكرية ونقدية متنوعة.

وإلى الكتابة الأدبية، عرف الراحل باهتمامه بالفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي، وظل يحتفظ بصداقات مع معظم التشكيليين المغاربة. ورأى كثيرون في المليح نموذجا للأديب المغربي الأصيل، الذي رفض الفرنكفونية وانتقدها بشدة، على الرغم من أنه كان يكتب بالفرنسية، وهو الذي دافع بشراسة عن القضية الفلسطينية، وفضح إسرائيل ومناوراتها، مع أنه يهودي الديانة. وكان «الحوار الثقافي» الذي جمعه، قبل أسابيع، مع خوان غويتسولو، الكاتب الإسباني، المقيم في مراكش، من آخر أهم الأنشطة الثقافية التي شارك فيها الكاتب الراحل.

في ذلك اللقاء، وصل المليح إلى قاعة المحاضرات بمعهد سرفانتس بمراكش، وهو يمشي بتعب واضح وخطوات متثاقلة، محسوبة بالملليمترات. يومها، وقف الحضور تحية لهذا الكاتب الكبير في السن وفي التجربة الأدبية والمواقف الإنسانية.

في ذلك «الحوار الثقافي» الذي جمع الكاتبين، الإسباني والمغربي، قال غويتسولو عن المليح إنه كاتب عاش تجربة الكتابة كمغامرة، ولذلك ظل كل كتاب يدفع به إلى دنيا القراءة بمثابة «اقتراح مختلف»، كما أن المليح، يضيف غويتسولو، لم يكتب لغرض تجاري أو تسويقي، والفرنسية، التي كتب بها نصوصه، هي «لغة خاصة به»، وليست فرنسية «كما ينبغي لها أن تكون»، أو كما تتطلبه القواعد، بل لغة يكتبها كاتب مغربي بعمق مغربي.

ولأن المليح يهودي، فقد وجدها غويتسولو فرصة لاستعادة تاريخ إسبانيا، خاصة التاريخ المشترك بين الضفتين، الذي حضر وأسهم فيه المسلمون واليهود، بشكل أساسي. وقال غويتسولو: إن «الثقافة هي التعدد، وإسبانيا القرن السابع عشر انهارت ثقافيا، لأنها حاربت التعدد وأقصت كل ما له علاقة بالمسلمين واليهود»، مشددا على أن التعدد والانفتاح هما اللذان صنعا تاريخ إسبانيا الثقافي، قبل تلك الفترة، مشيرا إلى أن «قصر الحمراء» يبقى، اليوم، أكثر الآثار زيارة من طرف السياح من جميع أنحاء العالم.

وفي إطار حواره الثقافي مع المليح، سعى غويتسولو، في أكثر من مناسبة، إلى أن يقارن نفسه بالكاتب المغربي، خاصة حين قال: «حاولت أن أجعل المغامرة أساس كتاباتي، وعشت أكثر حياتي خارج إسبانيا، فكان أن عشت بلادي ولغتي في بلدان ولغات الآخرين، ولذلك رأيت بلادي بطريقة مختلفة». واستعرض غويتسولو أهم المحطات في سيرة وحياة عمران المليح، خاصة صراعه من أجل استقلال المغرب، والأثر الذي خلفه تهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل في نفسه، حيث هاجر الأغنياء إلى أميركا وأوروبا، فيما تم تهجير الفقراء، عبر توظيف الحيلة والإغراءات من طرف سلطات إسرائيل، لكن، حين وصل يهود المغرب، الذين تم اجتثاثهم من قرى الأطلس وغيره من المناطق، إلى «الأرض الموعودة»، لم يتم استقبالهم بشكل جيد، كما اعتبروا مواطنين من الدرجة الثانية.