فيصل بن فهد.. عراب الرياضة الذي ركل معه الأخضر أولى كراته على المسرح العالمي

فهد الأحمد الصباح صنع من الأزرق الكويتي أخطبوطا عملاقا لبطولات الخليج

TT

يظل فقيدا الرياضة الخليجية والعربية والدولية، الأمير فيصل بن فهد والشيخ فهد الأحمد الصباح، علامتين مضيئتين في تاريخ الرياضة، وذكرى خالدة في عقول الرياضيين من أبناء الشعبين السعودي والكويتي مهما تعاقبت السنين، وتوالت المناسبات والإنجازات، عطفا على الخدمات الجليلة التي قدماها لرياضيي المنطقة وتهيئة كل ما يلزم الشباب لمزاولة هواياتهم.

ويعتبر الأمير فيصل بن فهد عراب الكرة السعودية «إن جاز التعبير» والمساهم الأول في تطوير كرة القدم الخليجية والعربية، وعلى يده عرف المنتخب السعودي أول إنجاز قاري وحضر في أول أولمبياد عالمي عام 1984 بلوس أنجليس ومعه حلق الأخضر السعودي صوب ملاعب المونديال «نهائيات كأس العالم 1994» عرف في البدايات وظل اسمه خالدا في ذاكرة التاريخ الرياضي السعودي لأنه يمثل نقطة التحول للكرة السعودية.

أما الشيخ فهد الأحمد الصباح، فهو الرجل الذي قاد الأزرق الكويتي للتربع على زعامة الخليج، وتوج عمله الناجح بتأهل وحيد في تاريخ المنتخب الكويتي لنهائيات كأس العالم 1982 التي أقيمت في إسبانيا، كما سبق له أن أسس أول بلوغ للكرة الكويتية في الأولمبياد العالمي حينما أقيمت عام 1980 بموسكو.

بهذه العبارات يمكننا أن نطلق العنان لقلم يريد الكتابة عن الشيخ فهد الأحمد الصباح، وأحد أبرز قياديي الرياضة في المنطقة الخليجية والعربية والآسيوية، وحتى على صعيد الرياضة العالمية كونه يعتبر عضوا في اللجنة الأولمبية الدولية كما هو فيصل بن فهد وكذلك رئيسا للمجلس الأولمبي الآسيوي الذي تركه لابنه الشيخ أحمد الفهد الصباح، ونحن في «الشرق الأوسط» سعينا إلى عرض السيرة الذهبية لكل شخص على حدة، حتى نتذكر ما قام به هذان الرجلان.

الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز آل سعود دوت صرخته في العاصمة السعودية الرياض عام 1946، وهو الابن الأكبر للملك الراحل فهد بن عبد العزيز آل سعود، متزوج وله من الأبناء الأمير نواف «نائب الرئيس العام لرعاية الشباب حاليا» والأمير خالد والأميرة هيفاء والأميرة شاهيناز والأميرة نسرين، عاش طفولته في الرياض، وفيها أنهى مراحل الدراسة الأولية في السعودية «الابتدائية ومن ثم المتوسطة والثانوية»، قبل أن يحزم حقائبه ويغادر موطنه متجها صوب ولاية كاليفورنيا الأميركية حيث تقع الجامعة التي تحمل اسم الولاية «كاليفورنيا» والتي تصنف دائما من ضمن قائمة الجامعات العشر الأفضل على مستوى العالم، حيث تعلم هناك العلوم السياسية ليعود لبلاده بعد أن أنهى دراسته الجامعية عام 1971، أوكل له الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز بعد ذلك مهمة العمل كمدير لرعاية الشباب التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك خلفا للأمير خالد الفيصل الذي صدر مرسوم ملكي يقضي بتعيينه أميرا لمنطقة عسير عام 1971، ولم تمض أشهر قليلة على تعيينه ليصبح رجل الرياضة الأول في السعودية لتقوم بعدها السعودية باستضافة دورة الخليج بنسختها الثانية عام 1972، التي شهدت افتتاح ملعب الملز سابقا (الأمير فيصل بن فهد حاليا) متزامنا مع البطولة التي شهدت مشاركة السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين التي انسحبت في المباراة الأخيرة أمام السعودية فألغيت جميع نتائجه في البطولة حيث كان الأخضر السعودي قاب قوسين أو أدنى من تحقيق لقب البطولة إلا أن الكفة التهديفية مالت لصالح الأزرق الكويتي ليتوج بلقب البطولة.

وواصل الأمير فيصل سعيه الجاهد في تطوير رياضة السعودية والمنطقة العربية بشكل عام، حيث أصبح في عام 1975 رئيسا للجنة الأولمبية السعودية، وفي عام 1976 أصبح رئيسا للاتحاد العربي لكرة القدم ومن ثم رئيسا للاتحاد السعودي لكرة القدم بعد خروج رعاية الشباب من دائرة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية واستقلاليتها.

اهتم الأمير الراحل فيصل بن فهد بالبنية التحتية لرياضة بلاده وسط دعم لا محدود من قبل مسؤولي السعودية الكبار، حيث تم تأسيس وإنشاء الكثير من المدن الرياضية التي تضم بين جنباتها ملاعب رياضية مجهزة لاستضافة المباريات الرسمية، وكان أول إنجاز حقيقي للكرة السعودية على صعيد المنتخب الأول عام 1984 في نهائيات كأس آسيا التي أقيمت في سنغافورة، وهي المشاركة الأولى للأخضر السعودي إلا أنه (أي المنتخب) تمكن من تحقيق اللقب على يد المدرب الوطني خليل الزياني، وألحقه في العام ذاته بالتأهل التاريخي لأولمبياد لوس أنجليس وعاد الأخضر السعودي للمشاركة في المرة الثانية في تاريخه وذلك في نهائيات عام 1988 بقطر ليتوج بلقب البطولة للمرة الثانية على التوالي حيث كان يتولى مهمة التدريب البرازيلي الشهير كارلوس ألبرتو ليتمكن الأخضر السعودي في عهد فقيد الرياضة الأمير فيصل بن فهد من تسجيل اسمه كواحد من أقوى المنتخبات الآسيوية.

وعادت السعودية بعد ذلك لاستضافة دورة الخليج التاسعة عام 1988 حيث تم افتتاح الملعب الأبرز في السعودية حتى الآن «ملعب الملك فهد الدولي» الذي أقيم عليه مباريات البطولة التي توج فيها منتخب العراق بطلا للنسخة، ولم تتوقف الإنجازات بل أصبح المنتخب في عهده يسجل نتائج إيجابية في جميع الاتجاهات، ففي عام 1994 تأهل الأخضر السعودي لنهائيات كأس العالم التي أقيمت في أميركا للمرة الأولى في تاريخه مسجلا أروع نتائجه خلال مشاركاته حيث بلغ دور الـ16 من البطولة، كما حقق في العام ذاته خليجي 12 وهي البطولة الخليجية الأولى في تاريخ الأخضر السعودي، ليعود مجددا ويسجل نفسه زعيما للقارة الآسيوية عام 1996 للمرة الثالثة في تاريخه، يعقبها عام 1998 بتأهله مجددا لنهائيات كأس العالم التي أقيمت في فرنسا.

الأمير فيصل بن فهد كان له حضوره القوي على كافة المناسبات والأصعدة القارية والمحلية، وعرف بجديته في العمل وصرامته في اتخاذ القرارات وحنكته في القيادة على الصعيدين الآسيوي والعالمي، وساهم في دعم الكثير من الشخصيات الرياضية العربية كونه رجلا له ثقله في الوسط الرياضي آنذاك إضافة لكونه رئيسا للاتحاد العربي الذي أقيمت من خلاله المناسبات التي جمعت بين الرياضيين العرب.

لم يكن دعمه مقصورا فقط على رجالات العرب في الرياضة بل امتد إلى دعم كامل ومتواصل للبرازيلي هافيلانغ الذي رأس فيفا لأكثر من 24 عاما قبل أن يدعم السويسري جوزيف بلاتر في انتخابات رئاسة الفيفا ضد الأوروبي هانسون عام 1998 من خلال قدرته على إقناع عشرات الاتحادات في آسيا وأفريقيا بدعم بلاتر على اعتبار أنه الرجل المناسب لمرحلة سابقة للكرة العالمية.

وفي الجانب الآخر في حياة الأمير الراحل فيصل بن فهد كان يساهم بفاعلية وسخاء في الأعمال الخيرية المتعددة وكان آخرها تبرعه بمليون دولار لمبرة أم الحسين للأيتام بالأردن والتي كانت قبل وفاته بـ48 ساعة.

حاز الأمير فيصل بن فهد على الكثير من الأوسمة والميداليات، منها وشاح الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى وهو الوشاح الأعلى في السعودية، إضافة لوشاح الملك فيصل، ووسام الجزائر من الطبقة الأولى، ووسام الكويت من الدرجة الممتازة، ووسام أوردر من عضوية اللجنة الأولمبية الدولية، كما تقلد الوسام العالمي للاتحاد الدولي لكرة اليد، إضافة للكثير من الأوسمة والميداليات التي كانت تكريما لجزء بسيط تجاه ما قدمه هذا الرجل للرياضة العربية.

وفي يوم السبت 22 من شهر أغسطس (آب) عام 1999 انتقل الأمير فيصل بن فهد إلى رحمة ربه بعد أزمة قلبية ألمت به ليودع العالم الرياضي السعودي والآسيوي رجلا بحجم وقامة الأمير فيصل بن فهد، وأسندت مهمة الرئاسة العامة لرعاية الشباب للأمير سلطان بن فهد الذي واصل مسيرة البناء المميزة التي قدمها شقيقه الراحل ليسير على الخطى ذاتها.

بعد وفاة الأمير فيصل تم إطلاق اسمه على بطولة كأس الاتحاد السعودي لتحمل اسم فقيد الرياضة، إضافة لإطلاق اسمه أيضا على ملعب الملز بالرياض.

الشيخ فهد الأحمد الصباح الشيخ فهد الأحمد الصباح ولد في 10 أغسطس عام 1945 بالكويت، وهو الابن التاسع لأمير الكويت العاشر أحمد الجابر الصباح، متزوج من الشيخة فضيلة اليوسف الصباح وله من الأبناء الشيخ أحمد والشيخ طلال «كانا وما زالا من رجالات الرياضة في الكويت» والشيخ عذبي والشيخ خالد والشيخ ضاري والشيخة بيبي.

تلقى تعليمه الأساسي في الكويت وبعد تخرجه اقتحم المجال العسكري وكانت بدايته في الجيش الكويتي عام 1963 برتبة ضابط مرشح ليرسل بعدها ببعثة عسكرية إلى بريطانيا عام 1964، وواصل تقدمه في السلم العسكري إلى أن تم تعيينه ضابط أركان الحرس الأميري برتبة ملازم أول، كما شارك في حرب عام 1967 في لواء اليرموك في مصر وفي الثاني من يوليو (تموز) عام 1969 استقال من الخدمة العسكرية ولكنه عاد إليها مجددا عام 1970 قبل أن يعود ويودعها من غير عودة في عام 1973، وكان وقتها برتبة نقيب، كما أن الشيخ فهد الأحمد الصباح قاتل في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية ضمن العمل الفدائي ضد إسرائيل عام 1965.

بعد أن ودع العمل العسكري في المرة الأولى كان الشيخ الصباح اقتحم المجال الرياضي عن طريق نادي القادسية (أحد أبرز قلاع الأندية في الكويت) حيث تسلم رئاسة النادي لفترة طويلة قاربت 10 سنوات، وانتخب خلال هذه الفترة رئيسا للجنة الأولمبية الكويتية منذ عام 1974 وحتى عام 1985، وتسلم رئاسة الاتحاد الكويتي عام 1978 ثم أعيد انتخابه عام 1987، وكان الشيخ الصباح قياديا بارعا وعاد عليه عمله في السلك العسكري بالنفع حيث عرف بالجدية والحنكة في اتخاذ القرارات الرياضية.

وعمل الشيخ فهد الأحمد في أكثر من اتحاد وعلى كافة الأصعدة المحلية والخارجية حيث تولى رئاسة الاتحاد الكويتي لكرة السلة، إضافة لكونه النائب الأول لرئيس الاتحاد العربي للألعاب الرياضية في عام 1976، حيث كان وقتها الأمير الراحل فيصل بن فهد رئيسا للاتحاد العربي، إضافة لكونه ترأس الاتحاد العام للاتحادات الرياضية الآسيوية خلال الفترة 1979 – 1982، وعمل رئيسا للاتحاد الآسيوي لكرة اليد ورئيسا للمجلس الأولمبي الآسيوي، وعلى الصعيد الدولي عمل في مناصب كثيرة لعل أبرزها نائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة اليد وعضو بارز وفعال في اللجنة الأولمبية الدولية، وهو المنصب الذي استمر فيه حتى لحظة وفاته.

كان المنتخب الكويتي في الوقت الذي كان فيه الشيخ فهد الأحمد الصباح رئيسا للجنة الأولمبية الكويتية، ومن ثم رئيسا للاتحاد الكويتي لكرة القدم، يقدم مستويات مميزة مقرونة بنتائج إيجابية وبطولات يتوج بها مجهوداته، ولعل أبرزها تحقيق سبع بطولات خليجية من أصل 19 وذلك حتى عام 1990 وهي البطولة السابعة التي حققها الأزرق الكويتي قبل وفاة الشيخ الصباح في العام ذاته، إضافة لفوزه بالبطولة الآسيوية عام 1980 التي استضافتها الكويت آنذاك، إضافة للإنجاز الأبرز الذي لم يتمكن الكويت من تكراره لمرة ثانية وهو التأهل لنهائيات كأس العالم بعد عام 1982 التي أقيمت في إسبانيا.

وكان الشيخ فهد الأحمد الصباح له هوايات بعيدة عن كرة القدم، منها رياضية كانت أو غير ذلك كتربية الخيول العربية والصيد والشعر والموسيقى، إضافة لكونه يهوى جمع القطع التذكارية الرياضية.

وبعيدا بعد الجانب الرياضي، فهو كاتب سياسي وله الكثير من المقالات في الصحف الكويتية عن الأوضاع السياسية في المنطقة والدول العربية كافة، كما يهوى الشعر سواء كان كاتبا أو متذوقا، وله الكثير من القصائد باللغة العربية الفصحى أو النبطية، وفي الشهر ذاته الذي دوت صرخته في الكويت (أغسطس) ودع الحياة من خلاله وذلك في الثاني من أغسطس عام 1990 بعد أن قتل على يد الجيش العراقي عند بوابة قصر دسمان حيث يطلق عليه البعض شهيد دسمان، وحمل اسمه إحدى المناطق في الكويت وهي منطقة الشهيد فهد الأحمد، وكان الشيخ فهد الصباح أحد القادة البارعين في الدورات الخليجية، حيث كان واحدا من أكثر المطالبين بانضمام اليمن للمشاركة في الدورة الخليجية وحدث ذلك بعد رحيله بأكثر من 10 أعوام، وذلك في بطولة خليجي 16 عام 2003 بالكويت، وبعد أن تحقق لليمن هذه الأيام حلم استضافة البطولة الخليجية للمرة الأولى في تاريخ البلاد أعلن المنظمون إطلاق اسم الشيخ أحمد الفهد الصباح على هذه الدورة عرفانا وشكرا لما كان يسعى إليه تجاه رياضة بلادهم اليمن.