تونس: أفراد العائلة يعوضون اليد العاملة في موسم جني الزيتون

على الرغم من التواضع النسبي للمحصول هذا العام

جني الزيتون على الشجر («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن «غلة موسم» الزيتون متواضعة هذا العام في تونس، فإن ذلك لم يثن العائلات التونسية عن محافظتها على تقليد خروجها السنوي لجمع حبات ما أصبح يصطلح على تسميته بـ«الذهب الأخضر». ومما يذكر أن الاهتمام بشجرة الزيتون في تونس يرجع إلى عهد الفينيقيين، فهم أول من جلب هذه الشجرة المباركة إلى تونس من شواطئ بلاد الشام (سورية ولبنان وفلسطين)، والدليل على ذلك تنطق به الرسوم الموجودة على لوحات الفسيفساء في عديد المواقع الأثرية التونسية.

آلاف العائلات تتأهب لهذه المناسبة كل على طريقتها. فالبعض منها يختار الانتقال بكل أفراد العائلة إلى غابات الزيتون والاستقرار هناك طوال فترة الجني. في حين تفضل عائلات أخرى الذهاب اليومي صباحا في اتجاه غابة الزيتون والرجوع مساء إلى حيث السكينة والاستقرار في بيت العائلة.

ثم إن بعض أفراد العائلات التونسية دأبوا على تأخير العطل الصيفية، لكي يأخذوها خلال فترة جمع الصابة، وذلك لاعتبارات عدة من بينها أن هذه العملية جماعية بالأساس وتتكلف الكثير لجلب اليد العاملة الماهرة. وهي بذلك تتطلب تضافر الجهود من أجل الحفاظ على ثروة تمثل لبعض العائلات أحد أهم مصادر الدخل على مدار السنة. أضف إلى ذلك أن فترة جمع الصابة تمثل لكثيرين فرصة سنوية لخلق أجواء حميمية داخل العائلة، وربما تختتم بإعلان خطوبة بعض أبنائها.. مما يشكل فرصة إضافية للفرح والبهجة في أوساط العائلات.

موسم الجني انطلق هذا العام يوم 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت، وقد تمكنت اليد العاملة الآتية من مناطق عدة، قد تفصلها مئات الكيلومترات عن مناطق الإنتاج في بعض الحالات، من جني قرابة 40 في المائة من الصابة حتى الآن. وبينما يكون النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الذي يتوافق مع العطلة المدرسية فرصة مهمة لجني النصيب الأكبر من صابة العام. أما بالنسبة لتقديرات حجم الصابة فهي في حدود 150 ألف طن من الزيتون. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن الليتر الواحد من زيت الزيتون بنحو 4 دنانير تونسية عند الاستهلاك (قرابة ثلاثة دولارات أميركية). وهو يوفر تبعا لبعض الدوائر المختصة قرابة 40 مليون يوم عمل، وذلك خلال مختلف حلقات الإنتاج.. من الجني إلى مرحلة المعاصر إلى عمليات التصدير. وتعيش قرابة 500 ألف عائلة تونسية من العمل في قطاع الزيتون، سواء كانت عائلات مالكة لغابات الزيتون أو ناشطة ضمن حلقات الإنتاج والترويج.

حول هذا الموضوع قال محمد النصراوي، الكاتب العام للجامعة التونسية لقطاع الزيتون، إن «صعوبات كثيرة بدأت تظهر على مستوى تأمين اليد العاملة المتخصصة، إذ إن عملية جني نحو 800 كلغم من الزيتون تتكلف قرابة 55 دينارا تونسيا (نحو 40 دولارا أميركيا)، أما بالنسبة للأجر اليومي فلا يقل عن 14 دينارا، وهو ما يدفع عددا كبيرا من العائلات التونسية إلى التعويل على أبنائها في جمع الصابة بقصد التوفير».

وقال المحجوب البوجبلي، وهو مالك غابة زيتون في مناطق الشمال التونسي، لـ«الشرق الأوسط» خلال لقائها معه إنه يعمد مطلع كل موسم إلى بيع الصابة وهي على رؤوس أشجارها - أي قبل الجني - إلى بعض التجار، وبذلك يبتعد عن الكثير من الضغوط التي تحل بالعائلة كل عام، مع علمه المسبق أنه يفقد بعض الأرباح المادية عندما يسلم الصابة بهذه الصورة. ويبرر البوحبلي الحال بـ«رحيل معظم شباب العائلة للعمل في المدن، والتحاق من لا يزال صغير السن بمقاعد الدراسة، مما غيب فعليا تلك اليد العاملة المجانية التي كانت العائلات تستغلها في جمع الصابة خلال السنوات الماضية».

أما بالنسبة للحاجة علجية المعلاوي فإن «موسم جني صابة الزيتون تغيّر خلال السنوات الأخيرة.. وعادات كثيرة تكاد تنقرض، من بينها عادة رحي (كبس) الزيتون بالطريقة التقليدية وإعداده للطفح في مياه الآبار. فقد كانت كل العائلة تشارك في العملية بانتظار زيت (النضوح) الذي تفوح روائحه الأخاذة في كل أرجاء البيت، ويقبل عليه الجميع لإفطار الصباح ففي ذلك صحة وعافية. أما الآن - تواصل المعلاوي - فإن معظم مخزونات العائلة من الزيت تأتي جاهزة من المعاصر»، وتطلق تنهيدة طويلة وتقول بمرارة «ذاك زمن وهذا زمن آخر».

هذا، وعلى الرغم من المداخيل السنوية المهمة التي يوفرها قطاع الزيتون بتونس، والمقدرة بنحو 700 مليون دينار تونسي (نحو 500 مليون دولار)، باعتبار أن تونس تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث عدد أصول الزيتون بعد إسبانيا وإيطاليا واليونان، فإن هذا لا يخفي مجموعة متنوعة من المشكلات التي تعترض هذا القطاع، من بينها أن 70 في المائة من أشجار الزيتون في صفاقس وجرجيس والمناطق الساحلية غدت كبيرة في السن وباتت بحاجة ماسة للقلع والتعويض، الذي يجري حاليا ببطء. ثم أن مردودية الهكتار لا تزال ضعيفة، فمعدل الإنتاج، حسب مهندسي الفلاحة (المهندسون الزراعيون)، في تونس لا يتجاوز 1000 ألف كلغم للهكتار في مناطق الإنتاج بجنوب البلاد وذلك من 1300 كلغم ممكنة، وهي في حدود 1300 كلغم في الوسط من 1750 كلغم ممكنة، كما أنها مقدرة بنحو 2650 كلغم في الشمال حيث بالإمكان إنتاج 6050 كلغم في الهكتار الواحد.

والجدير بالإشارة هنا، أن غابات الزيتون التونسية تتوزع بنسبة 30 في المائة على مناطق الوسط الشرقي للبلاد (صفاقس والمنستير والمهدية وسوسة)، ونسبة 24 في المائة في الوسط الغربي (القيروان والقصرين وسيدي بوزيد)، وبالنسبة نفسها تقريبا - نحو 23 في المائة - في مناطق الشمال الغربي التونسي (باجة والكاف وسليانة وجندوبة)، في حين تتوزع النسبة المتبقية أي 21 في المائة على الشمال الشرقي والجنوب (نابل وجرجيس بالأساس).