ناقوس الخطر يدق في إسبانيا.. وخطوات طارئة لتفادي مصير آيرلندا

قررت بيع 49% من شركة «آينا» و30% من شركات اليانصيب

TT

دقت خطط الإنقاذ الأوروبية التي أقرت في آيرلندا مؤخرا ناقوس الخطر في إسبانيا والبرتغال. فبعد أن أثبتت الأزمة أن اليونان لم تكن استثناء، فإن حكومات كل من البرتغال وإسبانيا تحاولان استبعاد تكرار هذه الأزمة في بلديهما، ويصران على أن إسبانيا والبرتغال «مختلفتان عن اليونان وآيرلندا». لكن الأسواق، وهذا الشيء السحري الذي لا يعلم أحد كنهه بالضبط أو كيف يعمل، تهرب من هذين البلدين وتهاجم أضعف جزء في اقتصادهما وهو الدين.

إذا كانت الفائدة على الدين الإسباني بالنسبة للسندات الألمانية قبل أسبوعين (من إعلان خطط إنقاذ آيرلندا) قد وصلت إلى 215 نقطة، يوم الخميس الماضي، فإن الفارق قد تجاوز أكثر من 300 نقطة، وهو أعلى معدل للفائدة على دين منذ إنشاء منطقة اليورو. وتدفع الحكومة الإسبانية الآن مبالغ تزيد بنسبة 90% على أقساط ديونها التي كانت تدفعها قبل 6 أشهر. وقد أكد رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو، أن حجم الدين الإسباني مقلق لكن لم يصل مرحلة الخطر بعد. وأوضح قائلا: «إن الوضع في إسبانيا مختلف عن الوضع في آيرلندا أو اليونان».

والاختلاف الوحيد بين هذه الاقتصادات، التي تأثرت بشدة من جراء أزمة العقارات، هو وضع القطاع المصرفي، ففي حين اضطرت الحكومة في آيرلندا إلى استثمار 20% من الناتج المحلي الإجمالي لإنقاذ هذا القطاع، فإن القطاع المصرفي الإسباني، بعد اتخاذ بعض التدابير الإصلاحية، لم يسقط في الاختبار الأوروبي، بل على العكس من ذلك، خرجت معظم المصارف الإسبانية من هذا الاختبار في وضع قوي.

وحتى الآن، يؤكد الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية أنه على الرغم أن إسبانيا يوجد بها أعلى نسبة بطالة في الاتحاد الأوروبي وأعلى مستوى للدين، فإنها تختلف عن آيرلندا.

وأوضح المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، أماديو التافاج: «علينا ألا نقيم مقارنات، فالأزمة الآيرلندية خاصة للغاية»، وهو نفس ما أكده كل من صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية اللذين أشارا في تقاريرهما إلى أن المشكلات الحالية في كلا البلدين «مختلفة بشكل واضح»، فالقطاع المصرفي في آيرلندا في حالة حرجة لكن إسبانيا تعاني من أعلى نسبة بطالة في أوروبا وأدنى قدرة على التنافسية.

ولذلك فالحكومة الإسبانية تؤكد أنها لن تكون التالية في القائمة السوداء للدول التي تحتاج إلى خطط إنقاذ في أوروبا. كما انتقدت الحكومة الإسبانية الحكومة الألمانية والمستشارة أنجيلا ميركل بسبب حديثهما عن الأسواق التي أغرقت اقتصادات بلدان أوروبا المطلة على البحر المتوسط.

كما اتهم وزير الاقتصاد الإسباني إيلينا سالغادو، المستشارة أنجيلا ميركل بالوقوف وراء حالة «التوتر» التي تسيطر على منطقة اليورو حاليا، ليس فقط بسبب حديثها بل أيضا بسبب قرارها السياسي بوقف الاستثمارات والاستهلاك الألماني. ومع ذلك، فإن أحد الشكوك التي لا تزال تحوم فوق شبه الجزيرة الأيبيرية هي قدرة البرتغال على السيطرة على عجز ميزانيتها. وحتى الآن، فإن الاتحاد الأوروبي يستبعد إمكانية طلب البرتغال مساعدة وتحاول الحكومة اتخاذ تدابير سريعة لتحسين الوضع وتجنب تكرار ما حدث في آيرلندا والاضطرار إلى طلب خطط إنقاذ في المستقبل.

وفي حال إقرار خطة إنقاذ في البرتغال، فإن إسبانيا سوف تتأثر بقوة لأن النظام المالي البرتغالي تسيطر عليه المصارف الإسبانية. وهذا الوضع الافتراضي سوف يؤثر على المصارف الإسبانية القوية مثل «سانتاندر» أو «بي بي في إيه» وذلك بسبب التعثر والبطء في سداد القروض.

وبسبب إدراكها لهذه المخاطر، فإن الحكومة الإسبانية تتعامل مع الأمر بحذر شديد وتحاول المصارف الإسبانية تقليل المخاطر واتخاذ بعض التدابير الاحترازية ويصر كل منهما على أن الوضع الحالي لا يمثل خطرا حقيقيا بالنسبة لإسبانيا.

وبعد إقرار قانون التكيف مع سوق العمل الذي يهدف إلى الحد من البطالة، فإن الحكومة الإسبانية تدرك أن عليها أن تسعى لتقليص العجز العام للميزانية إذا رغبت في أن تنأى بنفسها عن حالة الخطر وعدم الاستقرار.

وفي هذا الإطار، اتخذ رئيس الوزراء ثاباتيرو، الأربعاء الماضي، قرارا هاما، تسعى بموجبه الحكومة لخصخصة جزء من قطاع البنى التحتية والمزيد من الشركات العامة، بقصد الحصول على الأموال اللازمة لخفض ديونها. وبالضبط، فإن الحكومة بصدد بيع 49% من شركة «آينا»، التي تقوم بإدارة المطارات الإسبانية والتي تضم جميع المطارات. وقد تم الإعلان عن اتخاذ هذا الإجراء من عدة سنوات، لكن الحكومة كانت تحاول ألا تخسر قطاعا استراتيجيا ومربحا. لكن الوضع الاقتصادي الآن يجعل هذا القرار ضروريا.

وخلال مناقشة السيطرة على العجز في الميزانية في البرلمان، أعلن ثاباتيرو أن دخول رأس المال الخاص في بعض المطارات الأكثر أهمية، مثل مدريد باراخاس «إل برات» في برشلونة، سيتم بنظام الامتيازات.

وهذا الخطوة من المتوقع أن تدر على الخزينة العامة للدولة 14 مليار يورو. وتقدر الحكومة الإسبانية قيمة شركة إدارة المطارات بما يقرب من 30 مليار يورو، ولذلك فإن نسبة 49% التي سوف تبيعها تقدر قيمتها بنحو 14 مليار يورو.

ويبدو أن هذا الإجراء هو مجرد بداية، فقد أعلن المتحدث باسم الحكومة أن ثاباتيرو لن يشارك في قمة أميركا اللاتينية، التي ستعقد في الأرجنتين ما بين 3 - 4 ديسمبر (كانون الأول). وهذه هي المرة الأولى التي يتغيب فيها رئيس وزراء إسبانيا عن هذا الاجتماع.

والسبب، وفقا لمصادر رسمية، هو أن رئيس الوزراء يرغب في حضور اجتماع مجلس الوزراء الذي سوف يعقد الجمعة القادمة لإقرار الإجراءات الأخيرة للحد من العجز.

وفيما يتعلق بالشركات العامة، فقد أعلن ثاباتيرو أن حكومته سوف تبيع 30% من مؤسسات اليانصيب والرهانات التي تملكها الدولة، وهي الكيان العام الذي يحكم مسابقات اليانصيب والرهانات في إسبانيا. وهذا الكيان هو جزء من وزارة الاقتصاد وهدفه الرئيسي هو استغلال وإدارة وتسويق جميع اليانصيب والمسابقات الأخرى في البلد. وهناك بعض التدابير الأخرى للحد من النفقات العامة، التي وصلت إلى 90 مليار يورو، فسوف تلغي الحكومة المساعدة المقدرة بـ460 يورو التي تمنح للعاطلين عن العمل.

ومن فبراير (شباط) القادم، سوف توقف الحكومة تقديم هذه المساعدة إلى العاطلين على الرغم من إن إسبانيا بها أعلى معدلات بطالة في الاتحاد الأوروبي وأن البطالة هي واحدة من أضعف جوانب الاقتصاد الإسباني.

وفي محاولة لتعويض التخفيضات الكثيرة وتنشيط الاستهلاك، فإن الحكومة الإسبانية أعلنت تخفيضا ضريبيا للشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي واحدة من القطاعات الأكثر تضررا من هذه الأزمة الاقتصادية.

* صحافية إسبانية متعاونة مع «الشرق الأوسط»