كفيف يساعد في إدارة مخاطر مليارات الدولارات بمصرف «جي بي مورغان»

من الصعب ملاحظة أنه لا يبصر وهو يتنقل بين شاشات التداول

أشيش غويال («نيويورك تايمز»)
TT

كمضارب داخل مؤسسة «جيه بي مورغان تشيس» في لندن، يساعد أشيش غويال في إدارة مليارات الدولارات، ويرتبط ذلك بمدى كشفه عرضة المصرف للمخاطر، مثل التقلبات في البورصات الأجنبية. وخلال أوقات فراغه، يحضر دروسا في رقصة التانغو، ويلعب كريكيت، ويرتاد النوادي برفقة أصدقائه. الجدير ذكره أن غويال كفيف.

ولا يمكنك ملاحظة هذا الأمر قط وأن تشاهده داخل قاعة التداول وهو ينتقل بين شاشة حاسب آلي وأخرى، لكن عند تفحص بريده الإلكتروني وقراءة أبحاثه والنظر في التقارير التي يضعها، يتضح أنه يعتمد على برنامج لقراءة الشاشة يتميز بسرعة فائقة لدرجة أن الكلام الصادر عنه يبدو غير مفهوم للأذن غير المدربة. وعندما يحتاج غويال لقراءة رسوم بيانية، وهو ما يعجز عنه البرنامج، يتجول عبر البيانات ويحاول تخيل صورة الرسم البياني في مخيلته.

وعلى مكتبه، تعرض شاشتان لحواسب آلية الوميض المعتاد الرسائل الواردة من «بلومبرغ»، وجداول تضم أرقاما متغيرة باستمرار. وبمقدور التقنية ذاتها قراءة الرسائل النصية التي يتلقاها على هاتفه المحمول بصوت مسموع.

وقال غويال 30 عاما، الذي تخرج في كلية وارتون، مازحا «لقد اشتكى أصدقائي بالفعل من أنهم ليس بمقدورهم سماع هاتفي وهو يتحدث لأنه شديد السرعة. وحينئذ ألتفت إليهم قائلا «وأنا لا أستطيع قراءة الرسائل النصية على هواتفكم، لذلك فإننا متعادلون».

من ناحيته، قال تولغا أوزنر، المدير التنفيذي للمكتب الرئيسي لشؤون الاستثمارات لدى «جيه بي مورغان» ورئيس غويال، إنه وظفه لأنه كان واحدا من قلائل من بين المتقدمين للعمل بالمؤسسة على معرفة بمعدلات الصرف الآسيوية، ويملك مهارات إدارية رائعة ومعرفة بأسواق الصرف الأجنبية.

وقال فلاديمير أليكسيك، الذي عمل حاليا مع غويال «خرجنا من غرفة المقابلات الشخصية منبهرين به». ويعمل الكثير من أفراد فريق العمل على تحليل بيانات تاريخية واستخدام مقارنات بغية إصدار القرارات التي تتعلق بالمخاطر، لكن «أشيش يتطلع نحو النقطة التي وصلت إليها الأمور الآن ويعمد لمتابعة الأنباء. لذا، لا تعمي الرسوم البيانية عينيه». إلا أنه باعتباره شخصا قادرا على التقاط الضوء والظلال فحسب، يدرك غويال أيضا حدود إمكاناته. وعن ذلك، قال «يمكنكم وضعي بمكتب المضاربة الآنية، لكن تحركاتي ستكون بالغة البطء. ويكمن التحدي في معرفة المكان الذي بمقدوري إضافة قيمة إليه والمكان الذي لا يمكنني ذلك فيه. عليك الوصول إلى المكان الحقيقي الذي تنتمي إليه».

وأشار غويال إلى أنه لطالما رغب في العمل بالأسواق المالية، لكن رغم أن سيرته الذاتية تتضمن الإشارة لحصوله على درجة علمية رفيعة في إدارة الأعمال من جامعة بالهند، وأخرى من كلية وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا، بجانب عمله لمدة ثلاث سنوات في فرع هندي لمصرف «آي إن جي»، فإنه شعر بأن الأشخاص الذين أقدموا على تعيينه خالجهم عدم ارتياح حيال الأمر.

بعد حصوله على أول درجة علمية له في إدارة الأعمال، قال غويال إنه انضم لقائمة أكثر المرشحين لنيل وظائف بالكثير من المؤسسات، لكنهم كانوا يرفضونه بمجرد إدراكهم أنه كفيف. وعندما تقدم للعمل لدى «آي إن جي»، كان الإحباط قد تملك منه لدرجة أنه أخبر مسؤولي المصرف «أنا كفيف، هل ما زلتم تريدون الحديث معي؟».

وقال غويال «سألوني حول ما إذا كان بمقدوري الاضطلاع بالوظيفة المعلن عنها، وأجبتهم بأنني أعتقد أن بإمكاني ذلك. وعليه، تم تعييني».

وبعد سنوات، عندما تقدم لوارتون بغية التأهل لوظيفة في نيويورك أو لندن، قال غويال، إن مدير شؤون القبول بالجامعة وقع على طلب التحاقه بالعبارات التالية «لم أعاين قط مضاربا كفيفا في وول ستريت. لا يمكنني أن أضمن لك الحصول على وظيفة، لكنك قطعا ستكون أفضل حالا لدى حصولك على درجة علمية من وارتون».

ورغم ذلك، فإنه حتى بعد تخرجه في وارتون، رفضته الكثير من شركات وول ستريت لعجزها عن العثور على أي شخص آخر داخل وول ستريت يستخدم ذات النمط من برامج قراءة الشاشة. وكان «جيه بي مورغان» المصرف الوحيد الذي عرض عليه التدريب في الصيف، والذي أدى بدوره لأن تعرض عليه المؤسسة التعيين الكامل. ونوه غويال بأنه لم يولد كفيفا، فخلال نشأته في مومباي، قال غويال إنه تمتع بطفولة طبيعية سعيدة، لكن ببلوغه التاسعة بدأ يلاحظ عجزه عن التعرف على بعض الأشخاص فور مشاهدتهم، ولم يعد قادرا على رؤية الخطوط في كراسات الدراسة. وفي إحدى الليالي، سقط بقناة مائية، وفي مرة أخرى سقط أثناء قيادته دراجته وتسبب في تحطيمها. وبعد ذلك، بدأ يعجز عن رؤية الكرة خلال تدريباته على التنس.

وشخص أطباء حالة غويال بأنها التهاب الشبكية الصباغي، وهي حالة جينية تتسبب في تدمير الشبكية، وتتسبب تدريجيا في فقدان البصر. وببلوغ غويال 22 عاما كان قد فقد بصره تماما. وعن ذلك، قال غويال «أسوأ ما في الأمر أنني لم أع ما كان يحدث، ولا ما ينبغي أن أفعله حياله». وأضاف أنه في الوقت الذي بدأ فيه أقرانه في مواعدة فتيات «كنت أناضل للتعامل مع إعاقة أصابتني. وراودني تساؤلات مثل: ماذا سأقول للناس؟ فأحيانا كنت أتمكن من رؤية الآخرين، وفي أحيان أخرى أعجز عن ذلك». وتسبب فقدان البصر في إصابة غويال بـ«الخوف والحيرة»، وتضاؤل عدد أصدقائه. وقال غويال «كنت مستعدا لإعلان استسلامي والامتناع عن خوض الامتحان النهائي والاكتفاء بالعمل مع والدي»، الذي يعمل بمجال التنمية العقارية. لكن والدته أجبرته على تأدية الامتحان، واندهش غويال عندما وجد نفسه لم يجتز الامتحان فحسب، وإنما أيضا بدرجات مرتفعة.

اليوم، يؤكد غويال أنه يشعر بالفخر لعدم حاجته لمعاونة الآخرين له بصورة يومية، وأنه استعاد نشاطه بمجال الرياضة، مثلما كان الحال عندما كان طفلا. العام الماضي، فاز فريقه في بطولة كريكيت للمكفوفين، والتي تجري ممارستها بالاعتماد على كرة أكبر قليلا عن التي يستخدمها المبصرون.

ورغم إنجازاته، التي تضمنت هذا العام أيضا حصوله على جائزة وطنية من الهند تتعلق بـ«تمكين الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة»، اكتسى حديث غويال عن نفسه بنبرة تواضع. وقال «لا ينبغي أن أتحول لنموذج للآخرين. ورغم أنني حققت كل ذلك، فإن هذا جاء بعد نضال. كما أنه ليس الجميع محظوظين بنيل الدعم الذي تلقيته من أصدقائي وأسرتي، لذا من المجحف المقارنة بيني وبينهم. كما أنني أملك مواهب متوسطة على الكثير من الأصعدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»