اجتماع جنيف حول برنامج إيران النووي يمهد لـ«عملية» تفاوض بدلا من نتائج ملموسة

بكين تريده لقاء «مثمرا» والغرب يريد «بناء الثقة».. وطهران ترفض مناقشة «الحقوق النووية»

TT

يجتمع رئيس المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي، بعد غد، مع ممثلة الاتحاد الأوروبي للسياسات الخارجية كاثرين أشتون، التي تمثل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا لهذا الغرض، في أول اجتماع للأطراف السبعة منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009. ويأتي هذا الاجتماع بعد تعثر في إحراز تقدم حقيقي بشأن تبديد المخاوف الدولية من طبيعة البرنامج النووي الإيراني، وفي وقت تواصل فيه طهران رفضها تجميد البرنامج المثير للجدل. وتتوقع أوساط أميركية وأوروبية أن يكون الاجتماع انطلاقا لـ«عملية» تفاوض مع الإيرانيين، بدلا من الحصول على نتيجة ملموسة نهائية حول البرنامج النووي الذي تطالب الدول الست بتجميده.

وأوضح الناطق باسم الخارجية الأميركية بي جي كراولي أن «ما نريد أن نراه هو تواصل إيران في عملية حقيقية، مثلما قلت العام الماضي إن الهدف من اجتماعنا الأول هو اجتماع ثان، لأن ذلك سيشير إلى استعداد إيران للرد على أسئلة المجتمع الدولي». وأوضح كراولي أن المسؤولين الدوليين «سيأتون الأسبوع المقبل مستعدين لبحث القضية النووية والتواصل حول قضايا أخرى ذات اهتمام مع إيران». وأضاف «لا توجد لدينا أوهام هنا، نحن نفهم أن ذلك قد يكون صعبا، ونحن نفهم أن إيران قد تأتي غير مستعدة للتواصل بطريقة بناءة، لكننا نظهر استعدادنا لمواصلة عرض هذا الحوار ونأمل أن يكون لدينا اجتماع بناء الأسبوع المقبل».

وقد تنتج صعوبات لإنجاح الاجتماعات مع مواصلة طهران رفضها إدراج الملف النووي على أجندة الاجتماع. وقد قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مرارا غن تخصيب اليورانيوم لن يطرح للتفاوض، بينما تؤكد واشنطن أن هذا هو الهدف الرئيسي من الاجتماع.

ويذكر أن عملية التفاوض مع إيران بدأت عام 2003، أولا من قِبَل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وبعدها انضمت الولايات المتحدة والصين وروسيا إلى العملية. لكن حتى الآن لم تنتج المفاوضات نتيجة ملموسة. وقالت الخبيرة في الشأن الإيراني روبن رايت، لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون من المفاجئ إذا خرجت اجتماعات يومي الاثنين والثلاثاء بنتائج ملموسة. الدبلوماسيون الأميركيون والأوروبيون يتطلعون إلى بداية عملية (تفاوض)، لكن في الوقت نفسه لن تكون هذه العملية من دون نهاية». وأضافت الخبيرة في «معهد الولايات المتحدة للسلام» أن «إيران قد تأتي بصيغتها الخاصة مما يغير من مسار العملية» التي تريدها الدول الست، محذرة من أن ذلك قد ينتج عنه «موت العملية».

ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر أوروبي لم تسمه قوله «هذا اجتماع مهم، لقد انتظرنا وقتا طويلا من أجله»، لكنه أوضح «إنه ليس مهما لأنه سيحل المشكلات فورا أو ينتج بنتائج فورية، لكننا نأمل أن ينتج عملية إعادة تواصل مع إيران.. وعبر الوقت ذلك سيؤدي إلى نتائج». والنتائج التي تريدها أوروبا وباقي الدول الست هي التأكد من سلامة البرنامج النووي الإيراني وعدم عسكرته.

وأبلغت القوى الغربية إيران أول من أمس بأنه يتعين عليها التخلي عن «مسار المواجهة»، وأن تبدأ العمل لعلاج أسباب قلق هذه القوى بشأن برنامجها النووي في محادثات تعثرت منذ فترة طويلة ومن المقرر أن تستأنف الأسبوع القادم. ووافقت إيران على الاجتماع مع ممثل للدول الست في جنيف، لكنها أوضحت أنها لن تتفاوض على «حقوقها النووية».

وقالت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في بيان مشترك في اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية «ليس هناك بديل.. يجب على إيران أن تتصدى بنشاط لانعدام الثقة في الطبيعة السلمية تماما لبرنامجها النووي». وجاء في البيان الذي قرأه مبعوث ألمانيا في جلسة مغلقة أن أحدث تقرير بشأن البرنامج النووي الإيراني للوكالة الدولية للطاقة الذرية «يرسم صورة مزعجة للغاية» بشأن سلوك إيران. وقال البيان إن ذلك «يشهد مرة أخرى على أن إيران مستمرة في مسار عدم الالتزام والمواجهة».

وقالت الدول الأوروبية الثلاث إن الهدف في جنيف هو «إشراك إيران في منهج لبناء الثقة على مراحل، يقود إلى مفاوضات ذات مغزى». وقال المبعوث الأميركي لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، السفير غلين ديفيس، إنه يأمل في محادثات «صريحة وبناءة وجادة» مع إيران. وقال ديفيس لمجلس محافظي الوكالة «نود التوصل إلى حل مبكر عن طريق التفاوض للقلق الدولي من البرنامج النووي لإيران».

وقال سفير إيران لدى الوكالة علي أصغر سلطانية إن طهران مستعدة لمحادثات لحل قضايا عالمية وإقليمية و«صراعات العالم كله»، وهي تصريحات يمكن أن تثير مخاوف الغرب من أن إيران ستسعى للتركيز على مناقشات بشأن قضايا غير نووية. وأضاف «نأمل أن تكون لدينا تطورات إيجابية في ذلك الاتجاه».

ويأتي اجتماع جنيف في وقت تزداد فيه الأصوات الأميركية المطالبة بالمزيد من العقوبات وتشديد اللهجة مع إيران، خاصة بعد فوز الجمهوريين في انتخابات مجلس النواب الأميركية. وقد مثل وكيل وزير الخارجية الأميركية بيل برنز أمام الكونغرس الأربعاء الماضي، حيث أكد على تأثير العقوبات على إيران وإمكانية تغير النهج الإيراني بسبب تلك الضغوط، مؤكدا لأعضاء الكونغرس جدية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في التعامل مع إيران.

وتتطلع واشنطن مثل باقي الدول الست إلى اجتماع يومي الاثنين والثلاثاء، على أن يكون بداية لمرحلة جديدة من التفاوض مع إيران على ملفها النووي. واتصل وزير الخارجية الصيني يانغ جي تشي بمسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، أمس، لبحث الاجتماع المقبل. ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» عن يانغ قوله لأشتون «تأمل الصين في أن تحضر كل الأطراف (المحادثات) بنهج بناء ويدفعوا معا الحوار للأمام لتحقيق تقدم إيجابي.. وهذا ينسجم مع مصالح الجميع». وأضاف يانغ أن الصين ترحب بالعمل بجدية مع الاتحاد الأوروبي والبلدان الأخرى من أجل ضمان تحقيق ذلك. ونقلت «شينخوا» عن أشتون قولها ليانغ إن الصين شريك مهم في المحادثات، وإن الاتحاد الأوروبي مستعد للعمل مع الصين من أجل تحقيق تقدم. وكانت الصين التي لها علاقات وثيقة في مجالي الطاقة والتجارة مع إيران قد أيدت قرارات مجلس الأمن بالأمم المتحدة والتي تهدف للضغط على إيران للتخلي عن أنشطتها النووية، لكنها ترفض فرض عقوبات أحادية الجانب على إيران.

وزادت الضغوط على طهران كي تعود لطاولة المفاوضات منذ يونيو (حزيران) الماضي عندما فرضت الأمم المتحدة عليها مجموعة رابعة من العقوبات بإجراءات تستهدف مصالح قيادتها وكذلك قطاعي الشحن والطاقة. ومن المرتقب أن يعقد مجلس الأمن بالأمم المتحدة اجتماعا حول إيران يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لبحث العقوبات المفروضة على إيران. ومن اللافت أن هذا الاجتماع سيأتي بعد يومين من انتهاء اجتماعات جنيف المرتقبة والتي سيكون لها تأثير على اجتماع مجلس الأمن، والذي سيقدم فيه المندوب الياباني لدى الأمم المتحدة تسونيو نيشيدا، وهو رئيس لجنة العقوبات على إيران، تقريرا حول تأثير تلك العقوبات على إيران.

لكن لفتت رايت إلى أن اجتماع جنيف يأتي بعد تغييرات عدة للوضع في إيران، خاصة مع «تأثير القيود المالية على إيران»، في أشارة إلى العقوبات الأحادية الجانب عليها من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان ودول أخرى. وأضافت «الآيديولوجية الإيرانية تزداد تكلفتها»، ولكن حتى الآن لم تدفع النظام الإيراني لتغيير مساره. ولفتت إلى أن قضايا داخلية عدة منها الانقسامات في النظام الإيراني أيضا تزيد من الضغوط على حكومة أحمدي نجاد، بينما هناك تغيرات داخلية أميركية وعلى رأسها فوز الجمهوريين بانتخابات الكونغرس «تغير من ليونة إدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما».