وثائق: وحده وزير الزراعة لم يتورط في فساد داخل الحكومة الأفغانية

الأميركيون بحثوا عن بديل لكرزاي لكنه اعتذر لعدم امتلاكه ما يدفعه كرشوة للاحتفاظ بمنصبه

TT

تظهر أفغانستان، من خلال مئات البرقيات الدبلوماسية، كمرآة مفتوحة على عالمين حيث الرشوة والابتزاز والاختلاس هي القاعدة والأمانة والنزاهة هما الاستثناء. وأوضحت السفارة الأميركية خلال وصفها لتركيبة الحكومة الأفغانية الجديدة في يناير (كانون الثاني) الماضي أن آصف رحيمي، وزير الزراعة قد «تبين أنه الوزير الوحيد الذي لم تثبت عليه أي من مزاعم عن تقاضيه رشاوى». وشرح مسؤول أفغاني للدبلوماسيين «المراحل الأربع» لعملية استيلاء زملائه من الوزراء على أموال المشروعات التنموية الأميركية «عندما تقدم مقاولون لتنفيذ مشروع وأرادوا الحصول على تصاريح البناء أثناء عملية البناء وخلال مراسم الافتتاح».

وفيما يبدو انتصارا على الفساد، حكم على صهيبي عبد الأحد، رئيس بلدية كابل بأربع سنوات العام الماضي «بتهمة الاختلاس»، لكن توضح إحدى البرقيات من السفارة قصة مختلفة تماما، حيث كان صهيبي ضحية «عدالة محكمة زائفة» فيما بدا أنه جزاء على محاولته التصدي لفساد شاب عملية تقسيم الأراضي.

ولا يعد انتشار الفساد الذي تغذيه صناعة المخدرات على كافة المستويات في المجتمع الأفغاني جديدا، فحسب منظمة «الشفافية الدولية» الحقوقية، التي ترصد الفساد الحكومي حول العالم، تحتل أفغانستان المرتبة الثالثة على قائمة الدول الفاسدة بعد الصومال وميانمار. لكن تقدم البرقيات الدبلوماسية السرية التي حصل عليه موقع «ويكيليكس» معنى جديدا للانتشار ونطاقه المؤثر والتحدي المحبط الذي يواجهه المسؤولون الأميركيون الذين جعلوا من دعم الحكومة الأفغانية أساسا لاستراتيجية مناهضة التمرد في أفغانستان. وأوضحت البرقيات أن المسؤولين الأميركيين يرون أن المشكلة تبدأ من أعلى. ويتضمن تقرير صدر في أغسطس (آب) 2009 شكوى من سماح الرئيس حميد كرزاي ومدعيه العام «بإطلاق سراح أفراد خطرين والسماح لهم بالدخول مرة أخرى إلى ساحة القتال دون المثول أمام محكمة أفغانية». وأبدت السفارة قلقها بشكل خاص من عفو كرزاي عن 5 من حرس الحدود الذين تم القبض عليهم وبحوزتهم 124 كلغم من الهيروين وتدخله في قضية مخدرات متورط بها ابن لأحد مؤيديه من الأثرياء. ويمكن تلخيص المعضلة الأميركية في برقية أرسلها السفير الأميركي كارل إكينبري في أكتوبر (تشرين الأول) 2009 وكان قد كتب هذه البرقية بعد مقابلته لأحمد والي كرزاي، الأخ غير الشقيق للرئيس الذي يتمتع بالنفوذ الأكبر في قندهار ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنه جمع ثروته من تجارة المخدرات. وكتب السفير إكينبري: «يسلط الاجتماع مع أحمد والي كرزاي الضوء على أحد أكبر التحديات التي تواجهها أفغانستان وهي كيفية مكافحة الفساد وإقامة علاقة قوية بين الناس والحكومة في ظل فساد كبار مسؤولي الحكومة».

يبدو أن المسؤولين الأميركيين يبحثون عبثا عن شريك نزيه، حيث تصف إحدى البرقيات، التي تعود إلى عام 2009، طاهر خان صباري، محافظ خوست بالإنابة بأنه «تغيير جديد» وقيادي كفؤ وجدير بالثقة، لكن صباري قال لمعجبيه من الأميركيين إنه لا يملك المبلغ (الذي يتراوح بين 200 إلى 300 ألف دولار كرشوة) اللازم للاحتفاظ بالمنصب.

شغل أحمد زيا مسعود منصب النائب الأول للرئيس من 2004 إلى 2009 وتمت مناقشة تولي أحمد شاه مسعود، شقيق القائد العسكري للتحالف الشمالي، منصب الرئيس في المستقبل. وفي العام الماضي أشارت إحدى الرسائل إلى إلقاء مصلحة الجمارك القبض على مسعود وبحوزته 52 مليون دولار نقدا مجهولة المصدر متجها بها إلى الإمارات. بالطبع لا تعد البرقية الدبلوماسية اتهاما رسميا بجريمة وقد نفى مسعود في مقابلة عدم نقله أموالا من أفغانستان، حيث قال: «هذا غير صحيح. 52 مليون دولار مبلغ ضخم يحتاج إلى غرفة كبيرة». لكن رغم أن راتبه الشهري الرسمي لا يتعدى بضع مئات من الدولارات، فإنه يعيش في منزل مطل على البحر في «بالم جميرة»، الحي السكني الفاخر في دبي الذي يسكن فيه مسؤولون أفغان آخرون. وعندما زار أحد الصحافيين الحي العام الحالي كانت سيارة «رولز رويس» تقف أمام المنزل.

وتصف البرقية أفغانستان كبلد تعرض فيه كل الأشياء للبيع، حيث حصل وزير النقل على 200 مليون دولار في العام من رسوم النقل وأعطى للحكومة 30 مليون دولار فقط بحسب برقية موجهة عام 2009 من وحيد الله شهراني الذي كان وزيرا للتجارة في ذلك الوقت إلى دبلوماسيين. ونتيجة لذلك، على حد قول شهراني الذي وصف 14 من مسؤولي الحكومة بـ«الفاشلين أو الفاسدين أو كليهما»، «وصل المبلغ الذي دفعه الأفراد إلى 250 ألف دولار في المكان الذي يسبق المكتب في هراة على سبيل المثال وانتهى بهم الحال إلى الحصول على منازل رائعة والحصول على تبرعات سياسية وفيرة». وتشير برقية أخرى إلى «شائعات» عن تورط شهراني نفسه «في صفقة استيراد نفط مشبوهة»، لكنه نفى هذه الشائعات بقوله إنها محض افتراءات من اثنين من خصومه اللذين «كانا من بين أكثر المسؤولين فسادا في أفغانستان».

وتشير إحدى الرسائل إلى محاولة السفير الأميركي لتكوين رأي عن شهراني الذي أصبح فيما بعد وزيرا للتعدين. تتضمن البرقية ما يلي: «لاحظ السفير إكينبري منزل شهراني الفخم مشيرا إلى أن الأفغان يعرفون جيدا من الفاسد».

وتعرض البرقيات مزاعم بالحصول على رشاوى وأرباح في السفر إلى السعودية للحج وفي تحويل أموال عن طريق الهواتف المحمولة وشراء حبوب القمح وعمل قائمة رسمية بمجرمي الحرب وكذلك في التصويت في البرلمان.

وأخبر سيد فاطمي، وزير الصحة، مسؤولين دبلوماسيين في يناير برغبة برلمانيين في الحصول على مبالغ نقدية لتأكيد تعيينه. وجاء في البرقية: «قال فاطمي، وهو مصدوم من محاولات الاختلاس السافر، إن نواب البرلمان قد عرضوا منح أصواتهم وأصوات آخرين يستطيعون الحصول عليها مقابل ألف دولار للصوت». وتوضح حالة صهيبي، رئيس بلدية كابل مدى صعوبة التحقق من الاتهامات بالفساد. وتتناقض برقية تحمل توقيع السفير إكينبري بتاريخ 7 يناير، مع تقارير إعلامية تناولت الادعاء باعتباره علامة مميزة للحملة المؤيدة لحكومة نزيهة. وتفيد البرقية، التي تشير إلى مقابلات أجرتها السفارة مع صهيبي، بأن الاتهامات الموجهة ضد صهيبي تستند إلى قرار تأجير جزء من ممتلكات المدينة إلى أصحاب متاجر أحذية. وبحسب ما جاء في البرقية، تلقت البلدية، بعد 3 أشهر من توقيع عقد الإيجار، عرضا آخر بزيادة 16 ألف دولار. وتحولت «خسارة» العائد الإضافي المحتمل إلى عملية «اختلاس كبيرة» بحسب وصف الادعاءات.

أخبر صهيبي الأميركيين بأنه تم استدعاؤه للمثول أمام المحكمة في 7 ديسمبر (كانون الأول) لتحديد موعد للجلسة. لكن ما حدث هو أنه حكم عليه بالسجن لمدة 4 سنوات وغرامة قدرها 16 ألف دولار. وقال صهيبي إن الدافع وراء هذا الادعاء هو «عثوره على ملفات لأكثر من 32 ألف متقدم تقريبا دفعوا أموالا مقابل قطع أراض غير موجودة في كابل» في أقل من عامين كرئيس بلدية. وقال إنه أوقف البرنامج و«ألغى صلاحية الطلبات غير الشرعية لبعض الناس المهمين» وهو ما دفعهم إلى الانتقام منه بتدبير ملف هذه الجريمة.

كانت البرقية في صالح رواية صهيبي إلى حد بعيد، حيث جاء فيها أن قرار رئيس البلدية «ربما أثار حفيظة أشخاص من أصحاب النفوذ لجأوا بعد ذلك إلى سلطة الدولة لتشويه سمعته». وبعيدا عن أن هذا يمثل ضربة للفساد، تشير البرقية إلى أن القضية كانت ادعاء تحقيق العدالة. ساعدت البنية المصرفية غير المنظمة وشبكة تحويل الأموال القديمة على انتشار الفساد إلى حد ما. ويختار السياسيون والمتمردون ومهربو المخدرات هذه الوسيلة لنقل الأموال في أنحاء العالم الإسلامي. وأفادت برقية العام الماضي تحمل توقيع السفير إكينبري إلى أن نظام تحويل الأموال، الذي تفضله النخبة الأفغانية ومؤسسة «نيو أنصاري»، «يسهل الرشاوى والتحويل غير الشرعي واسع النطاق للنقود للمسؤولين الأفغان الفاسدين» ويوفر خدمات مالية لمهربي المخدرات من خلال شركات تستخدم كواجهات في أفغانستان والإمارات العربية المتحدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»