مخاوف من أزمة شبيهة بالرهن العقاري مع تراكم الديون على الولايات الأميركية

بعضها لجأت إلى إطلاق سراح مبكر للسجناء لخفض النفقات وليس مكافأة على سلوكهم الجيد

TT

لا تزال ولاية إلينوي تسدد فواتير بالمليارات خاصة بالمدارس ومقدمي الخدمات الاجتماعية العام الماضي، بينما توقفت ولاية أريزونا العام الماضي عن دفع تكلفة بعض عمليات زرع الأعضاء لبعض الأشخاص في برنامج الرعاية الطبية. وتعمد بعض الولايات إلى إطلاق سراح مبكر لبعض السجناء لخفض النفقات أكثر منه كمكافأة على سلوكهم الجيد. وفي نيوآرك قامت الولاية بتسريح 13 في المائة من رجال الشرطة الأسبوع الماضي.

وعلى الرغم من أن العام المقبل ربما يكون أكثر سوءا، فإن هناك مخاطر مالية أكبر على المدى الأبعد، بحسب آراء محللين ماليين. ربما يكون السر وراء هذا التخوف هو أنه حتى في الوقت الذي يتعافى فيه الاقتصاد، لن يختفي العجز في الميزانيات، لأن الكثير من الولايات والحكومات المحلية مثقلة بالكثير من الديون - تقدر بعدة تريليونات من الدولارات - الكثير منها غير مدون في سجلاتها ومحجوب بشكل كبير عن الأعين - التي يمكن أن تغرقها خلال الأعوام القليلة المقبلة.

ويقول فيلكس روهاتين، الممول الذي ساعد في إنقاذ نيويورك سيتي من الإفلاس في السبعينات: «يبدو لي أن طلب المساعدة ربما يكون الطريق الصحيح عند بلوغ هذا».

بعض أولئك الأشخاص الذين حذروا من أزمة الرهن العقاري قبل عامين عادوا ليدقوا أجراس الخطر مرة أخرى. وكانت رسالتهم أن المدن الصغيرة ليست في منأى، والولايات الكبيرة مثل إلينوي وكاليفورنيا تواجهها مخاطر كبيرة.

في السابق كان إفلاس البلديات أو تأخرها عن سداد ديونها أمرا نادر الحدوث، فما من ولاية تأخرت عن سداد دينها منذ الكساد العظيم، ولم تعلن سوى مجموعة صغيرة من المدن الإفلاس أو لجأت إلى التفكير في القيام بذلك.

لكن تمويلات بعض الولايات والحكومات المحلية باتت متعثرة للغاية، حتى إن بعض المحللين يقولون إن ذلك يذكرهم ببدايات أزمة الرهن العقاري أو أزمة الديون التي أصابت بعض الدول الأوروبية.

ويخشى المحللون من أنه عند الوصول إلى هذه المرحلة - لا أحد يعلم متى - ربما يحجم المستثمرون عن إقراض الولايات الأضعف، وهو ما قد يؤدي إلى نشوء أزمة يمكن أن تطال الولايات الأقوى أيضا، مما سيشبه في تأثيره الاضطراب الذي شهدته أوروبا ولحق بدولة بعد أخرى.

وحذر روهاتين من أنه على الرغم من ندرة إفلاس المحليات في السابق، فإن ذلك يبدو ممكنا بصورة كبيرة، والافتقار إلى التوازن بدا واضحا في بعض المناطق حتى إن الحكومة الفيدرالية ستضطر إلى الوقوع فيه في مرحلة ما، على الرغم من أنه هذا قد يبدو مستبعدا في ظل المناخ السياسي الحالي.

وأضاف: «أنا لا أحب لعب دور الأرنب المذعور، لكني لا أرى متى ستكون النهاية لذلك».

في الوقت الذي خيم فيه الركود الاقتصادي على الولايات المتحدة، لجأت بعض الولايات التي تضررت بشدة إلى التخلي عن بعض العمال وهو ما ساعدها على الوقوف على قدميها وسد الثغرات في الميزانية كل عام، لكنها كثيرا ما كانت تأتي على حساب تكلفة مستقبلية.

بعض العمال أصحاب حسابات التقاعد الفردية قد يلجأون إلى المخاطرة بسحب رهون عقارية ثانية لاستثمارها في الأسهم، وهي مقامرة ستكون المكاسب الاستثمارية فيها كافية لبناء منزل أكبر وتسديد القروض.

لكن هذا ما تفعله ولاية إلينوي، التي فشلت في توفير المخصصات المالية لبعض صناديق المعاشات لسنوات؛ فقد اقترضت الولاية 10 مليارات دولار في عام 2003 واستخدمت الأموال للاستثمار في صناديق معاشاتها، لكن الكساد أدى إلى انخفاض أرباح هذه الأموال عن الأرباح المتوقعة، والولاية تسدد قيمة السندات، إلى جانب الفائدة. إذن فما هو الحل؟ باعت إلينوي سندات بقيمة 3.5 مليار دولار من سندات صناديق المعاشات هذا العام، وتخطط لاقتراض 3.7 مليار دولار إضافية لصناديق المعاشات.

تمثل هذه أهم المشكلات طويلة الأمد التي تواجه بعض الولايات مثل كاليفورنيا وإلينوي ونيوجيرسي ونيويورك، التي يبدي المحللون الماليون قلقا كبيرا بشأنها، خشية أن يشكل ذلك أزمة يمكن أن تطال الولايات الأخرى، مما يزيد من تكلفة اقتراضها.

لكن مصاعب الميزانية قصيرة الأمد التي تواجه جميع الولايات تقريبا هي ما يشغل كل المسؤولين المنتخبين.

وربما لا تكون إلينوي هي الولاية الوحيدة العاجزة عن تسديد ديونها، فالكثير من الولايات مثل نيويورك أجلت دفع رواتب الباعة والحكومات المحلية لأنها لا تملك السيولة المالية الكفيلة لذلك.

أما كاليفورنيا فقد دفعت للباعة الجائلين بسندات أذون العام الماضي، بينما أبدت بعض الولايات الأخرى قلقا بشأن تدفق السيولة، وهو ما أسهم في تأجيل إعادة دفع الضرائب المستردة الربيع الماضي.

والآن، ومع رفع التدهور الاقتصادي الطلب على مساعدات الولاية، تلجأ الكثير من الولايات إلى خفض المساعدات؛ فقد ارتفع الطلب على قسائم الطعام بصورة ملحوظة في ولاية إيداهو، لكن الميزانيات المتعثرة حدت بالولاية إلى إغلاق ما يقرب من ثلث المكاتب الميدانية لقسم الصحة والرفاهية التابع للولاية، الذي يتلقى مثل هذه الطلبات. ومع لجوء الكثير من الولايات إلى قطع المعونات عن المدن، لجأت بعضها إلى الاستقطاعات التي لم تكن مطروحة في السابق، فأقالت ضباط شرطة وأغلقت محطات إطفاء.

هذه التخفيضات في المساعدات للمدن والمقاطعات، التي يتوقع أن تتواصل، أحد الأسباب وراء قول بعض المحللين إن المدن تواجه مخاطر كبيرة بالإفلاس، أو أن تخضع لإشراف خارجي.

ولا يتوقع أن يحمل العام المقبل أنباء طيبة بهذا الخصوص؛ فتواجه الولايات والمدن على حد سواء أكبر عجز مالي بعد الركود على حسب قول المسؤولين، حيث استنفدت التمويلات الطارئة والإجراءات السهلة.

ويتوقع أن لا تشهد هذه المرة تغييرا، فقد زادت أموال خطة التحفيز الفيدرالية من النصيب الفيدرالي لميزانيات الولايات إلى أكثر من الثلث من مجرد أكثر من الربع في عام 2008، بحسب التقرير الذي أصدره الاتحاد الوطني لحكام الولايات، والاتحاد الوطني لمسؤولي ميزانيات الولايات.

ومن المتوقع أن تنفد هذه الأموال بحلول الصيف المقبل، وفي الوقت ذاته لا يتوقع أن تعود حصيلة الضرائب إلى مستويات ما قبل الكساد قبل عام آخر أو عامين، بالنظر إلى أن سوق الإسكان والاقتصاد الأكثر شمولا لا تزال ضعيفة، وأن البطالة لا تزال عالية.

ويقول سكوت باتيسون، مدير رابطة الميزانية: «سيكون العام المقبل أسوأ عام خلال الأعوام الأربعة أو الخمسة، مدة التراجع الاقتصادي».

ويتوقع عدد محدود من الخبراء أن تلجأ الحكومة الفيدرالية إلى عرض مساعدات مباشرة على الولايات، على الأقل على المدى القريب. ويعارض الكثير من الأغلبية الجمهورية داخل مجلس النواب خطة التحفيز الاقتصادي، وتدرس واشنطن توصيات لجنة خفض الدين. ومن ثم تلجأ بعض الولايات لتسديد نفقات التشغيل، مضيفة بعض الديون الجديدة التي لم يكشف عنها بشكل كامل؛ فولاية أريزونا التي تئن تحت وطأة فقاعة الإسكان المنفجرة، تحولت إلى صفقة عقارات من أجل المعونة، فعمدت بصورة أساسية إلى بيع الكثير من المباني الحكومية - شملت بيع البرج الذي يقع فيه مكتب الحاكم - مقابل 735 مليون دولار مدفوعة مقدما، لكن تأجير المباني على مدى الـ20 عاما المقبلة سيكلف دافعي الضرائب 400 مليون دولار إضافية كفائدة.

وتقوم كثير من الحكومات في الوقت الحالي بتأخير المخصصات المالية لصناديق تقاعدها، التي ستكون بحاجة في النهاية إلى التسديد، بفائدة مرتفعة - تصل عادة إلى 8 في المائة - يتوقع أن تجنيها الصناديق سنويا.

اتجهت نيويورك إلى موازنة ميزانيتها هذا العام عبر اختلاس صندوق تقاعدها، وفي نيوجيرسي أجل الحاكم كريس كريستي دفع 3.1 مليار دولار كانت مستحقة لصناديق التقاعد هذا العام.

تلك الديون الخفية المتنامية هي التي جعلت الكثير من المحللين يبدون قلقا كبيرا، وتملك الولايات والمحليات حاليا سندات مؤجلة بما يقرب من 2.8 مليار دولار، لكن هذا الرقم تقزّم عبر الديون التي حذفتها الكثير من الولايات من دفاترها.

وتواجه المعاشات المحلية ومعاشات الولاية - التي هي شكل آخر من أشكال الدين الآجلة الذي تضمنه بعض الولايات في دساتيرها - عجزا خفيا في الميزانية، قد يصل إلى 3.5 تريليون دولار وفق بعض الحسابات، والفوائد الصحية التي وعدت بها الدولة والحكومات المحلية الكبيرة متقاعديها، التي تسير قدما، يمكن أن تكلف الدولة أكثر من 530 مليار دولار، وفق مكتب المحاسبة الحكومية.

ويقول جيرومي باول، الأستاذ الزائر في مركز السياسة الحزبية، الذي عمل تحت قيادة وزير الخزانة خلال عملية إنقاذ المدخرات والقروض في بداية التسعينات: «أغلب الأزمات المالية تأتي بصورة غير متوقعة، وهي تصيبك في وقت تكون غير مستعد لها. هذه المرة الأمر مناقض تماما، فأنت تتوقع حدوث الأزمة، وسيكون من الإثم أن لا تفعل شيئا بشأن ذلك في الوقت الذي لا تزال تملك فيه الفرصة لذلك».

حتى الآن يقبل المستثمرون على شراء سندات الولايات بشغف، مع اعتقاد كامل بأن الولايات والمدن ستتمكن من سداد الديون، بيد أن الأسابيع الأخيرة شهدت تراجع الطلب على شراء السندات بشكل واضح، فأوردت الصناديق التبادلية التي تستثمر في سندات المحليات عبر عملية بيع، التي تعد أكبر عملية بيع خلال أسبوع واحد، أكثر مما قامت به خلال انهيار الأسواق المالية في عام 2008, وتسعى صناديق التحوط حاليا إلى البحث عن سبل لوضع الرهانات ضد ديون بعض الولايات بمساعدة مصارف استثمارية.

هناك بعض الولايات، بطبيعة الحال، التي لا تشهد أزمات مماثلة لإلينوي وكاليفورنيا، فتقول وكالات تصنيف الائتمان إن مخاطر التخلف عن سداد الديون منخفضة للغاية. وتضع المدن والولايات إعادة تسديد الديون لحاملي السندات كأهم أولوياتها حتى قبل دفع مقابل الخدمات الضرورية.

وقد أصدر مؤشر «ستاندرد آند بور» تقريرا يقول إن الأزمة التي تواجهها الولايات والمحليات تتعلق بصورة أكبر بشأن القرارات الصعبة، أكثر من العجز المتوقع عن سداد الدين.

التغير في التصنيفات

* تحسنت تصنيفات التأمين لعدد من الحكومات المحلية هذا العام، لا لأن تمويلاتها المالية شهدت تعزيزا، ولكن لأن وكالات التصنيف غيرت من الطريقة التي تعمد من خلالها إلى تحليل الحكومات.

والتصنيفات المرتفعة الجديدة، التي تقل عن نفقات الاقتراض تؤكد على حقيقة أن عجز المحليات كان أندر من عجز الشركات.

وقد أصدرت مؤسسة «موديز» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تقريرا، شرحت فيه الأسباب وراء تصنيفها الولايات الخمسين، الذي جاء فيه أن إلينوي أفضل في المخاطر الائتمانية من أغلب الشركات المالية غير الأميركية.

لكن بعض المحللين يخشون من أن يكون هذا التقييم مفرطا في التفاؤل، مشيرين إلى أن وكالات التصنيف استبعدت أيضا إمكانية وقوع أزمة رهن عقاري. وعلى الرغم من اتفاق الجميع على إمكانية عجز الولايات عن تسديد ديونها، فإنهم يخشون أن تدفع معاناة الولايات من مشكلات الديون المتراكمة، المستثمرين إلى رفض شراء ديون الولايات الضعيفة أو الحكومات المحلية، وهو ما سيكون من شأنه إحداث أزمة، لأن الولايات لا يمكنها العمل ما لم تتمكن من الاقتراض، ويمكن لهذه الأزمة أن تنتقل إلى الولايات السليمة، مما يزيد من التكلفة بالنسبة لها. إذا كانت أوروبا هي المثال لذلك.

وحذرت ميريديث ويتني، وهي محللة مصرفية كانت من بين أول من حذر من أن تأثير انهيار سوق الرهن العقاري سيؤثر على المصارف، من أنها ترى مشكلات مشابهة في تمويلات حكومات الولايات والحكومات المحلية.

وقالت في مقابلة مع قناة «سي إن بي سي»: «موقف الولاية يبدو أشبه كثيرا بما كانت عليه البنوك قبل الأزمة»؛ فهناك تشابه غريب بين أزمة الديون العقارية، التي تلوح في الأفق، وأزمة الديون البلدية.

* خدمة «نيويورك تايمز»