مصدر أميركي لـ «الشرق الأوسط»: المحكمة ليست للحريري وحده.. وواثقون أن قراراتها لن تؤدي إلى العنف في لبنان

قال إن بلاده تعمل لتأمين السرية واستعادة الثقة بحكومتها بعد تسريبات «ويكيليكس»

TT

قال مصدر دبلوماسي أميركي رفيع في بيروت لـ«الشرق الأوسط»: إن المحكمة الدولية «فوق كل التحركات السياسية ومن ضمنها المساعي السعودية - السورية»، معتبرا أن المحكمة «تعيش في إقليم العدالة لا في عالمنا»، مشيرا إلى أنه في خضم الجدل الدائر حول القرار الظني «نسينا أن هناك أكثر من ضحية، فالرئيس الحريري ليس وحده من وقع ضحية هذه الجريمة، بل هناك آخرون».

وأبدى المصدر الثقة بأن عمل المحكمة لن يؤدي إلى العنف، بل يؤدي إلى مكان واحد، هو العدالة، مؤكدا أن لبنان يعاني انعدام العدالة فيما يتعلق بجرائم اغتيال سياسية.. وأن المحكمة هي الآلة لإنهاء استخدام العنف والاغتيال كأدوات سياسية في لبنان، نافيا أي تدخل لبلاده في القرار الظني أو في أعمال المحكمة.

وكرر المصدر الموقف الرسمي لبلاده، الذي يؤكد أن الولايات المتحدة تدعم «لبنان ذا سيادة»، مستقلا ومزدهرا، وقال: «لبنان لديه أصدقاء كثيرون، من بينهم الولايات المتحدة، وكل هؤلاء الأصدقاء يشجعون ويدعمون سيادة لبنان. ونحن جميعا ملتزمون بشراكة قوية جدا مع لبنان، وملتزمون بتأمين مستقبل زاهر له». وأضاف: «نحن نحترم قيادة الرئيس ميشال سليمان ودولة الرئيس سعد الحريري، خاصة في هذه الفترة ذات المشكلات والتوترات. وسوف نواصل العمل على تشجيع كل الأطراف في لبنان والمنطقة إجمالا من أجل التعامل مع بعضهم بشكل مسؤول وبما فيه مصلحة الشعب اللبناني». وشدد على أنه على كل طرف على المستوى الخارجي أن يعمل من أجل حل النزاعات وليس إثارتها.

أما فيما يتعلق بالمحكمة الدولية، فقد أكد المصدر أن المجتمع الدولي يعتبر أنها محكمة مستقلة، مذكرا بأنها أسست بطلب من الحكومة اللبنانية خلال فترة بشعة جدا في تاريخ لبنان، وتم تأسيسها وفقا لاتفاقية بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة. وقال: إن عمل المحكمة «ضروري، وهي تمثل فرصة للبنان ليبدأ تجاوز طريقه الطويل فيما يتعلق بالعنف السياسي».

وأبدى المصدر «الثقة» في أن عمل المحكمة «لن يؤدي أبدا إلى العنف»، مشددا على أنه «يؤدي إلى مكان واحد هو العدالة»، قائلا: «لبنان يعاني انعدام العدالة فيما يتعلق بجرائم اغتيال سياسية، وقد عانى هذا المرض أكثر من 35 سنة. والمحكمة هي الآلة لإنهاء استخدام العنف والاغتيال كأدوات سياسية في لبنان». ورفض المصدر بشدة «التخيير بين العدالة والاستقرار»، قائلا: «ليس هناك من خيار بين الأمرين، ولبنان مثل بقية الدول يحتاج إلى الأمرين».

وشدد المصدر على أن أعمال المحكمة الدولية «ليست مرتبطة فقط باغتيال الرئيس الحريري وباسل فليحان ورفاقهما في ذلك اليوم»، مشيرا إلى أن «المحكمة هي إجراءات لإنهاء عهد الجرائم التي لا تتم المحاسبة عليها، وفيها ضمان لكل اللبنانيين». وقال: «في المناقشات التي تحصل، نسينا أن هناك أكثر من ضحية، فالرئيس الحريري ليس وحده من وقع ضحية هذه الجريمة، بل هناك آخرون». مضيفا: «المحكمة يمكن أن تلعب دورا لتحقيق حلم آخرين، هم ضحايا العنف السياسي في هذا البلد».

وفيما يتعلق بالمساعي السعودية - السورية، قال المصدر إنه لا معلومات كثيرة عن هذه المساعي، لكنه شدد على أن «المحكمة شيء فوق كل التحركات السياسية؛ فهي تعيش في مستوى فوق كل رؤوسنا». وأردف: «المحكمة يجب أن تعيش في إقليم العدالة».

ونفى أي تدخل أميركي في موضوع القرار الظني «لأن لا أحد غير بلمار يعرف مضمون هذا القرار الذي لن يكون قرارا اتهاميا إلا بعد إرساله إلى المحكمة والتصديق عليه هناك»، معتبرا أن «كل المناقشات قبل إصدار القرار هي كلام فارغ وأفضل عدم التكهن في هذا الموضوع». وكرر الثقة في أن «ليس هناك سبب للعنف في وجه العدالة، أو في وجه إجراءات قضائية». وقال: «نحن واثقون أن أي قرار من المحكمة لن يؤدي إلى نتائج سلبية للبنان».

وربما لن يتسامح بعض السياسيين اللبنانيين مع ما خرجت به السفارة الأميركية في بيروت من تسريبات «ويكيليكس» التي طالت إحدى موجاتها لبنان وسياسييه، لكن المصدر الدبلوماسي يرى إمكانية في «استعادة الثقة» بالعمل الدؤوب و«المهنية والاحتراف» التي تعمل بها الطواقم الدبلوماسية. واعتبر المصدر أن تسريب مثل هذه المعلومات «شيء خطير جدا»، مشيرا إلى أن العمل الدبلوماسي «يعتمد على الثقة والسرية من أجل الحصول على معلومات صحيحة تعتمد عليها الحكومة لتحليلها وتحديد مواقفها»، موضحا أن «هذه التسريبات هي أيضا أمر خطير بالنسبة للأشخاص الذين يعتمدون على الولايات المتحدة لحمايتهم أو يعتبرونها موضع ثقة، خصوصا في مجال حقوق الإنسان»، مشيرا إلى أن «هناك الكثير من الناشطين حول العالم الذين نتحاور معهم لمعرفة مدى انتهاك حقوق الإنسان، وسيكون من الخطير جدا عليهم أن تعرف بعض التنظيمات أننا نتحدث إليهم»، مشددا على أن «السرية أمر مهم جدا بالنسبة إلى مثل هذا النوع من العمل».

وأكد المصدر أن السفارة في بيروت ووزارة الخارجية ملتزمتان بتصحيح المشكلات التي نجمت عن هذه التسريبات، وقال: «لقد زدنا وضاعفنا الجهود التي نبذلها لتأمين السرية في نقاشاتنا وفي اتصالاتنا مع شركائنا في 186 حكومة نتعامل معها حول العالم، ونحن نعمل معهم لتأمين السرية وإعادة الثقة بالحكومة الأميركية». وأضاف: «نحن نرى أنه ليس هناك وسيلة أكثر فعالية لإثبات التزامنا بالدبلوماسية، من إقامة الدبلوماسية». وقال: «نحن لا نخشى ذلك، وقد رأينا موقف الوزيرة (كلينتون) الذي يدافع عن العمل الدبلوماسي لتقوية مصداقية وزارة الخارجية وعملنا بشكل عام». ورفض المصدر التعليق على صحة أو عدم صحة الوثائق التي نشرت مؤخرا في لبنان، قائلا: «نحن لا نستطيع أن نعلق على مضمون أي وثيقة، ولن نعلق على بعض الوثائق التي نشرت على مواقع إلكترونية وفي بعض الصحف». وقال: «إن الوثائق الموجودة حتى الآن تثبت أن الدبلوماسيين الأميركيين يعملون بشكل محترف ومهني ويعكس الحقائق على الأرض بالكامل». وعن تأثير نشر الوثائق على عمل الدبلوماسية الأميركية، قال المصدر: «في المستقبل القريب وعلى المدى المتوسط، قد نواجه بعض التحديات، لكنني أعتقد أنه بالعمل الدؤوب من قبل الدبلوماسيين الأميركيين نستطيع إعادة بناء الثقة مع الذين نتواصل معهم».