لقاح جديد لعلاج التهاب السحايا يجلب الأمل لسكان أفريقيا

تم تطويره في أميركا.. ويهدف لإنقاذ 150 ألف شخص في 25 بلدا

تطعيم طفل في بوركينا فاسو باللقاح الجديد خلال عملية تجريبية أجريت في سبتمبر الماضي
TT

على مدى أكثر من قرن، اجتاح وباء التهاب السحايا الجرثومي قارة أفريقيا. ويأتي هذا الوباء مع رياح هرمتان الجافة ليقتل من يصيبهم بسرعة مفزعة. لكن تبدأ، اليوم الاثنين، حملة لتطعيم عشرات الملايين من سكان دول غرب أفريقيا بلقاح جديد يأمل العلماء أن يكون بداية لنهاية هذا الوباء الذي يصيب القارة.

وتهدف الحملة، التي ستغطي المنطقة الممتدة من السنغال غربا إلى إثيوبيا شرقا، إلى السيطرة على المرض وإنقاذ نحو 150 ألف شخص بحلول عام 2015 في 25 دولة أفريقية. ووفقا لمسؤولي الصحة العامة فإنه لا تزال هناك حاجة إلى مئات ملايين الدولارات لتنفيذ الحملة. ويقول الخبراء إن اللقاح الجديد لالتهاب السحايا يعتبر تطورا بارزا في الجهود المبذولة للقضاء على المرض وإيجاد لقاحات رخيصة ضد هذه الأمراض المهملة التي تصيب البلدان الفقيرة.

وقد أصيب أكثر من مليون شخص بالتهاب السحايا في أفريقيا على مدى العقدين الماضيين، ويعمل اللقاح الجديد على القضاء على السلالة (أ) من الجرثومة التي تصيب أكثر من 8 من أصل كل عشرة مصابين بالوباء. وتقل تكلفة اللقاح بمقدار 50 سنتا لكل جرعة عن اللقاحات السابقة. وفي الولايات المتحدة فإن شركتي «نوفارتيس» و«سانوفي باستور» تبيعان الجرعة الواحدة من لقاح التهاب السحايا الذي يستخدم ضد السلالات المتعددة من الجرثومة بسعر يتراوح بين 80 و100 دولار.

وعندما سمع الدكتور غريغوري بولند، رئيس قسم أبحاث اللقاحات في «مايو كلينيك» في مينيسوتا، عن هذه التكلفة المنخفضة للقاح، صاح قائلا «هذا نجاح باهر، هذا أمر رائع!». وقد قارن بيل غيتس، الذي مولت مؤسسته جزءا كبيرا من جهود تطوير اللقاح الجديد، هذا المشروع بمشروع تطوير لقاحات مرض الجدري والحصبة وشلل الأطفال. وقال في مقابلة معه «كل هذه اللقاحات تم تطويرها لأن الأغنياء يصابون بها. وهذا هو أول لقاح يتم تطويره من دون الحاجة إلى أسواق الدول الغنية. لا بد من تحقيق الاستفادة القصوى منه بسعر منخفض جدا».

ولقاح التهاب السحايا يعتمد على تكنولوجيا طورها الباحثون في إدارة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة ووفرتها الحكومة الأميركية مقابل مبالغ رمزية. ويقوم بإنتاج هذا اللقاح معهد المصل في الهند، وهو إحدى أكبر مؤسسات إنتاج اللقاحات، وتم تطويره بصورة مستقلة من قبل كبرى شركات الدواء الأميركية والأوروبية.

ويقول الدكتور ويليام شافنير، رئيس قسم الطب الوقائي في كلية الطب فاندربيلت، والذي، شأنه شأن الدكتور بولند، لم يشارك في تطوير لقاح التهاب السحايا «إن القيام بهذا العمل بعيدا عن شركات تصنيع الدواء الكبير وفكرة تطوير لقاح لصالح العالم النامي أمر مبتكر جدا، وليس له مثيل».

ويقول الخبراء إن هذا النموذج الخاص بتطوير لقاح التهاب السحايا لا يمكن تطبيقه لتطوير لقاحات لأمراض أكثر تعقيدا مثل الإيدز والملاريا، والتي لا تزال بحاجة ماسة إلى اكتشافات علمية أساسية. لكن الباحثين يبذلون جهودا مماثلة لإنتاج لقاحات رخيصة لعلاج الالتهاب الرئوي والكوليرا وفيروس الروتا وأمراض الإسهال.

وتبدأ حملة التطعيم بلقاح التهاب السحايا في بوركينا فاسو، على أن تمتد إلى مالي والنيجر خلال الشهر الحالي، لكن خبراء الصحة حذروا من المبالغة في الأمل المعلق على اللقاح الجديد، وأكدوا أنه لن يؤدي إلى القضاء التام على الوباء لأنه فعال في التعامل مع سلالة واحدة، هي الأكثر شيوعا في أفريقيا. ويقول الدكتور بولند «بالتأكيد سنرى أنماطا أخرى تبدأ في مهاجمة الإنسان»، لكنه أضاف أنه في حال استخدم اللقاح على نطاق واسع، فإنه سيساعد على حل المشكلة الأكثر إلحاحا اليوم: الأوبئة الناتجة عن السلالة (أ) من الجرثومة.

وقد قاد جهود تطوير اللقاح فريق من مؤسسة «باث»، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها سياتل، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. وقام هذا الفريق بتنسيق الجهود والمساهمات من الأطراف المختلفة، القطاعين العام والخاص والمؤسسات الهادفة للربح وغير الهادفة للربح. وفي يونيو (حزيران) الماضي، أي بعد خمس سنوات من التجارب التي أجريت في العيادات في غرب أفريقيا والهند، وافقت منظمة الصحة العالمية على استخدام اللقاح على نطاق واسع. وقال دوغ هولتزمان، نائب مدير الأمراض المعدية في مؤسسة «بيل وميليندا غيتس»، إن «جهود تطوير اللقاحات مكلفة للغاية. لكن إنتاج هذا اللقاح لم يكن كذلك. فقد كان مبلغ 100 مليون دولار كافيا لتطوير وترخيص لقاح من الصفر، رغم أن المسار التكنولوجي استخدم من قبل».

ويقول مسؤولون في منظمة الصحة العالمية إن الجهات المانحة والدول الأفريقية جمعت، حتى الآن، 95 مليون دولار من تكلفة الحملة المقدرة بـ570 مليون دولار للقضاء على وباء التهاب السحايا في أفريقيا. لكن الأزمة المالية العالمية أثرت سلبا على المساعدات الخارجية، مما أثار الشكوك حول إمكانية توفير المبلغ المتبقي.

وقد بدأت جهود البحث عن لقاح فعال جديد بعد انتشار وباء التهاب السحايا في 1996 و1997 ليصيب ما يزيد على ربع مليون أفريقي ويقتل 25 ألفا منهم ويتسبب في إعاقة 50 ألفا آخرين.

وكان ريتشارد أديغوبولا باحثا طبيا في غامبيا في هذا الوقت، ووصف كيف كانت المستشفيات تعج بالمرضى الذين تسيطر عليهم حالة من الخوف والهلع. وقال أديغوبولا، وهو خبير يعمل الآن في مؤسسة «غيتس»: «كانت هناك حالة من الفوضى والبلبلة».

يشار إلى أن التهاب السحايا الجرثومي هو مرض شديد العدوى، يصيب الأغشية المغلفة للدماغية والحبل الشوكي. وتنتقل العدوى عن طريق استخدام أواني وتقاسم سجائر أو تقبيل شخص مصاب، أو عطس أو سعال شخص مصاب في وجه شخص آخر. وتشمل الأعراض الحمى والقشعريرة والصداع وتصلب الرقبة. وفي غضون يوم أو يومين، تتسبب الجرثومة في قتل واحد من كل عشرة مصابين، حتى لو كان قد تناول بسرعة المضادات الحيوية. ويعاني نحو خمس الناجين من الوباء من إعاقات دائمة، وأكثر هذه الإعاقات شيوعا الصمم والشلل الدماغي والتخلف العقلي والصرع.

وقبل تطوير اللقاح الجديد، كان مسؤولو الصحة العامة يعتمدون على لقاح السكاريد الأقل فاعلية، والذي يحمي المصاب لسنتين أو ثلاث سنوات، لكنه لا يمنع انتقال البكتيريا. ونتيجة لذلك، فهو يستخدم فقط لكبح جماح الجرثومة. وفي كثير من الأحيان، يتوفى المصابون قبل وصول اللقاحات.

وفي المقابل، فإن اللقاح الجديد، الذي يربط السكر في لقاح مع البروتين، يعطي حصانة أكبر يأمل الخبراء أن تستمر لعشرة أو عشرين عاما. كما يمنع انتقال البكتيريا، ويساعد على حماية الأشخاص الذين لم يتناولوا اللقاح وإنتاج ما يعرف بحصانة القطيع. ويقول مسؤولو منظمة الصحة العالمية إن الخطة تهدف إلى تطعيم 300 مليون شخص في 25 دولة، وحماية ما يقرب من نصف مليار شخص من المرض.

ويقول الدكتور إف مارك لافورس، الذي قاد مشروع لقاح التهاب السحايا، منذ إطلاقه عام 2001، إن العلماء لا يفهمون حتى الآن لماذا جلب موسم الجفاف التهاب السحايا. وأضاف «لا أحد يعلم. لكن إذا كنا سنتعامل مع المشكلة من دون معرفة سببها بالضبط، فليست هناك مشكلة لدي. كل ما أريده هو القضاء على هذا المرض».

* خدمة «نيويورك تايمز»