اختتام المفاوضات النووية: جليلي مستاء من آشتون.. واتفاق على جولة ثانية في إسطنبول

أحمدي نجاد يدعو قوى «5+1» إلى التخلي عن العقوبات.. ويحذر من رد «أسوأ من رد الفراعنة»

كبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي أثناء مؤتمر صحافي في جنيف بعد اختتام الجولة الأولى من المفاوضات مع الغرب أمس (أ.ب)
TT

في حين توجهت أنظار العالم إلى جنيف أمس حيث اختتمت المفاوضات بين إيران ومجموعة دول «5+1» لبحث الملف النووي الإيراني، قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إن تلك المحادثات ستكون «مثمرة» إذا ما تم رفع العقوبات المفروضة على بلاده.

وانتهت المفاوضات من دون ظهور علامة تذكر على تحقيق تقدم جوهري في الجدل بشأن الأنشطة النووية الإيرانية التي يشتبه الغرب في أنها تهدف إلى صنع قنابل نووية، لكن التقدم الملموس الذي تحقق أمس هو الاتفاق على عقد جولة ثانية من المحادثات في أواخر يناير (كانون الثاني) المقبل في مدينة إسطنبول التركية. واكتفى مسؤول أميركي بوصف المباحثات بالـ«صعبة، لكن واضحة»، من دون الإشارة إلى أية تفاصيل. أما سعيد جليلي، كبير المفاوضين الإيرانيين ورئيس الوفد الإيراني فقد بدا مستاء من تصريحات ممثلة الدول الكبرى في تلك المفاوضات كاثرين آشتون، التي قالت فيها إن قضية الملف النووي الإيراني كانت ضمن الموضوعات التي تم نقاشها، في حين نفى هو ذلك نفيا قاطعا.

وفي مدينة اراك وسط إيران خاطب الرئيس الإيراني حشدا من الإيرانيين بأن قوى الغرب لن تملك «شيئا سوى الندم»، إذا لم تعلن عن «حقوق» إيران «الوطنية»، المتمثلة بحقها في استخدام الطاقة النووية، وأضاف في كلمة نقلتها قناة «برس تي في» التلفزيونية الرسمية مصحوبة بترجمة باللغة الإنجليزية: «من دون احترام حقوق الشعب الإيراني، ومن دون إعلان رسمي بالاعتراف بحقوق الشعب الإيراني، ومن دون صدق، فإن رد الشعب الإيراني سيكون حينئذ الرد نفسه الذي تلقيتموه حتى الآن، وهذا رد لن يجلب لكم شيئا سوى الندم»، وشدد: «هذه هي دعوة الشعب الإيراني لكم، وهي دعوة مقدسة في حقيقة الأمر، عليكم أن تعرفوا أنه إذا لم تردوا بشكل إيجابي على هذه المبادرة، فإن ردكم حينئذ سيكون أسوأ من رد الفراعنة وطغاة التاريخ»، حسب ما أوردته وكالة «رويترز».

وفي جنيف، عقد جليلي مؤتمرا صحافيا في ختام المفاوضات، مؤكدا أن المباحثات التي خاضها وفد بلاده بقيادته والوفد الدولي لمجموعة «5+1» اقتصرت فقط على بحث إمكانية الوصول «لأرضية مشتركة» ينطلقان منها، نافيا أن يكون الملف النووي الإيراني كان موضع نقاش طيلة يومي المفاوضات، كما أبدى استياءه مما قالته السيدة آشتون بأن قضية الملف النووي الإيراني كانت ضمن الموضوعات التي تم نقاشها.

ويشدد المسؤولون الإيرانيون على عدم بحث الملف النووي بتفاصيله، كما يرفضون مناقشة تخصيب اليورانيوم، ويؤكدون أن المباحثات يجب أن تتناول الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ونزع الأسلحة النووية الإسرائيلية.

وتساءل جليلي أنه كيف يمكن أن تقدم السيدة آشتون ملخصا لما دار في المباحثات غير ما اتفقوا عليه ومضمونه أن يعقدوا اجتماعا بمدينة إسطنبول التركية نهاية يناير المقبل. مؤكدا أن ذلك بالضبط هو نتيجة ما دار وما اتفقا عليه بإجماع كل الأطراف. ووصف ما سمعه من تصريحات أدلت بها آشتون «بعدم الاحترام والإساءة» لما شاركوا فيه من حوار وتفاوض طيلة اليومين الماضيين. وأضاف أن ما صرحت به السيدة آشتون يمكن أن يؤدي «لبناء حائط سميك من عدم الثقة»، متسائلا أنه كيف للسيدة آشتون أن تقول شيئا مختلفا رغم أنهما قد افترقا قبل أقل من ساعة بل دقائق. كما نوه بأنه وآشتون قد اتفقا مسبقا على أن يعقدا مؤتمرا صحافيا مشتركا إلا أنها ولسبب لا يعلمه أو لكونها مرتبطة بمهمة أخرى قد فضلت أن تتحدث للصحافيين منفردة.

وشدد جليلي على موضوع عدم بحث برنامج بلاده لتخصيب اليورانيوم، وقال: «أعلن بوضوح وصراحة أن إيران لن تبحث وقف تخصيب اليورانيوم في الاجتماع المقبل في إسطنبول مع القوى الكبرى».

وتحدث جليلي للصحافيين وقد زين منصته بصورة للعالم الإيراني مجيد شهرياري الذي اغتيل في طهران مؤخرا وتتهم إيران مخابرات غربية باغتياله. ولم يغفل جليلي أن يخص بالحديث العلماء والفيزيائيين الإيرانيين العاملين في المجال النووي وكيف أن إيران تفتخر بعلمائها ممن وصفهم بـ«شباب من أبناء الثورة الإيرانية أعمارهم في الثلاثينات وعلى الرغم من ذلك فقد تفوقوا ونجحوا نجاحا يعتبر واحدا من أسباب نجاح التقنية النووية».

وكان جليلي، الذي تحدث بالفارسية، وبترجمة للإنجليزية، قد كرر ما يعلنه المسؤولون الإيرانيون من أن على المجتمع الدولي الاهتمام بنقاش القضايا الأساسية التي تهم العالم وأن يسعى المجتمع الدولي لوقف محاولات السيطرة والهيمنة التي تحاول بعض القوى الكبرى فرضها على أجندة النقاشات والحوار وعمليات التفاوض عالميا. محددا ضمن تلك القضايا ضرورة بحث الأنشطة النووية لدول كبرى تمتلك آلاف الأسلحة، والترسانات النووية، مما جر العالم لسباق تسلح. مشددا على وجه الخصوص بضرورة أن يتم بحث السلاح النووي لإسرائيل بدلا من تضييع الوقت والجهود في نقاش حول حق من حقوق إيران التي لا تهدف لغير الاستفادة من التقنية النووية كدولة عضو بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، مذكرا بأن إيران دولة ملتزمة باتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية وأن كل ما تقوم به لا يخرج عن نطاق تلك الاتفاقية. كما لم يغفل جليلي أن إيران لها برنامج نووي ستدافع عنه بما يتماشى وحقوقها الدولية والتزاماتها التي يجب أن تكون متساوية ومتوازنة، مكررا أن إيران لن تساوم في هذه الحقوق.

هذا، وكان جليلي قد قدم شرحا مستفيضا لفهمه وفهم بلاده لمعنى الحوار وأولويات وشروط التفاوض، مبينا أن «المباحثات التي تتضمن الإملاءات وفرض الآراء والضغوط ليست جزءا من أي حوار وإنما دكتاتورية ومحاولات للسيطرة من قبل دكتاتوريين».

وكانت آشتون قد بادرت بالظهور أمام جموع وسائل الإعلام، في نحو الساعة الثانية عشرة ظهر أمس، حيث تلت من منصة عالية بيانا مقتضبا أكدت فيه أن المحادثات تركزت حول قضية الملف النووي الإيراني، واصفة إياها بالجادة. مكررة القول إن وفدها شارك برؤية موحدة واتفاق كامل، مضيفة أنها والدول التي تمثلها ركزوا على بحث أولويات واهتمامات دولية تتعلق بقضية الملف النووي الإيراني، مواصلة القول إنهم يعترفون بحق إيران في الحصول على التقنية النووية بشرط أن تلتزم إيران بالضمانات والمقررات الدولية، مضيفة أن وفدها والوفد الإيراني اتفقا على لقاء جديد بمدينة إسطنبول. ومن ثم انصرفت البارونة كاثرين آشتون، المفوض السامي للشؤون الدبلوماسية بالاتحاد الأوروبي، من دون أن تترك فرصة للصحافيين لطرح أي سؤال.

هذا، وكانت مصادر دبلوماسية قد أرجعت الاختلافات في ما أعلنه كل طرف عما دار طيلة يوم ونصف من التفاوض إلى أنه مجرد محاولة من آشتون وجليلي لبث شيء من الطمأنينة داخليا وللتأكيد أنهما لم يخضعا لضغوط؛ بل نجحا في فرض إرادتيهما وفق مصالح الرأي العام.

وأشارت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «نجاح المفاوضات يتمثل في أنها لم تنهر؛ بل استمرت، كما أنها انتهت بالإعلان عن دورة تفاوض جديدة».

إلى ذلك، أشار مصدر أميركي رفيع المستوى في لقاء مع صحافيين حضرته «الشرق الأوسط» إلى أن المحادثات كانت «صعبة وصريحة»، مؤكدا أن الجميع كان يبحث عما يمكن أن يوصلهم إلى أرضية مشتركة تقودهم لمجالات أوسع للتعاون مع إيران. وأكد المسؤول الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه أن واشنطن لم تعقد اجتماعا ثنائيا رسميا مع إيران خلال يومي المحادثات ولكن أتيحت لها فرص للتعبير عن وجهات نظرها الأساسية.

وفي هذا الصدد، أعلن مصدر قريب من المفاوضات أن جليلي رفض أن يعقد خلوة مع المفاوض الأميركي ويليام بيرنز، وأضاف أن بيرنز طلب أن يلتقي جليلي، لكن الأخير «لم يوافق على هذا الطلب».

هذا، في حين أوضح مصدر إيراني لـ«الشرق الأوسط» أن الوفد الإيراني هو الذي أصر على أن يكون الاجتماع المقبل في تركيا.

في حين قال مسؤول أوروبي: «لن أصف المحادثات التي أجريناها اليوم بأنها مثمرة وإنما هي بداية»، مضيفا أن «مشكلة كهذه لن تحل في يومين.. فهي ليست مشكلة سهلة»، وشدد: «المشكلة هي أن مستوى الثقة متدن إلى أقل درجة يمكن أن تذهب إليها باستثناء (مسألة) كوريا الشمالية».