برقيات سرية تكشف مناقشات واشنطن مع دمشق حول تزويد حزب الله بالصورايخ

كلينتون كلفت سفارتها بتوجيه تحذير إلى المقداد.. والبنتاغون يقدر مخزون الحزب بـ50 ألف صاروخ وقذيفة

وثائق ويكيليكس أربكت دوائر الخارجية الأميركية (أ. ف. ب)
TT

بعد أسبوع واحد من تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد أمام مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية الأميركية أن حكومته لا ترسل أسلحة متطورة إلى حزب الله، تقدمت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما باعتراض سري اتهمت خلاله سورية بفعل - تحديدا - ما نفت قيامها به.

وأشارت برقية بعثتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في فبراير (شباط)، حسب موقع «ويكيليكس»، إلى أنه «خلال اجتماعاتنا الأسبوع الماضي أكدت سورية أنها لا تنقل أي صورايخ (جديدة) لحزب الله اللبناني، إلا أننا مدركون للجهود السورية الراهنة لإمداد حزب الله بصورايخ باليستية. ويجب أن أشدد على أن هذه النشاطات تثير قلقا عميقا لدى حكومتي، ونحذركم بقوة من أي تصعيد خطير».

وذكرت برقية من السفارة الأميركية في دمشق أن مسؤولا بارزا بوزارة الخارجية السورية نفى بشدة هذا الزعم، إلا أن مسؤولين بالإدارة أكدوا أنه بعد 9 شهور، استمر تدفق الأسلحة على حزب الله، طبقا لما ذكره مسؤول بالبنتاغون، فإن ترسانة حزب الله تضم حاليا ما يصل إلى 50 ألف صاروخ وقذيفة، بينها ما يتراوح بين 40 و50 صاروخا من طراز «فاتح 110» القادرة على ضرب تل أبيب وغالبية أجزاء إسرائيل، و10 صواريخ من طراز «سكود دي» وقد أثارت القوة الجديدة التي اكتسبها حزب الله المخاوف من أن أي صراع مستقبلي بينه وبين إسرائيل قد يتطور لحرب إقليمية شاملة.

وتسلط البرقيات المتعلقة بسورية الضوء على الجهود الأميركية لمنع بناء حشود أسلحة - بما في ذلك صواريخ «سكود» ودبابات وأسلحة مضادة للطائرات تعود للحقبة السوفياتية - داخل بعض أكثر مناطق العالم توترا. وبالاعتماد على صور مراقبة عقود مبيعات، واجه الدبلوماسيون الأميركيون حكومات أجنبية بشأن شركات واجهة غامضة تتبعها ومصارف وشركات شحن سرية بمختلف أرجاء العالم تتعامل معها، طبقا لما ورد ببرقيات سرية تخص وزارة الخارجية حصل عليها موقع «ويكيليكس» وأتيحت عبر الكثير من وسائل الإعلام.

وقد حاول مسؤولون أميركيون منع أحد تجار السوق السوداء الصربيين من بيع بنادق قنص لليمن. وحاولوا كذلك إعاقة بيع تقنية صواريخ صينية لباكستان، حسبما تكشف البرقيات، وطرحوا أسئلة على مسؤولين هنود بشأن صادراتهم المرتبطة بالصناعة الكيميائية التي يمكن استغلالها في تصنيع غازات سامة.

إلا أنه في الوقت الذي أحرز المسؤولون الأميركيون فيه بعض النجاحات؛ حيث يبدو أن روسيا أرجأت تسليم نظام دفاع جوي طراز «إس 300» لإيران، تسلط البرقيات المتبادلة بين الدبلوماسيين الضوء على عدد المرات الكثيرة التي تعرضت خلالها جهودهم لوقف التجارة المتدفقة من سورية وغيرها للإحباط، بما في ذلك إيران وكوريا الشمالية.

المعروف أن الولايات المتحدة هي أكبر دولة تبيع السلاح في العالم، وتهيمن هي وروسيا على تجارة السلاح بالعالم النامي. وقد أثار دورها كمتعهد بتوفير الأسلحة في دول، بينها إسرائيل والسعودية ودول خليجية أخرى، انتقادات تتهمها بتأجيج سباق التسلح. لكن الولايات المتحدة نجحت أيضا في الاضطلاع بدور رائد جعلها أشبه بشرطي المرور؛ حيث تحاول وقف شحنات الأسلحة المتطورة وغيرها المتجهة للجماعات المسلحة وخصومها.

طبقا لما ذكرته البرقيات، أعرب دبلوماسيون أميركيون مرارا عن قلقهم حيال نقل طائرات الشحن الضخمة التي تديرها شركة «بدر للخطوط الجوية» السودانية أسلحة من طهران للخرطوم؛ حيث يجري نقلها لحماس، الجماعة المسلحة في غزة.

من جهته، يصر السودان على أن الشحنات التي تنقلها الطائرات ليست سوى معدات زراعية. ومع ذلك، طلبت واشنطن من دول في المنطقة حرمان هذه الشركة من حق العبور عبر أجوائها. وبينما وافق الأردن ودول أخرى، رفض اليمن ذلك، حسبما ورد ببرقية بتاريخ فبراير 2009.

وأصدر مسؤولون مصريون، الذين ينظرون إلى إيران بحذر بالغ، تحذيرا غير معلن؛ حيث أخبر عمر سليمان، رئيس الاستخبارات المصرية، الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أن إيران تقدم لحماس 25 مليون دولار شهريا كدعم لها، وأنها أيضا على صلة بخلية تتبع حزب الله كانت تحاول تهريب أسلحة من غزة إلى داخل مصر، طبقا لما ورد ببرقية في أبريل (نيسان) 2009.

وأشارت البرقية إلى أن «مصر بعثت برسالة واضحة إلى إيران أنها إذا تدخلت في شؤون مصر، فسوف تتدخل مصر في شؤون إيران»، مضيفة أن المسؤول المصري قال إن بلاده دربت بالفعل عملاء لهذا الغرض.

من جهتها، أججت كوريا الشمالية سباق التسلح بالشرق الأوسط عبر إمداد إيران وسورية بتقنية صاروخية، وهما دولتان تدعمان بدوريهما حماس وحزب الله، طبقا لما قاله مسؤولون استخباراتيون أميركيون وبرقية من كلينتون. وتسرد البرقية ما يبدو وكأنه قصة بوليسية عالمية؛ حيث تشرح كيف أن صناعة الأسلحة بكوريا الشمالية أجرت الكثير من صفقاتها من خلال «شركة التعدين والتنمية الكورية»، بالاعتماد على جهات توريد آلات وحديد صلب من دول بينها سويسرا واليابان والصين وتايوان، ومررت أموالا عبر مصارف صينية وأخرى في هونغ كونغ وباعت أسلحة لدول أخرى.

وسعيا لإعاقة مثل هذه الصفقات، أبدى مسؤولون أميركيون اعتراضهم. مثلا، أثار دبلوماسيون التساؤلات في ربيع 2009 حول صفقات تم الاتفاق عليها تشتري بموجبها سريلانكا قاذفات صواريخ من كوريا الشمالية، بينما يشتري اليمن قاذفات صواريخ «سكود».

في يوليو (تموز) 2009، حذر ستيوارت إيه. ليفي، مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخزانة الأميركية، مسؤولا بارزا بالمصرف الشعبي الصيني من أن «المصارف الصينية تستهدفها كوريا الشمالية باعتبارها نقطة الدخول الرئيسية إلى النظام المالي العالمي»، تبعا لما ورد بإحدى البرقيات. وخلال اجتماعات عقدت في هونغ كونع هذا الشهر، اشتكى ليفي من أن رجل أعمال محليا يساعد في توريد سلع رفاه لقيادة كوريا الشمالية (وذكرت مصارف هونغ كونغ لاحقا أنها أغلقت الحسابات الخاصة بهذا الرجل).

ويبدو أن صفقات الأسلحة التي تتضمن سورية وحزب الله من بين أكثر القضايا المثيرة لقلق إدارة أوباما. كان الرئيس أوباما قد تولى منصبه وهو يعد بالتعاون مع سورية، مشيرا إلى أن جهود إدارة بوش لعزل سورية أخفقت في إبعادها عن إيران أو تشجيع جهود السلام بالشرق الأوسط.

حتى قبل أن يبدأ دبلوماسيون أميركيون في محادثات مع حكومة الأسد، حث السيناتور جون كيري، عضو بالحزب الديمقراطي من ماساتشوستس، ويترأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الأسد أثناء اجتماع بينهما في فبراير 2009 في دمشق على تقديم بادرة على قدرته على التقارب إلى إدارة أوباما «كمؤشر على حسن نوايا الأسد». وأخبر كيري الأسد أن أوباما عاقد العزم على سحب القوات الأميركية من العراق «في أسرع وقت ممكن»، ولمح أيضا لمسؤول سوري رفيع المستوى إلى أن إدارة أوباما تنوي اتخاذ موقف صارم ضد بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة بالضفة الغربية.

ونسبت برقية للأسد قوله فيما يخص العراق: «ليس من أهدافنا تعرض الولايات المتحدة للإذلال».

في مارس (آذار) 2009، سافر وفد من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي إلى دمشق لعقد مناقشات أولية، وعلى مدار الشهور الكثيرة التالية، أبدى الجانبان بعض الإشارات الإيجابية المتواضعة.

وقدمت واشنطن معلومات «بشأن تهديد محتمل لمسؤول سوري» عبر السفير السوري لديها وسمحت لمساعد رفيع المستوى، جورج ميتشل، المفاوض المعني بالشرق الأوسط، بحضور احتفال بإحدى المناسبات السورية في السفارة السورية، حسبما ورد بإحدى البرقيات. من ناحيتها، سمحت سورية للأميركيين بإعادة فتح مدرسة تدرس باللغة الإنجليزية واستضافت وفدا من مسؤولين عسكريين أميركيين لمناقشة السبيل الأمثل لتنظيم الحدود السورية - العراقية.

إلا أن كل جانب رغب أن تأتي المبادرة الأولى الكبرى من الجانب الآخر. وأبقت دمشق على ضغوطها من أجل رفع العقوبات الاقتصادية عليها، والتي أعاقت صناعة النقل الجوي لديها، بينما حث الأميركيون سورية على تقليص دعمها لحزب الله وحماس.

من ناحيته، أخبر دانييل بي. شابريو، وهو مسؤول بارز بمجلس الأمن القومي، السوريين خلال الاجتماع بأن «الولايات المتحدة اعترفت علانية بأخطائها، مثل استخدام التعذيب، وستستمر في اتخاذ خطوات على هذا الطريق، لكن هناك حاجة لأن يقدم الآخرون على خطوات أيضا لضمان عدم إهدار الفرصة»، حسبما ذكرت برقية بتاريخ مايو (أيار) 2009.

إلا أنه بحلول الخريف، بدا أن مسؤولين بالسفارة الأميركية في دمشق يساورهم القلق من أن التطورات العسكرية تفوق في سرعتها الجهود الدبلوماسية التدريجية.

وأشارت برقية بتاريخ نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 من القائم بالأعمال الأميركي في دمشق، إلى أن «دعم سورية القوي للحشود العسكرية لحزب الله، خاصة إمداداتها المستمرة للجماعة بصواريخ طويلة المد وصواريخ موجهة، من الممكن أن يبدل التوازن العسكري ويفرز سيناريو أكثر دمارا بكثير من حرب يوليو - أغسطس (آب) 2006».

طبقا لما ورد بالبرقيات، فقد بدا أن القادة السوريين يعتقدون أن شحنات الأسلحة تعزز نفوذهم السياسي لدى الإسرائيليين، لكنهم تسببوا بذلك في تأجيج التوترات في لبنان وزادوا إمكانية اندلاع صراع مستقبلي يشمل سورية.

ومن بين المخاوف الكبرى التي ساورت الجانب الأميركي أن تمد دمشق، أو طهران، حزب الله بصواريخ «فاتح 110»، القادرة على ضرب تل أبيب (وصرح مسؤول بالحكومة الأميركية الأسبوع الماضي بأن هذه الصواريخ التي تتراوح أعدادها بين 40 و50 صاروخا تنطوي على تهديد خاص لكونها عالية الدقة). وأخبر مسؤولون إسرائيليون آخرين أميركيين في نوفمبر 2009 بأنه حال اندلاع حرب، فإنهم يعتقدون أن حزب الله سيطلق ما بين 400 و600 صاروخ يوميا ويستمر في شن هجمات لمدة شهرين على الأقل، حسبما ذكرت البرقيات.

في فبراير، أعلن البيت الأبيض أن سفيرا أميركيا جديدا سيتم إرساله لسورية للعمل فترة 5 سنوات. وفي اليوم التالي، التقى ويليام بيرنز، وكيل وزارة الخارجية، الرئيس السوري.

خلال المقابلة، أعاد بيرنز ذكر النقاط المثيرة لقلق واشنطن فيما يخص تهريب الأسلحة إلى حزب الله، حسبما ذكرت برقية. وأجاب الأسد بأنه في الوقت الذي ليس بإمكانه العمل كشرطي لحساب إسرائيل، فإنه ليست هناك أسلحة «جديدة» يجري إرسالها لحزب الله.

في أعقاب الاجتماع، أشارت إحدى البرقيات إلى أن الأميركيين تلقوا تقارير استخباراتية تفيد بأن السوريين على وشك إمداد حزب الله بصواريخ «سكود دي»، المعتمدة على تقنية كورية شمالية (خلصت بعض التقارير الاستخباراتية الحديثة إلى أن حزب الله يملك نحو 10 من هذه الصواريخ موجودة بمخزن سوري يستخدمه حزب الله، طبقا لما أفاد به مسؤولون أميركيون. وتعتقد وكالة الاستخبارات الدفاعية أن اثنين من هذه الصواريخ ربما نقلا إلى لبنان، طبقا لما ذكره مسؤولون رفضوا الكشف عن هويتهم). كما ساور القلق المسؤولين الأميركيين حيال تعهد حزب الله بالانتقام لمقتل عماد مغنية، أحد المقاتلين البارزين في حادث تفجير سيارة عام 2008، اتهمت الجماعة إسرائيل بأنها وراءه.

في برقية سرية في فبراير، أصدرت كلينتون توجيهات للسفارة بتوجيه إنذار لفيصل المقداد، نائب وزير الخارجية، يقول: «نعلم أنك مفكر استراتيجي؛ لذا نرغب في التأكيد أمامكم أنه من وجهة نظرنا أن دعمكم العملي لحزب الله يعتبر خطأ استراتيجيا في الحسابات يدمر مصالحكم الوطنية على المدى البعيد».

وجاء رد المسؤول السوري غير مبال، طبقا لما ذكرته برقية أميركية، ونفى إرسال أي أسلحة، مشيرا إلى أن حزب الله لن يقدم على عمل عسكري حال عدم استفزازه. وأعرب عن دهشته من الاعتراض الأميركي شديد اللهجة. وقال: إن هذه الشكوى «تكشف عن أن الولايات المتحدة لم تصل بعدُ لموقف ناضج يمكنها من التمييز بين مصالحها ومصالح إسرائيل».

* خدمة «نيويورك تايمز»