ارتفاع معدلات الطلاق يثير مخاوف المحافظين في إيران

دعوات لرفع المهور.. ونسبة الإيرانيات العاملات زادت 13% منذ الثورة

TT

تحيي إيران كل عام ذكرى زواج الإمام علي، كرم الله وجهه، بالسيدة فاطمة الزهراء، رضي الله عنها، الذي أقيم قبل 14 قرنا كيوم للاحتفال بقيم الأسرة. لكن في إشارة للقلق المتزايد لدى السلطات الإيرانية بشأن التحول في المشهد الاجتماعي، تم تغيير اسم «يوم الزواج»، كما يطلق عليه في إيران، هذا العام إلى «يوم اللاطلاق»، حيث أصدر وزير العدل الإيراني مرسوما يمنع منح تراخيص طلاق في هذا اليوم.

وسواء كان هذا التبديل فاعلا أم لا، فإن قلق المسؤولين لديه ما يبرره. فقد شهدت معدلات الطلاق في إيران زيادة قياسية، حيث ارتفعت خلال العقد الحالي إلى ثلاثة أضعاف العام من 50.000 في عام 2000 إلى 150.000 في عام 2010 بحسب الإحصاءات الرسمية. وتذكر الإحصاءات أيضا وقوع حالة طلاق من بين كل سبع زيجات على مستوى إيران، بيد أن النسبة ترتفع على مستوى طهران العاصمة لتصل إلى حالة طلاق في كل 3.76 زيجات.

وعلى الرغم من التغير الملحوظ في معدلات الطلاق، فإن الأمر الأكثر غرابة هو القوة الدافعة إلى ذلك والمتمثلة في الرغبة المتزايدة لدى الإيرانيات في التعامل بحنكة مع النظام القضائي الإيراني للهروب من الزواج غير المرغوب فيه.

ولا تزال الأرقام متواضعة مقارنة بالولايات المتحدة التي تسجل مليون حالة طلاق سنويا، بالنسبة لعدد سكان يبلغ أربعة أضعاف سكان إيران. لكن هذا الرقم بالنسبة لإيران التي تتبنى ثقافة إسلامية محافظة لا تشجع الطلاق، يعتبر صادما. وقد شهد العام الحالي، الذي ينتهي حسب التقويم الإيراني في مارس (آذار)، ارتفاع نسبة الطلاق 16 في المائة عن العام السابق مقارنة بزيادة طفيفة في عدد حالات الزواج تبلغ 1 في المائة.

ويقول محام في طهران، طلب عدم ذكر اسمه خشية التعرض للعقاب على أيدي السلطات الإيرانية: «سجل مكتب التوثيق الذي أعمل به 70 حالة طلاق وثلاث زيجات في شهر مايو (أيار) فقط. وقال لي صديق يعمل في مكتب آخر إن الشهر الماضي شهد تسجيل 60 حالة طلاق وحالة زواج واحدة». وأشار إلى أن كلا المكتبين يقع في وسط طهران لا في شمال المدينة الغني، الذي يعتبر أكثر تحررا وينتهج النمط الغربي.

ولا تشهد معدلات الطلاق ارتفاعا فحسب، بل إن معدلات الزواج في تناقص أيضا، وتشير الإحصاءات إلى أن 30 في المائة من حالات الطلاق في إيران تأتي في السنة الأولى من الزواج و50 في المائة في السنوات الخمس الأولى، بيد أن البعض يبدون تشككهم في الإحصاءات الحكومية، مشيرين إلى أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك.

ويصف معلقون محافظون المشكلة بأنها علة اجتماعية تقف على قدم المساواة مع إدمان المخدرات. وكان عدد من كبار المسؤولين ونواب البرلمان قد أشاروا إلى المشكلة بأنها «أزمة» و«تهديد وطني».

تختلف التبريرات وراء ارتفاع معدلات الطلاق في إيران، لكن المعلقين الأكثر ليبرالية يؤكدون على عوامل مثل التحضر السريع وارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع معدلات البطالة التي تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنها تقارب واحدا من بين كل أربعة إيرانيين بين سن 16 و25. وغالبا ما يشير المحافظون إلى ما سموه تنامي النزعة الإلحادية لدى الشباب والتأثير الفاسد للإعلام الغربي.

ويقول غلام رضا أسعد الله، الذي ألقى باللائمة على الشباب الذين فقدوا الإيمان بقدرة الله على حل مشكلات الحياة: «ارتفاع المهور، والبطالة وغياب الدعم المالي جعل الكثير من الشباب يخشون الزواج». لكن معظم الخبراء يتفقون على أنه ما من شيء أسهم بقدر الصحوة المتجذرة في المرأة الإيرانية، التي حلت محل التوجهات التقليدية نحو الزواج والعلاقات والمسيرة المهنية ومكانة المرأة بشكل عام في مجتمع تغلب عليه الصبغة الدينية.

هناك ما يقارب الـ20 في المائة من الإيرانيات ممن يعملن أو يبحثن عن عمل، بحسب الإحصاءات الحكومية مقارنة بـ7 في المائة خلال السنوات الأولى التي تلت ثورة عام 1979. وقد فاق عدد خريجات الجامعات من السيدات نظراءهن من الرجال بما يوازي اثنتين إلى واحد.

ويقول سعيد مدني، عضو اتحاد السلوك الاجتماعي الإيراني: «هذه الحرية الاقتصادية كان لها تأثير على سلوك النساء في المنازل، فقد كانت النساء يخرجن من المنازل بسبب الجوع أما اليوم فتخرج المرأة بحثا عن العمل والحصول على مورد رزق».

لكن الكثير من الخبراء، مثل أضاردوخت مفيدي، الطبيب النفسي ومؤلف عدة كتب عن التحليل النفسي، يرون أن هناك شيئا آخر في العمل غير مجرد الاقتصادات البسيطة. ويقول مفيدي: «النساء وجدن الشجاعة لكسر التقاليد والقول لا للماضي. لم يعدن مستعدات لتحمل مشاق الزواج وتوقعاتهن ارتفعت لتحقيق المساواة في العلاقة مع الرجل».

نازانين التي أوشكت على الخمسين والتي طلقت مرتين عانت من التغير في التوجهات، فقد تزوجت في سن الثامنة عشرة، خلال السنوات المشحونة سياسيا للثورة الإسلامية والحرب العراقية - الإيرانية. طلقت نازانين بعد الثورة بعامين في تناقض مع مجتمع لا يزال متمسكا بالمثل الفارسي المأثور بأن المرأة تدخل بيت زوجها مرتدية فستان الفرح الأبيض ولا تفارقه إلا في ثياب الكفن البيضاء.

وتقول نازانين، وهي ترخي حجابها في شقتها المتواضعة، حيث تقطن مع ابنها الشاب: «على مدى سنوات كنت أخفي الحقيقة، وكان أهلي يخبرون جيراني بقصص وأكاذيب عن أن زوجي سافر إلى العمل بالخارج، وفي العمل لأنني كنت لا أزال شابة، فقد واصلت ارتداء خاتم الزواج ولم أقل لأحد».

بعد أن انفصلت نازانين عن زوجها الثاني بعد 14 عاما من الزواج، بدا والداها وكأنهما يشعران بالخزي، لكن أصدقاءها كانوا أكثر تقبلا للأمر. وتشير نازانين إلى أنها منذ ذلك الحين رأت تغيرا في توجهات المجتمع الإيراني. وتضيف: «الآن، أصبح الطلاق أمرا عاديا حتى أن المجتمع أصبح محايدا، وقد تخلى جيلنا عن حساسيته تجاه الطلاق، وأصبح من الشائع أن تراه الآن داخل عائلتك، لأنك تتقبله». وعلى الرغم من ذلك، لم ترغب نازانين سوى في نشر اسمها الأول ورفضت التصوير خشية التعرض للبطش من السلطات.

ويعد ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع الإيراني أمرا جديرا بالملاحظة بالنظر إلى قوانين الطلاق في إيران. فعلى الرغم من امتلاك الرجال حق إنهاء الزواج في غضون أسابيع دون إبداء الأسباب، يجب على النساء تقديم أسباب واضحة للطلاق في عملية يمكن أن تستغرق سنوات، حتى مع الاستشارات القانونية. ويقول محامو الأسرة في إيران، إن النساء الإيرانيات لجأن في مواجهة هذا الظلم إلى زيادة حقوقهن القانونية في المهر، حيث يجبر الأزواج على دفع هذه المبالغ للسيدات في حال تطليقهن.

ووفق ما يعرف بـ«الطلاق بموافقة الطرفين» ربما تتنازل المرأة عن كل المهر لتقديم حافز مالي للزوج لتطليقها. وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في قيمة المهور، والتي تصل الآن إلى ما يوازي عشرات الآلاف من الدولارات. وقد أثار بعض المحافظين فكرة وضع سقف للمهور لخفض نسب الطلاق. وقد شجع المسؤولون الحكوميون فكرة الحصول على مهر رمزي مثل بعض القطع الذهبية. وسواء نجحت تلك الإجراءات في وقف مد الطلاق من عدمه، سنظل نشهد هذا المد، خاصة في مجتمع يبدو أنه يفقد سماته المميزة.

وتقول حائكة تسمى سارة (33 عاما) «في البداية، كنت خائفة من معاملة المجتمع لي بعد الطلاق. لكن بعد كل الدعم الذي حصلت عليه من أصدقائي ووالدي وعمي وخالاتي، والأشخاص الذين توجهت إليهم طلبا للنصيحة. قلت لنفسي: كلا، الفترة التي كان الإيرانيون فيها متحاملين على الطلاق انتهت، ولم يحكم علي أحد ما».

* خدمة «نيويورك تايمز»