انقسام أوروبا حول حلول «أزمة الديون» يضعف سوق السندات ويهدد بقاء «اليورو»

اجتماعات وزراء المالية في بروكسل فشلت في تقديم خيارات

وزيرة المالية الاسبانية ووزير المالية البلجيكي (وسط) في حديث مع نظيرهما البريطاني أمس (رويترز)
TT

لا تزال الخلافات داخل منطقة اليورو تلقي بظلالها على السندات السيادية الأوروبية وعلى سعر صرف اليورو والأسواق. ويحدث ذلك وسط شكوك واسعة من المستثمرين أن أوروبا غير قادرة على حل مشكلة الديون. ومما عزز هذه الشكوك أن اجتماع وزراء المالية الذي أنهى اجتماعه أمس في بروكسل لم يتوصل إلى إجماع بشأن أهم قضيتين لتهدئة الأسواق، وهما قضية زيادة رأسمال صندوق الطوارئ من حجمه الحالي 750 مليار يورو (نحو تريليون دولار) لإعطاء الثقة بأن الصندوق ضخم بحيث يتمكن من امتصاص أي هزة في إسبانيا والبرتغال، والقضية الثانية متعلقة بإصدار سندات سيادية مشتركة لدول الاتحاد. وقال وزراء مالية الاتحاد الأوروبي أمس إن دول منطقة اليورو في حاجة إلى أن تتأكد أنها تلتزم بقواعدها المالية وكذلك التخطيط لبرامج إنقاذ مستقبلية للدول المفلسة. وقال وزير المالية السويدي أنديرس بورج إن جزءا من المفاوضات يجب أن يكون لتعزيز التوصل لحل طويل المدى يمكننا من إعادة ضبط الشؤون المالية، فيما قال وزير المالية الألمانية فولفغانغ شويبله إن تلك القرارات سوف تقنع أسواق المال بأن لدينا عملة مستقرة في أوروبا وأننا سنحل المشكلات. لكن عددا من الوزراء في الاجتماع شددوا على أهمية استعادة سمعة اليورو التي تدهورت عبر تعزيز قواعد الموازنة والإقراض بمنطقة اليورو بشكل متوازن. وقال وزير المالية الهولندي يان كيس دي ياخر إنه «ما لم نجر تقييما للحلول المتوسطة الأجل والبعيدة الأجل أيضا لن تكون الأسواق قادرة على أن تستعيد بشكل كامل الثقة في منطقة اليورو». من جانبه، قال وزير الاقتصاد الإيطالي جوليو تريمونتي إن تعامل كل دولة على حدة مع أزمة ديون منطقة اليورو ليس كافيا. ودعا لإيجاد حل شامل على المستوى الأوروبي. وأضاف في مؤتمر صحافي، أن مقترح إصدار سندات سيادية أوروبية مشتركة لا يتضمن أي تعديل في مواثيق الاتحاد الأوروبي، متوقعا تطبيق هذا المقترح مستقبلا. أمام هذه الخلافات، قال محللون في لندن أمس، إن بقاء العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) سيكون أمام اختبار حقيقي خلال الشهور المقبلة.

> ميزانية تقشف: في دبلن كشفت الحكومة الآيرلندية أمس (الثلاثاء) عن موازنة تقشفية قياسية، الأمر الذي سيزيد من الضغوط على المشاركين في عملية الاقتراع على الميزانية لخفض العجز القياسي والحصول بشكل عاجل على قروض طارئة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ومن المتوقع أن يحصل رئيس الوزراء بريان كوين، الذي تراجعت شعبيته، على موافقة البرلمان على خطته المالية ليتحاشى مخاطر إجراء انتخابات فورية قد تدفع بالبلاد إلى أزمة أكثر عمقا وتنقل العدوى إلى منطقة اليورو. إلا أن موازنة عام 2011 التي ستعتصر 6 مليارات يورو (8 مليارات دولار) من اقتصاد ما زال يعاني من آثار ركود طويل قد تشكل بداية النهاية لحكومته. وتعهد كوين، الزعيم الأقل شعبية في تاريخ آيرلندا، بإجراء انتخابات فور تمرير التشريع المؤيد للموازنة ومن المرجح أن يتم ذلك أوائل العام المقبل.

ومن المتوقع خلال الربع الأول من العام أن يواجه حزب فيانا فايل، الذي ينتمي له كوين، هزيمة ساحقة، وأن يحل محله ائتلاف يضم حزبي فين جيل الذي يمثل يمين الوسط، وحزب العمال الذي يمثل يسار الوسط.

وكان الحزبان قد قالا إنهما سيعيدان التفاوض بشأن شروط حزمة إنقاذ بقيمة 85 مليار يورو من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي التي جرى الاتفاق عليها الشهر الماضي. إلا أنه فعليا لن يكون أمام المعارضة متسع للمناورة بعدما وافقت على الأهداف العامة لخطة الإنقاذ. وموازنة 2011 هي الأكثر صرامة في خطة تقشف تمتد لأربعة أعوام وتهدف لتوفير 15 مليار يورو - نحو 10 في المائة من الناتج الاقتصادي السنوي للبلاد - وإعادة أسوأ عجز موازنة في المنطقة إلى الحدود التي ينص عليها الاتحاد الأوروبي بحلول 2015 على أقصى تقدير.

وسيسعى كوين لخفض نحو 4 مليارات يورو من النفقات خلال العام المقبل من خلال إجراءات تشمل الرعاية الاجتماعية ومعاشات التقاعد والمشاريع الرأسمالية.

وقال جون جو فيني وهو نجار في أحد الأحياء الفقيرة في دبلن عاطل عن العمل ويبلغ من العمر 41 عاما «لا أريد أن أفكر في الأمر. أنا فقط أعلم أن الحكومة ستلحق الضرر بالناس الذين لا يملكون شيئا مثلي ومثل زوجتي وأطفالي وسيتركون القطط السمان. الأمر لا يستحق التفكير». ومن شأن التعديلات الضريبية أن توفر نحو ملياري يورو إذ تأتي نحو نصف الإيرادات الإضافية تقريبا من خفض شرائح ضريبة الدخل والائتمان الضريبي، الأمر الذي يسمح للحكومة باستهداف النسبة البالغة 45 في المائة من البالغين الآيرلنديين المدرجين على شريحة الدخل الأدنى - الذين لم يسبق لهم سداد ضريبة الدخل. وحذر بعض الاقتصاديين من أن إجراءات الخفض، التي تأتي بعد عامين من التقشف تخاطر بسحب آيرلندا إلى تباطؤ اقتصادي طويل الأمد من شأنه أن يجعل تحقيق الحد المستهدف للديون أمرا أكثر صعوبة.

وقال ألان ماكويد كبير الاقتصاديين لدى بلوكسام للسمسرة لـ«رويترز»: «مع استقطاع مثل هذا المبلغ (6 مليارات يورو) من الاقتصاد سيكون من الصعب أن نشهد تحسنا في الطلب المحلي قريبا». وقال مايكل لوري وهو نائب برلماني مستقل قرر يوم الاثنين دعم خطة الحكومة «إن الأمر ينصب على توزيع الألم». ويعني تأييد لوري والدعم المتوقع من نائب آخر أن كوين سيحصل على موافقة البرلمان على الإجراءات التقشفية المثيرة للجدل رغم أنه يحظى بأغلبية صوتين فقط.

وسيكشف بريان لينيهان - الذي صنفته صحيفة «فاينانشيال تايمز» في وقت سابق من هذا الأسبوع كأسوأ وزير مالية في أوروبا - عن الخطة أمام البرلمان وسيصوت مجلس النواب على التغييرات الخاصة بالرسوم الضريبية وضريبة المبيعات.

ومن المقرر إجراء تصويت منفصل على إجراءات تتعلق بالرعاية الاجتماعية يوم الخميس وتصويت ثالث على إجراءات تتعلق بالمالية العامة في الربع الأول من العام المقبل. ومن شأن فشل التصويت المقرر أمس (الثلاثاء) وبعد غد (الخميس) أن يؤدي لإجراء انتخابات عامة، وأن يمنع تدفق الأموال من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لحين اختيار إدارة جديدة. ومن المتوقع أن يتجاوز عجز موازنة آيرلندا 32 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام نتيجة ضم مبلغ استثنائي بقيمة 30 مليار يورو لدعم البنوك. وسيجري تخصيص نحو 35 مليار يورو من حزمة الإنقاذ للبنوك، الأمر الذي يعني أن التكلفة النهائية لإنقاذها قد تتجاوز 80 مليار يورو.

> السندات: في أسواق السندات استمر التوتر في أسواق السندات الأوروبية أمس بعد رفض ألمانيا ودول أخرى في منطقة اليورو دعوات صندوق النقد الدولي لبذل المزيد من أجل دحر أزمة ديون منطقة العملة الموحدة، مما ينقل الكرة إلى ملعب البنك المركزي الأوروبي، الذي يبدو مترددا. وبعد خمس ساعات من المحادثات يوم الاثنين قال الـ16 وزيرا إنهم لن يتخذوا إجراءات جديدة لمعالجة خطر انتقال عدوى أزمة الديون إلى دول أوروبية أخرى. وقال الوزراء الذين أنهوا اجتماعهم أمس بأن شبكة الأمان الحالية تكفي ولم يتطرقوا حتى إلى مقترح لإصدار سندات مشتركة.

وقال جان كلود يونكر رئيس مجموعة اليورو للصحافيين إثر المحادثات «لا نملك أي قرار جديد لنعلنه لكم». وارتفعت العلاوة التي يطلبها المستثمرون لحيازة سندات البرتغال وإسبانيا في أسواق السندات الأوروبية لتعطي مؤشرا على أن أوروبا لا تملك حلا حاسما لأزمة الديون. وقال متعاملون إن البنك المركزي الأوروبي الذي كثف من مشترياته من السندات خلال الأسبوع الماضي وأحدث انخفاضا في تكاليف الاقتراض لكل من البرتغال وإسبانيا قد أحجم عن دخول السوق هذه المرة. وقال كارستن برجسكي كبير الاقتصاديين لدى «اي إن جي» في بروكسل «الوزراء تركوا الكرة في ملعب البنك المركزي الأوروبي.. يعمل البنك المركزي حاليا على شراء الوقت للساسة لكنه لن يرغب في أن يكون المدير الوحيد للأزمة وهو يتوق إلى رد الكرة إلى ملعب الساسة». وقال مصدر بالبنك المركزي الأوروبي تحدث مشترطا عدم كشف هويته، إن البنك المركزي لا يريد تحمل كل مخاطر دعم مديني منطقة اليورو عن طريق شراء السندات على نطاق واسع ويريد من الحكومات أن تتخذ إجراءات إضافية مثل زيادة حجم صندوق الإنقاذ.

> اليورو: في لندن ارتفع اليورو قليلا أمس وسط تفاؤل بأن برلمان آيرلندا سيقر الميزانية التقشفية التي أعلنت عن تفاصيلها صباح أمس لكن من المتوقع أن يكون هذا الدعم عابرا إذ ما زالت العملة الموحدة تعاني بسبب نقاط ضعف هيكلية في منطقة اليورو. واستفاد اليورو في ارتفاعه من تراجع الدولار الذي هبط إلى أدنى مستوى في 3 أسابيع أمام الين بعدما أذكت تصريحات بن بيرنانكي رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) التكهنات باستمرار إجراءات التيسير النقدي الأميركي لفترة أطول. وارتفع اليورو نحو 0.2 في المائة إلى 1.3335 دولار. وكان قد صعد في وقت سابق إلى 1.3372 دولار أي بزيادة سنت واحد على أدنى مستوى له يوم الاثنين البالغ 1.3246 دولار.

> الأسهم: على صعيد أسواق الأسهم، سجلت الأسهم الأوروبية أعلى مستوياتها في 3 أسابيع أمس مستفيدة من التوقعات الخاصة بالاقتصاد الأميركي، الذي من المتوقع أن يلقى دعما من اتفاق توصل إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما لتمديد العمل بتخفيضات ضريبية، رغم أن المخاوف المستمرة بشأن أزمة ديون منطقة اليورو قد دفعت المستثمرين لمواصلة التحلي بالحذر. وأمس ارتفع مؤشر يوروفرست 300 لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى 0.7 في المائة إلى 1113.32 نقطة مسجلا أعلى مستوياته منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني). وسجل المؤشر ارتفاعا نسبته 6 في المائة هذا العام بعدما قفز 26 في المائة في 2009. وتصدرت أسهم شركات الكيماويات الأسهم الرابحة وارتفع مؤشر القطاع 1.1 في المائة. وارتفع سهم شركة «يارا إنترناشيونال» النرويجية المصنعة للأسمدة 1.5 في المائة، بعدما قالت إن فرصها تحسنت مع تحسن الطلب على الأسمدة النيتروجينية. وقال فيليب جيجسلز رئيس البحوث لدى «بي إن بي باريبا فورتيس غلوبال ماركتس»: «تستفيد السوق من الاتفاق في الولايات المتحدة على تمديد العمل بالتخفيضات الضريبية التي ترجع لعهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وكذلك تستفيد وإن كان بنسبة أقل من احتمال التصويت لصالح حزمة الإنقاذ الآيرلندية».