«باب توما» التاريخي جمله مشروع شارك فيه المئات من طلبة جامعة دمشق

اكتملت أعماله في 5 ديسمبر «يوم التطوع العالمي»

باب توما.. أحد أشهر أبواب دمشق التاريخية («الشرق الأوسط»)
TT

يعد «باب توما» واحدا من أهم الأبواب - البوابات - السبعة التاريخية للعاصمة السورية دمشق، أقدم عواصم العالم. ويشكل هذا الباب مع باب شرقي مركز تجمع حيويا وتجذب المنطقة التي يقع فيها آلاف الزوار والسياح يوميا. وفي خطوة للحفاظ على هذا الباب ومحيطه الحيوي، والاستفادة من كل متر مربع من منطقته لإبراز النواحي الجمالية، أنجزت محافظة دمشق ولجنة «المدينة القديمة» فيها مشروع ترميم وإصلاح وتطوير لباب توما وساحته والحديقة المجاورة له، التي تضم قبر خولة بنت الأزور. كما أزالت كل الإشغالات المشوِّهة والمضافة حديثا إلى سور دمشق التاريخي الواصل ما بين البوابات الثلاث: باب توما وباب شرقي وباب السلام.

المميز في هذا المشروع الذي لم يشهد الموقع مثيله منذ سنوات طويلة هو المساهمة التطوعية من مجموعة من طلبة جامعة دمشق، نصبت مخيما بجانب الباب والساحة، مكث أفرادها فيه لأيام عديدة يعملون على تنظيف الموقع، وتوعية الأهالي بأهميته. كما نفذت حدائق صغيرة ومنارة ضمن الموقع وفق رسوم طلبة الفنون الجميلة بالجامعة الذين عسكروا في المخيم ودشنت أعمالهم يوم 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي بمناسبة «اليوم العالمي للتطوع». ولقد تضمنت هذه الأعمال رفع سارية معدنية ارتفاعها 12م في الجزيرة المنصفة مقابل «حديقة خولة» نقشت عليها مجموعة من الرسوم والنقوش لأهم معالم أبواب دمشق القديمة ومبانيها الحضارية.

كذلك نظم معرض التصوير الفوتوغرافي للأعمال التطوعية ومعرض التشكيلات الفنية من الأوراق التالفة، وأنجز الطلبة المتطوعين وعددهم نحو 1500 طالب سبع حدائق صغيرة في محيط الحديقة ضمن كل واحدة بحيرة على الطراز الدمشقي التقليدي، وجرى تجهيز الأكشاك الخدمية والسياحية، وتركيب ملاعب الأطفال والبنى التحتية في حديقة الموقع التي فرشت بالعشب الصناعي (الغازون). وانهمك الطلبة المتطوعون أيضا بطلاء الأطاريف الحديدية وتنظيف الأرصفة المحيطة بالموقع وتركيب الإنارة التزيينية بحيث تتناغم مع أهمية الموقع تاريخيا ومعماريا، وتكليس الأشجار وطلاء الجدران وغير ذلك من الأعمال التجميلية. ومن ناحية أخرى، عمل الطلبة على تطهير فرع نهر بردى المجاور للموقع من المياه الآسنة ومخلفات الصرف الصحي وتلبيس حوافه بالحجارة الملائمة لمكانة الموقع التاريخية، وشيدوا سور حماية لمجرى فرع النهر وفتحوا ثلاث عبّارات للدخول إلى «حديقة خولة» وزينوها بالإضاءة المناسبة.

من ناحية ثانية، تضمنت أعمال تجميل الموقع التي تنفذها لجنة حماية المدينة القديمة بمحافظة دمشق، مع الاتحاد الوطني لطلبة سورية، من جهة ضفة نهر بردى والزقاق المتجه نجو باب السلام، إزالة عدد من الأكشاك التي كانت تحجب الموقع وهكذا ظهرت مكانها حديقة صغيرة جميلة، كما أنجز ترميم الباب الخشبي المعدني القديم لجعله يتناغم مع القوس التراثي الذي يعلوه ومع الجدران الحجرية الضخمة والمرتفعة التي تحمله. كما أعيد رصف الأرصفة بجانب الباب بحجر اللبون الأثري. ولقد تيسّر إنجاز كل هذه الأعمال بسرعة لافتة، إذ كان العمل جاريا نهارا وليلا في سباق مع الزمن لإتمام العمل مع الاحتفال بـ«يوم التطوع العالمي» في الخامس من ديسمبر الجاري، وحقا جرى الاحتفال الخاص به في موقع باب توما، وتضمن أمسيات موسيقية وأنشطة ثقافية متنوعة.

الجدير بالذّكر، أن باب توما يقع في الجهة الشمالية من سور دمشق ويبلغ ارتفاع الباب 438 سم وعرضه 322 سم. وهو، حسب المؤرخين ومنهم الدكتور قتيبة الشهابي، في الأصل باب روماني نسب لأحد عظمائهم واسمه «توما»، كما ينسب الباب إلى كوكب الزهرة. وجرى تجديده مع أبواب دمشق الأخرى في العهد الأيوبي بهدف تحصين المدينة إبان الحروب الصليبية في القرن الثالث عشر الميلادي.

ويجاور موقع الباب واحدة من أهم أسواق دمشق التجارية، ألا وهي «سوق القَصّاع» التي يستقطب كل يوم الآلاف من السكان المحليين وزوّار دمشق وسياحها. وهذه السوق، الممتدة من موقع ساحة باب توما وحتى ساحة العباسيين - وهي ساحة حديثة أنشئت قبل نحو أربعين سنة - مرورا بساحة صغيرة قديمة تُسمى «برج الروس»، تشتهر بتنوع بضاعة محلاتها ووجود عدد من المنشآت المهمة فيها، منها المشفى الفرنسي (مشفى القديس لويس) الذي أسس في بدايات القرن العشرين في عام 1904، والمشفى الإنجليزي (فيكتوريا) الذي أسس في أواخر القرن التاسع عشر في عام 1888م وتحوّل في منتصف خمسينات القرن الماضي إلى مشفى للتوليد وأمراض النساء. كذلك تجاور موقع الباب «حارات» دمشقية عريقة.. منها حارة القشلة الموصلة لباب شرقي التي تضم عشرات المطاعم والمقاهي والنُّزُل التراثية، وحارة الجورة التي توصل باب توما بمنطقة العمارة التاريخية في «دمشق القديمة»، وفي موقع باب توما نفسه العديد من المعالم التاريخية منها جوامع الشيخ رسلان والصوفانية وخالد بن الوليد وغيرها.