الدكتور «نانو».. في سلسلة قصص علمية مبسطة

الفلسطيني البروفسور منير نايفة يبسط التقنيات الحديثة بالتعاون مع جامعة الملك سعود

TT

إن تبسيط العلوم، وبخاصة للأطفال والناشئة، مطلب حضاري وعلامة مميزة لتقدم الأمم والشعوب، لإعداد الأجيال للحاضر والمستقبل، خصوصا علوم العصر الحديثة مثل التقنيات متناهية الصغر المسماة تكنولوجيا «النانو» (النانو يساوي جزءا من المليار)، والخلايا الجذعية، وهندسة الأنسجة وطب التجديد، والروبوتات والذكاء الصناعي، وتكنولوجيا الحاسبات والمعلومات، وغيرها، وهناك سباق حاليا في دول العالم المتقدمة نحو تبسيط هذه العلوم لعموم الجمهور والناشئة من خلال الكثير من الأساليب غير التقليدية المبتكرة التي تسهم في عرض الحقائق العلمية بأسلوب جذاب وممتع يسهم في تنمية الخيال والإبداع لدى الأفراد وتشجيعهم على الاهتمام بهذه العلوم وارتيادها وتعلم المزيد عنها.

وتعتبر القصص العلمية من الفنون والأساليب التربوية المهمة والمميزة لتبسيط العلوم والمحببة لدى الأطفال، التي يمكن من خلالها تقديم مادة علمية مثيرة مبسطة تستشرف الحاضر والمستقبل، تناسب أعمارهم وتنمي وتنشط خيالهم وإبداعهم لتسهم في إعداد جيل مفكر واع بآفاق التطورات العلمية الحديثة والمستقبلية المتسارعة. فمن خلال القصة العلمية وما تحتويه من مثيرات، يمكن تشجيع روح الإبداع والابتكار لدى الأفراد، خصوصا الأطفال والشباب، كما يمكن أيضا تنمية الخيال العلمي لديهم.

ولقد أدركت الدول المتقدمة أهمية القصص العلمي وأدب الخيال العلمي في تنمية الإبداع والكشف المبكر عن المبدعين والموهوبين، فقامت بإدراجه في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات لتشجيع الطلاب على التفكير العلمي وتوقع ما سيكون عليه المستقبل والاستعداد لمواجهته؛ إذ بينت الدراسات الحديثة أن تدريس العلوم من خلال القصص العلمية والخيال العلمي يشكل أهمية خاصة وضرورة مهمة من ضرورات تنمية التفكير العلمي ومهارات التفكير الإبداعي والنقدي، كما يسهم الخيال في إيجاد اتجاهات وقيم إيجابية عند الأفراد تجاه العلم والعلماء، مما يدفعهم إلى محاولة تتبع خطاهم وبالتالي التوجه نحو الاهتمام بدراسة العلوم وإشاعة المنهج العلمي والرؤية المستقبلية في المجتمع.

ومن بين العلوم الحديثة المستقبلية المهمة التي ستغير أوجه حياتنا في الكثير من المجالات: تكنولوجيا «النانو»، فقد أصبح من المهم حاليا تثقيف الأفراد، وبخاصة الأطفال، وإعدادهم لهذه التقنية المثيرة الواعدة.

وقد أدرك الفلسطيني البروفسور منير نايفة، أستاذ الفيزياء النظرية والنانوتكنولوجي بجامعة إلينوي الأميركية ونائب رئيس المجلس العلمي العالمي لمعهد الملك عبد الله لتقنية النانو بجامعة الملك سعود، أهمية تعريف الأطفال والناشئة العرب بهذه التقنية، من خلال أساليب مبسطة وجذابة، فقام بتأليف سلسلة قصص علمية بعنوان «هذا النانو لكم» ومن خلال شخصية الدكتور «نانو» التي تجسد شخص البروفسور نايفة، بالحديث عن تقنيات النانو وتطبيقاتها وآفاقها الواعدة في الحاضر والمستقبل، وقد تعاونت معه وشاركته في إعداد هذه السلسلة جامعة الملك سعود، وقد صدر منها بالفعل عن الجامعة النسخ الأولى التجريبية.

وفي حوار لـ«الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني مع البروفسور نايفة قال إن طالبات مدرسة البيان للبنات بجدة كن الدافع وراء كتابة هذه القصص عندما طلبن مني تقديم مادة علمية مبسطة عن تقنيات وعلوم النانو في مقرراتهن الدراسية، أما الجانب القصصي لعرض هذه المادة العلمية بصورة شائقة فجاء من خلال زيارة لحفيدي محمد، المقيم في دبي؛ حيث استخدمت فكرة تقاسم كعكة بين طالبات المدرسة لأشرح له مفهوم النانو، فوجدته مستمعا جيدا ومندمجا معي، مما جعلني أستخدم هذه الفكرة بشكل جيد لخدمة الموضوع، فجاءت القصة الأولى بعنوان «الزيارة والكعك». أما «الدكتور نانو» كعلامة تجارية مميزة، فقد انبثقت من خلال نقاش عائلي. وأشار نايفة إلى أن طالبات من جامعة الملك سعود، تحت إشراف الدكتورة ابتسام العليان، قمن بإعداد الرسوم التوضيحية للقصتين الأولى والثانية.

وفي حوار لـ«الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني مع الدكتورة ابتسام العليان، وكيلة قسم علم الحيوان بكلية العلوم جامعة الملك سعود ومستشارة مكتب مدير جامعة الملك سعود ومديرة وحدة البرامج التطويرية بوكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، والمشاركة في إعداد هذه السلسلة وترجمتها، قالت: إن معهد الملك عبد الله لتقنية النانو قام بطبع بعض النسخ التجريبية من قصص «الدكتور نانو» وتم توزيعها على أطفال المدارس الذين أبدوا إعجابهم واهتمامهم بها واستمتاعهم بفكرة هذه القصص وطلبوا المزيد منها. كما أكدت أن فكرة هذه القصص تتميز ببساطة ومتعة أسلوبها في تعليم الأجيال الناشئة أساسيات علوم وتقنيات النانو والتطورات والاكتشافات العلمية الحديثة والمستقبلية التي تتم في هذا المجال الحيوي.

وبسؤال البروفسور نايفة عن الفئة العمرية المستهدفة من هذه السلسلة القصصية قال إنهم تلاميذ الصفين الرابع والخامس بالمرحلة الابتدائية. وأشار إلى أنه قام بتوزيع نسخ تجريبية على تلاميذ مدرسة الدكتور هوارد في شامبين بولاية إلينوي الأميركية، فكانت ناجحة، وأبدى التلاميذ إعجابهم بها وقدموا بعض الاقتراحات، كما قمت أيضا بالتجربة نفسها بتوزيع نسخ من القصص على عدد من الكبار منهم فيزيائيون وربات بيوت وطلاب جامعة ومهنيون، وعلى الفور أبدوا أيضا إعجابهم بهذه القصص «ومن هنا أدركت أن هذه القصص يمكن أيضا أن تخدم شريحة كبيرة من عامة الجمهور».

وعن هذا النوع من الكتابة، أشار نايفة إلى أنها قصص مغزولة بأفكار وحقائق علمية موجهة للأطفال بهدف تعليمهم أساسيات النانو على نمط الأسلوب الذي استخدمه كل من الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ وابنته لوسي في كتابهما عام 2007 للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة والحادية عشرة بعنوان «مفتاح جورج السري للكون» (Georg’s Secret Key to the Universe)؛ حيث يحكي قصة طفل صغير يدعى «جورج» وعالم فلك مرح يدعى «إيريك» الذي يجسد شخص البروفسور هوكينغ نفسه؛ حيث يفتح جهاز الكومبيوتر الناطق الخاص به نافذة على الكون الغامض والمجهول؛ حيث يرتدي الاثنان ملابس رواد فضاء ويستخدمان جهاز الكومبيوتر للبحث عن الكواكب التي يمكن للبشر السفر إليها هربا من سخونة الأرض، وخلال الرحلة يتعلم جورج الطفل الصغير والقارئ أساسيات الفيزياء الفلكية وعلم الفلك من خلال خيالات وصور توضيحية.

في كتابي الصادر عام 2006 عن ندوة الثقافة والعلوم بدبي (بالاشتراك) بعنوان «الخيال العلمي وتنمية الإبداع»، ومن تقديم العالم الدكتور فاروق الباز، تمت الإشارة فيه إلى أن أعمال القصص العلمي والخيال العلمي الجيدة تعتبر ركيزة مهمة نحو نشر الوعي العلمي بين أفراد المجتمع؛ حيث توفر قدرا كبيرا من المتعة الذهنية للقارئ وتستثير وتنشط خياله نحو حاضره ومستقبله ومستقبل المجتمع الذي يعيش فيه أو حتى مستقبل البشرية كلها، وبخاصة استخدام التساؤلات مثل: «ماذا يحدث لو..؟»؛ حيث تشجع على التفكير العلمي الجاد وارتياد مجالات جديدة للبحث والاكتشاف والابتكار والاختراع.

ولدى سؤال البروفسور نايفة عما إذا كانت هذه السلسلة القصصية قد تمت طباعتها ونشرها وتسويقها على نطاق واسع، أفاد بأن الأمر ما زال قيد الدراسة، حيث «إننا نبحث عن ناشر في الوقت الحالي». وعن إمكانية تحويل هذه القصص إلى أفلام رسوم كرتونية متحركة، أكد البروفسور نايفة والدكتورة ابتسام أن هذه الفكرة جيدة ومطروحة لتنفيذها مستقبلا؛ حيث إن هذه النوعية من الأفلام تحظى بجماهيرية أوسع بين جمهور الأطفال.

وأخيرا.. فإن هذه السلسلة القصصية المميزة مهداة لدور النشر والقائمين والمشرفين على قنوات وبرامج الأطفال في عالمنا العربي لدعمها وتبنيها وتحويلها إلى مادة مقروءة ومشاهدة على نطاق واسع ليستفيد منها أكبر عدد من أجيالنا الناشئة، خاصة أنها تتناول تقنية النانو التي تعتبر إحدى أهم تقنيات العصر الواعدة.