رئيس مركز المسؤولية الاجتماعية بغرفة جدة: هناك قصور في تنفيذ خطط مكافحة الفقر

أحمد الحمدان أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الجانب الدعائي لا يتعارض مع الأعمال الاجتماعية.. شريطة الابتعاد عن الرياء

أحمد الحمدان، رئيس مركز المسؤولية الاجتماعية بغرفة جدة، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: غازي مهدي)
TT

أكد لـ«الشرق الأوسط» مسؤول في مركز المسؤولية الاجتماعية التابع للغرفة التجارية الصناعية بجدة، وجود قصور في تنفيذ الخطط الموضوعة لمكافحة الفقر في السعودية رغم اعتماد الدولة لذلك ما يقارب 10 مليارات ريال.

وأوضح المستشار أحمد بن عبد العزيز الحمدان، رئيس مركز المسؤولية الاجتماعية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، أن القيادة العليا بعد اعتمادها لهذا المبلغ لن تنزل إلى الميدان كي تنفذ تلك الخطط، وإنما يأتي دور الجهات المعنية بذلك للقيام بتلك المهمة.

وقال في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»: «إن وزارة الشؤون الاجتماعية تقوم بدورها على أكمل وجه من حيث مراقبتها للجمعيات والمؤسسات الخيرية وتعيين محاسبين قانونيين من قبلها والقيام بزيارات لها، إلا أن هناك أكثر من استفسار حول ما يخص خطط مكافحة الفقر، من حيث ذلك القصور في تنفيذ هذه الخطط».

ودعا رئيس مركز المسؤولية الاجتماعية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة إلى ضرورة تعميم تجربة إنشاء القرى التنموية في عسير على جميع مدن السعودية، حيث انبثقت فكرتها من الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، حينما كان أميرا لمنطقة عسير، لافتا إلى أن تلك التجربة من شأنها أن تسهم في مكافحة الفقر بالمملكة وخلق أجيال عاملة بدلا من كونها حاملة - بحسب قوله.

وطالب الجمعيات الخيرية بالتنوع في سبل الإنفاق على المستفيدين منها، وذلك من منطلق أن الاقتصار على توفير المواد الغذائية فقط وتأمينها نهاية كل شهر من شأنه أن يكون سببا في استمرار مشكلة الفقر باعتبارها تعود المستفيدين على التواكل، مضيفا: «من هنا، تنبع أهمية تدريب المستفيدين من الجمعيات والمؤسسات الخيرية الاجتماعية وعائلاتهم في مجالات مختلفة».

وفيما يلي نص الحوار:

* بداية، كيف ترون العمل الاجتماعي في السعودية حاليا؟

- حقيقة يعتبر هذا الموضوع مهما جدا ويمس المجتمع بالكامل في ظل احتياج فئة منه إلى تكاتف الجميع للوقوف معها ومساعدتها، ومن الملاحظ أن الأعمال الخيرية والاجتماعية والجهات التي تعمل بها أصبحت كثيرة جدا لكونها شهدت توسعا كبيرا، غير أنها في حاجة إلى تنظيم.

هناك الكثير من أهل الخير لديهم استعداد كامل للبذل إذا ما تأكدوا من صحة القنوات التي ينفقون من خلالها وضمان وصول مساعداتهم إلى مستحقيها فعلا بالشكل السليم.

* ما هي السلبيات التي يشهدها العمل الاجتماعي في تلك الجهات؟

- كل مجتمع يحوي فئة تعمل على مبدأ «التسويف» وهو ما يضيع على المحتاج الاستفادة مما يتم تقديمه إليه، ولكن حبذا من خلال الغرفة التجارية الصناعية بجدة ومركز المسؤولية الاجتماعية فيها أن يتم تجميع تلك المؤسسات ضمن إطار واحد والربط فيما بينها باتصال إلكتروني والقيام ببحث موحد، بحيث يتم تفادي مثل هذه السلبيات والابتعاد عن تكرار تقديم المساعدة لأفراد معينين دون الآخرين.

* ما هو تقييمكم لجانب المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص وجميع الجهات المسؤولة عنها بشكل عام؟

- إن العمل الخيري الاجتماعي في جميع الجهات عموما بخير جدا، ولا سيما أن تجار السعودية ورجال أعمالها لديهم توجه قوي إلى هذا الجانب يجعلهم ينفقون الملايين من أجله، غير أن الموضوع يحتاج إلى طمأنينة في الإنفاق ومعرفة الجهات التي تذهب إليها هذه المبالغ، فاليوم أصبح هناك تخوف من المشاركة في الأعمال الاجتماعية، خصوصا في ظل استخدام البعض هذا الجانب لتمويل جهات غير سوية، كالمنظمات الإرهابية.

* وما هي البدائل المقترحة على الجهات والمؤسسات التي من الممكن أن تعالج مثل هذه الأمور؟

- بإمكان تلك الجهات أن تتعاقد مع المستشفيات لتقديم الخدمات العلاجية أو تسديد فواتير الكهرباء أو الإيجارات، كي تكون مساعداتها أجدى، في ظل وجود فئة من المجتمع مندسين لأعمال الشر، حيث إن مئات الملايين التي يتم مصادرتها لدى الجماعات الإرهابية تأتي من مثل تلك الفئات التي تستغل قنوات المساعدات الخيرية الاجتماعية في هذه الأمور.

كما ينبغي أيضا على الجمعيات الخيرية أن تنوع في سبل الإنفاق على المستفيدين منها، إذ إن موضوع توزيع السكر والأرز والشاي وغيرها من المواد الغذائية يعتبر ضروريا، إلا أنها بذلك تساعد على استمرار الفقر، وخصوصا أن من يحصل عليها نهاية كل شهر يصبح متواكلا، لكونه يضمن أنها مؤمنة له لا محالة.

ومن هنا، تنبع أهمية تدريب المستفيدين من الجمعيات والمؤسسات الخيرية الاجتماعية وعائلاتهم في مجالات مختلفة، من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر، مهنة التصوير الفوتوغرافي في الأعراس والحفلات النسائية، التي يشغل معظمها حاليا غير سعوديين، بينما تستطيع الفتيات السعوديات القيام بها، غير أن كل ما يحتجن إليه تخصيص معاهد لتدريبهن وتهيئتهن لهذا العمل.

إلى جانب إمكانية تشغيلهن في شركات الاتصالات بمراكز خدمة العملاء أو استقبال بلاغات الأعطال عبر الهاتف أو سواها بحيث يكون لهن مقر منفصل.

نحن فعلا لدينا أعداد كبيرة من الفقراء، ولكن يجب ألا نغفل عن أن تلك الأعداد مختلطة مع غير السعوديين، وليست مقتصرة على السعوديين فقط.

* باعتباركم الآن رئيسا لمركز المسؤولية الاجتماعية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، كيف سيتم العمل على دفع شركات القطاع الخاص للاندماج في العمل الاجتماعي وتشجيعها على الاستمرار في جانب المسؤولية الاجتماعية؟

- نحن بصدد توجيه دعوة إلى تلك الشركات والمؤسسات الخيرية من خلال فرع وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل الاجتماع بها في غرفة جدة، وذلك بهدف توحيد الإجراءات وإنشاء مركز كومبيوتر يعمل على حصر أسماء المستفيدين من هذه الجهات.

كما أن هناك اتجاها لتوحيد دراسة الحالة المتقدمة باحتياج معين من خلال مركز لدراسة الحالات الاجتماعية لجميع المتقدمين بحيث تسهل مساعدتهم.

* ومتى سيتم البدء في ذلك؟

- في القريب العاجل إن شاء الله سيتم البدء في توجيه الدعوات لها من قبل الغرفة التجارية الصناعية في جدة.

* في رأيكم، ما هي الجوانب التي تتطلب تكثيف العمل الاجتماعي بها؟

- أهم شيء في المسؤولية الاجتماعية هو توفير مصدر رزق للفرد أو العائلة بحيث يستطيعون أن يعولوا أنفسهم، وذلك من خلال معاهد التدريب وإعداد كوادر مدربة في أي مجال كان، خصوصا أنه الآن لم يعد يوجد من لا يرغب في العمل.

والدولة لم تقصر بشأن مكافحة الفقر في ظل اعتمادها 10 مليارات ريال لذلك، غير أن القيادة العليا لن تنزل إلى الميدان كي تنفذ، وهو ما يفترض على الجهات التنفيذية العمل عليه والإعداد له.

* وهل هناك تضافر جهود بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص فيما يتعلق بأعمال المسؤولية الاجتماعية بشكل عام؟

- بالنسبة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية ومراقبتها للجمعيات والمؤسسات الخيرية وتعيين محاسبين قانونيين من قبلها والقيام بزيارات لها، فإنها تقوم بذلك على أكمل وجه، ولكن ما يخص خطط مكافحة الفقر فإن هناك أكثر من استفسار حولها.

* يعني ذلك وجود قصور في تنفيذ الخطط الموضوعة من أجل مكافحة الفقر؟

- نعم هناك قصور فعلا في ذلك، حيث إن الدولة كانت قد اعتمدت 10 مليارات ريال لمكافحة الفقر ولم يتم فعل ذلك حتى الآن! ومن الأجدى تعميم تجربة إنشاء القرى التنموية في عسير على جميع مدن السعودية كحل لمواجهة الفقر وإيقاف استمراره.

* هل هناك نماذج ناجحة متعلقة بمجال المسؤولية الاجتماعية يمكن تعميمها والعمل بها؟

- من أبرز تلك النماذج ما قام به الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة حينما كان أميرا لمنطقة عسير، حيث تمثل في إنشاء قرى تنموية بعسير تحوي مساكن وأسواقا ومنافع بحيث يجد الفرد بها سكنا له مع إمكانية مزاولة مهنة البيع والشراء والعمل في شتى المجالات، وهو ما يغني الناس ويسهم في الحد من الفقر.

* وهل تحادثتم مع الجهات المعنية من أجل تعميم هذا النموذج فعلا على جميع مناطق السعودية؟

- ليس بعد، لم نبدأ في ذلك حتى الآن.

* باعتبار أن البطالة من أبرز قضايا المسؤولية الاجتماعية، ما هو الدور الذي ستقومون به للحد منها أو معالجتها من خلال مركز المسؤولية الاجتماعية في غرفة جدة؟

- لا يمكن العمل على مكافحة البطالة إلا في حال توفير مهن وتأهيل الكوادر بالتدريب والابتعاد عن تعويدهم على الاتكالية، من منطلق الحديث النبوي الشريف الذي حث فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عدم سؤال الناس بقوله: «لئن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه».

* وما هي خططكم المستقبلية في المركز التي تنوون تطبيقها على أرض الواقع؟

- كما ذكرت سابقا، من أولى الخطط التي سنعمل عليها توحيد جهود الجمعيات والمؤسسات الخيرية الاجتماعية مع بعضها وعمل إجراءاتها بشكل موحد كي لا تتكرر أعمالها في صرف المبالغ والمعونات ومساعدة أفراد معينين دون غيرهم.

* وهل هناك توحيد جهود بين الغرفة التجارية الصناعية في جدة وبقية الغرف التجارية الأخرى في مناطق السعودية؟

- لا بد أن تكون مثل هذه التجارب موجودة خاصة في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض. وإجمالا، فإن جميع مناطق السعودية لها اتجاهها في العمل الاجتماعي الخيري بشكل كبير، ولكن قد تكون هناك سلبيات بسيطة، إلا أننا نستطيع القضاء عليها، من خلال التقنين والتحري والتأكيد والمراقبة وتنظيم إنفاق المبالغ النقدية للمستفيدين.

* كيف ستعملون على معالجة عدم ثقة المجتمع في الأعمال الاجتماعية، وتعزيز معنى العمل الاجتماعي الصحيح؟

- لن يتم ذلك الأمر إلا بعد رؤية أفراد المجتمع مدى صدق الجهات العاملة في هذا الجانب، ولكن العمل بعشوائية وبشكل سائب من المؤكد أن يكون سببا في فقدان الثقة بأعمال المسؤولية الاجتماعية والجهات التي تعمل بها.

* هناك أفراد قاموا بجهود فردية في جانب الأعمال الاجتماعية التطوعية، وحققوا نجاحا أكبر مما قد تحققه الجهات الرسمية، هل هذا يعني وجود خلل في التنظيم وعدم قيام الجهات بدورها بالشكل المطلوب؟

- الكثير من تلك الجهود الفردية حققت نجاحا كبيرا فعلا، ولكن لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أن التاجر أو رجل الأعمال لديه موضوعان أساسيان، أولا يريد أن يكون لمؤسسته أو شركته وجود في العمل الخيري، إلى جانب التأكد من أن ما سينفقه سوف يذهب في طريقه الصحيح، والدليل على ذلك استعداد رجال الأعمال والتجار للمشاركة في نشر المراكز والكراسي ذات الهدف الاجتماعي التي تتبع جهات رسمية كالجامعات وغيرها، الأمر الذي يجعلهم يثقون بها وينفقون عليها مئات الملايين من الريالات.

* ثمة شركات تابعة للقطاع الخاص اتجهت إلى جانب المسؤولية الاجتماعية والاكتفاء بترديد شعارات حولها دون تطبيقها الفعلي، فقط من أجل تحقيق الشهرة وتسليط الضوء عليها، كيف ترون ذلك من وجهة نظركم؟

- هناك بنوك كبيرة لديها إدارات مستقلة تحمل اسم «المسؤولية الاجتماعية»، حتى وإن كانت ترغب في التسويق لنفسها، المهم أن يخرج المجتمع بفائدة منها، ونحن نطمح إلى أن تكون مثل هذه الإدارات موجودة في جميع شركات القطاع الخاص والبنوك بالسعودية، ولكن شريطة وجود دراسات محددة لتقنين العمل الاجتماعي بها لتكون ذات مردود من جراء هذه الأعمال الاجتماعية.

* ألا ترون أن الجانب الدعائي قد يتعارض مع الأهداف الأساسية لبرامج وأعمال المسؤولية الاجتماعية في شركات القطاع الخاص؟

- لا يوجد مانع من الإعلان عن مثل هذه الجوانب في أي من تلك الشركات أو الجهات، وذلك من منطلق الاقتداء بها لتكون القدوة الحسنة، غير أنه لا بد من الابتعاد عن «الرياء»، فليس من ضرر جراء الإعلانات والدعايات والتسويق لهذه الشركات، ولذا فنحن نتعامل مع الدعايات من منطلق قول النبي محمد - صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».

* ظهرت شركات متخصصة في المسؤولية الاجتماعية وما يتعلق بها من أعمال، غير أنها انتهت قبل أن تبدأ، إلى ماذا ترجعون أسباب ذلك من وجهة نظركم؟

- يعتمد عدم نجاح مثل هذه الشركات على توجهها حول ما إذا كان مجرد توجه دعائي أو كان توجها خيريا فعلا، إضافة إلى أنه يعتمد أيضا على أي السبل التي اتخذتها في أعمالها بمجال المسؤولية الاجتماعية، سواء كانت تهتم بإسكان المحتاجين أو تقديم خدمات الاستشفاء لهم أو تعليمهم أو مراعاة الأيتام منهم، كل ذلك من شأنه أن يحدد نجاح تلك الشركات من فشلها.

* كمركز جديد للمسؤولية الاجتماعية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، ما الذي تحتاجون إليه للقيام بدوركم على أكمل وجه؟

- نحن في حاجة فعلا إلى تجاوب الجمعيات والمؤسسات الخيرية الاجتماعية وجميع الجهات القائمة على المسؤولية الاجتماعية معنا، إلى جانب وزارة الشؤون الاجتماعية أيضا، خاصة أننا نعمل في مصلحتهم باعتبارنا سنختصر عليهم الكثير من الإجراءات في هذا الجانب.

* ما هي التجارب التي ستعملون على تطبيقها واقعيا من خلال المركز؟

- سنعمل على معالجة التشتت في طلب الفقير الذي قد يذهب إلى أكثر من جمعية أو جهة للحصول على المساعدات من كل جهة، ونحن نريد جهودا موحدة وإجراءات محددة.

* وما هي الوزارات والجهات الحكومية التي ستشارك معكم في العمل الاجتماعي من خلال مركز المسؤولية الاجتماعية التابع لغرفة جدة؟

- من المؤكد أن تكون وزارة الشؤون الاجتماعية شريكا معنا، إلى جانب إمارة منطقة مكة المكرمة ومحافظة جدة، وذلك من منطلق ما لها من دور كبير جدا باعتبار أن هذه الجهات تعد جناحا كبيرا من شأنه أن يضفي على المركز هيبته ويعطيه شخصيته الفعلية.

* ما هي تجاربكم الشخصية في أعمال المسؤولية الاجتماعية سابقا؟ وكيف ستحولونها إلى واقع من خلال منصبكم الجديد؟

- العمل في المسؤولية الاجتماعية يعتبر فضلا كبيرا من الله عز وجل، ولا سيما أنها مخصصة لخدمة فئة مهمة في المجتمع، فضلا عن أن أجرها من الله تعالى وليس من أجل شركة أو جهة معينة، أو الحصول على راتب من قبلها.

ومن هذا المنطلق نتوجه في عملنا لله سبحانه وتعالى، في سبيل مساعدة الناس، شريطة أن يكون المبدأ الأساسي في العمل بالمسؤولية الاجتماعية قائما على التحري والتدقيق في جميع الأطراف، وذلك لتحقيق الهدف المنشود المتمثل فعلا في إيصال المساعدات إلى المكان السليم لها، وبالطريقة الصحيحة.