«زواج الأشباح» في الصين.. فرصة لانتماء النساء للعائلة والنسب بعد الوفاة

يصل سعر جثة المتوفى حديثا إلى 5000 دولار

حاولت السلطات في الصين حظر ممارسة تعود أصولها إلى أسرة زهو التي عاشت خلال الفترة ما بين 1122 و256 قبل الميلاد (أ.ب)
TT

نشرت صحيفتا «تشاينا برس» و«سين تشو ديلي»، خلال الأسبوع الماضي، تقريرا عن زواج حدث في عالم الغيب (زفاف أشباح) لطفلة عمرها أربع سنوات توفيت منذ 52 عاما. وتم تحديد هوية الطفلة التي تدعى تشين يا جي بينما كان العريس جثة لرجل عمره 60 عاما يدعى زهانغ بينغ. وقالت تشين يوي تشون، أخت العروس، البالغة من العمر 54، إن «يا جي» جاءت إليها في الحلم وأعلنت عن رغبتها في الزواج.

وبعد ذلك سعت أسرة «يا جي» للحصول على مساعدة وسيط اختار تاريخ الزفاف. وبعد الزفاف، تم إقامة مأدبة عشاء «للأصدقاء» المتزوجين حديثا من العالم الآخر.

وفيما يتعلق بالعادات الخاصة بالوفاة، لا تمتلك المرأة الصينية غير المتزوجة أي أحفاد يصلون من أجلها أو يعتنون بها كجزء من الذرية. ولهذا السبب، أصبح الواجب المهم للآباء الصينيين تجاه تزويج أبنائهم مهما بشكل متزايد بالنسبة لبناتهم.

ولأن النساء يتمكن فقط من الحصول على عضوية في سلسلة النسب عبر الزواج، أصبح «زواج الأشباح» حلا قابلا للتطبيق لضمان استمرار امتلاك البنات غير المتزوجات والمتوفيات «انتماء إلى سلسلة النسب المذكر» مع ضمان إمكانية العناية بهن بشكل مناسب بعد الوفاة.

ويشعر الناس في وسط الصين وتايوان والشعب الصيني في قارة آسيا بالقلق والذعر إزاء عالم ما بعد الموت، وينشغلون بإرضاء أرواح محبيهم الذين ماتوا عبر إحراق أوراق مالية ونسخ مقلدة من السيارات وحتى جوازات السفر لتسهيل طريق هؤلاء الأفراد الراحلين من العائلة.

وهذا أمر غريب بما فيه الكفاية، ولكن هناك اعتقاد خرافي آخر سوف يجعلك تشعر بذهول وعدم اقتناع تام، ما زال يتعلق بـ«زواج الأشباح». ووفقا للمعتقدات الخرافية السائدة في الصين، يطارد الأشخاص المتوفون غير المتزوجين الأحياء في أحلامهم ويمكن أن يلحقوا الضرر برخاء الأجيال القادمة إلا إذا تم تزويج أشباحهم. وفي التقاليد الصينية، يكون أحد الأطراف أو كلا الطرفين في زواج الأشباح (الذي يعرف أيضا باسم زواج الأرواح) من المتوفين.

ويمكن أن يتخذ بعض الآباء الذين مات لهم أبناء دون أن يتزوجوا خطوة إضافية. ومن أجل ضمان رضا ابنهم في الحياة الآخرة، يبحث بعض الآباء الثكلى عن امرأة ميتة لكي تكون زوجة لابنهم المتوفى، وبمجرد العثور على الجثة، يتم دفن الجثتين معا كاثنين متزوجين. وكثيرا ما تحدث هذه الحالات، خصوصا عند وفاة أشخاص مراهقين أو شبان.

وغالبا ما تبدأ هذه العادة الشعبية الريفية، الغريبة والمروعة للمفاهيم الغريبة، بطلب روح المتوفى، الذي يجد نفسه دون زوجة في العالم الآخر، وهو ما قد يتسبب في حدوث مكروه لأسرته. والشيء الأكثر غرابة هو أن الروح يمكن أن تظهر لأحد أفراد الأسرة في الحلم وتطالب بالحصول على زوجة.

ويحكي المؤلف مارجوري توبلي في كتابه: «زواج الأشباح بين الصينيين السنغافوريين: ملحوظة إضافية» قصة طفل كانتوني توفي وعمره أربعة عشر عاما. وبعدها بشهر، ظهر لأمه في الحلم وقال لها إنه كان يتمنى الزواج من فتاة ماتت مؤخرا في مدينة إيبوه، بيراك الماليزية. ولم يكشف الابن عن اسمها، ولكن أمه استخدمت وسيط عبارة عن روح امرأة كانتونية و«من خلال ابنها، قدمت اسم الفتاة مع مكان ولادتها وسنها، وتفاصيل برجها الذي وجد فيما بعد أنه يتوافق مع برج ابنها».

وفي إحدى المناطق الكنتونية بسنغافورة هناك في الحقيقة لافتة لسمسار متخصص في تسهيل زواج الأشباح معلقة على مدخل منزل كاهن طاوي. ويعلن السمسار أنه مستعد للبدء في البحث عن أسرة لديها عضو متوفى مناسب يمتلك برجا فلكيا مفضلا. وقال باحثون درسوا هذه المسألة إنها متأصلة في النمط الصيني لديانة الأجداد، والتي ترى أن الأشخاص يستمرون في الوجود بعد الموت وأن الأحياء ملزمون بتلبية رغباتهم - أو المخاطرة بعواقب عدم تلبيتها. وترى المعتقدات الصينية التقليدية أيضا أن حياة العزوبية هي حياة ناقصة، ولهذا السبب يشعر بعض الآباء بالقلق من أن ابنه الميت غير المتزوج قد يكون غير سعيد.

وحاولت السلطات الشيوعية في الصين حظر هذه الممارسة التي تعود أصولها إلى أسرة زهو (التي عاشت خلال الفترة ما بين 1122 - 256 قبل الميلاد). ولكن المعتقدات القديمة تختفي بصعوبة. ومع اختفاء الماركسية، عادت المدافن للظهور، وهذا الأمر ينطبق أيضا على حفلات زواج الأشباح. وذكرت تقارير إعلامية حديثة أن هذه العادة قد ظهرت مجددا هذه الأيام، وخصوصا بين الصينيين الريفيين. وقد تم ضبط خمسة أشخاص مؤخرا بعد حفرهم لقبر فتاة انتحرت (بعدما فشلت في امتحانات التسجيل في كليتها) من أجل تزويجها لرجل قتل في حادث سيارة.

وتشيع هذه العادة بشكل أكبر في المقاطعات الشمالية للصين مثل شانزي وهيبي وشاندونغ. وهذه المنطقة هي قلب صناعة الفحم في الصين. وفي مقاطعة شانزي الجبلية، قتلت حوادث انهيار منجم العديد من الرجال الذين كانوا صغارا جدا في السن. وتم صرف تعويض إلى أسر هؤلاء الضحايا عبر تقديم زوجات في الحياة الآخرة لأبنائهم الموتى.

وتوجب التقاليد الصينية ضرورة دفن الأزواج والزوجات دائما في نفس القبر. وأحيانا، عندما يموت رجل دون أن يتزوج، يدبر والداه جثة امرأة، ويقيمون حفل «زفاف» ويدفنون الزوجين معا.

وهذه العادة لها تاريخ طويل. وفي أساطير الرومانسية الكلاسيكية لـ«الممالك الثلاثة»، عثر أمير الحرب كاو كاو على جثة زوجة لابنه الذي مات في عام 208 قبل الميلاد بينما كان عمره 13 عاما.

وفي زواج الأشباح، يتم الالتزام بالعديد من طقوس الزواج التقليدية. ولكن لأن أحد الأطراف أو أكثر يموت قبل الآخر، يتم تمثيلهما بخلاف ذلك، في الأغلب بواسطة دمى مصنوعة من الورق وأخشاب البامبو أو القماش.

وعلى سبيل المثال، يمكن أن يتم بناء الأشباح في حفل زواجهما بواسطة أجسام من الورق موضوعة فوق إطار من أخشاب البامبو أو رأس ورقية. وعلى أي جانبين منهما، يقف خدمهما الخصوصيين الذين تمت صناعتهما من الورق أيضا، وتحتوي الغرفة على العديد من منتجات الدمى الورقية الأخرى التي تستخدم في منزلهما مثل طاولة للزينة (كاملة مع مرآة) وستة كراس ومحفظة للأموال وثلاجة وحقائب من الملابس الورقية وأقمشة. وبعد انتهاء حفل الزفاف، يتم حرق كل المتعلقات الورقية من أجل إرسالها إلى عالم الأرواح لكي تستخدم من قبل الزوجين.

ويعتقد زهاو شو، الخبير في العادات الشعبية الصينية أن تقليد تزويج الناس في الحياة الآخرة أصبح اليوم مجرد أثر من التاريخ الإقطاعي الطويل للصين، يمارس في القليل من المناطق المنعزلة. ولكنه يعترف بأن بعض الأسر ما زالت تدفع سعرا عاليا من أجل توفير عروس لابنها المتوفى «لأن هذا الأمر ينظر إليه على أنه الراحة الأخيرة للمتوفى»، حسب قوله.

وقد ظهرت سوق سوداء لتوريد جثث العرائس. ويمثل سماسرة الزواج - الذين دائما ما يكونون أشخاصا محترمين يعثرون على عرائس لرجال القرية - معظم الوسطاء. وفي أسفل سلسلة التوريد تأتي مشارح المستشفيات والصالونات الجنائزية والخاطفون - والقتلة في الوقت الحالي.

وتشرع الأسر الصينية في تطبيق هذه الممارسة غير القانونية إلى حد كبير (وغالبا بتكلفة كبيرة) - حيث يصل سعر جثث العرائس الأشباح إلى مئات الآلاف من الدولارات في بعض الأحيان؛ من أجل الحفاظ على سعادة أحبائهم من الموتى.

وذكرت جريدة صينية تدعى «هواشانغ باو» أن الطلب على جثث العرائس الأشباح أدى إلى حدوث تضخم معزز، حيث كانت جثة المتوفى حديثا تباع بسعر يتراوح ما بين 4,000 إلى 5,300 دولار أميركي. وفي المقابل، كانت الجثث الجافة (المدفونة منذ فترة طويلة) تباع بسعر يتراوح ما بين 500 - 1000 دولار أميركي في مناجم الفحم بمدينة شانزي.

وينظر والد الابنة المتوفاة دائما إلى الأموال التي يتم الحصول عليها مقابل بيع جثتها إلى «الزوج الشبح» على أنها تعويض عن المهر الذي لم يتسلمه في حياتها، مع رفع مكانة ابنته أيضا في المجتمع الأبوي بعد وفاتها. وتم تسليط الضوء على الجانب القبيح من هذه العادة قبل ثلاث سنوات، عندما ألقت قوات الشرطة الصينية القبض على مهرب جثث يدعى «سونغ تيانتانغ» (والذي يعني اسمه عبارة «إرسال شخص إلى الجنة»)، وقد اعترف سونغ، المزارع البالغ من العمر 52 عاما بأنه قتل ست نساء في شمال مقاطعة هيبي وباع جثثهن لكي تستخدم كعرائس أشباح.

ويمكن أن تلقي هذه القصة الضوء على السوق السوداء لبيع جثث النساء والموجودة في المناطق الريفية بالصين لخدمة هذه العادة التي يعود تاريخها إلى 2,000 سنة تقريبا، كما تركز أيضا على التناقض الصارخ بين مظاهر الحداثة السريعة للصين المدنية وتخلف الريف، حيث ما يزال يعيش هناك ما يقرب من 60 في المائة من إجمالي تعداد الدولة البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة. وقد أصبحت جثث النساء نادرة نسبيا بسبب عدم التوازن الكبير في النوع الذي نتج بفعل سياسة الطفل الواحد التي تطبقها الصين. والتفضيل التقليدي للأولاد على البنات قاد العديد من النساء للإجهاض عندما تظهر الفحوصات الطبية أنها حامل في أنثى.

وقاد النقص النسبي في عدد النساء المتوفيات سونغ إلى تسليط أنظاره على النساء اللائي يعشن في الريف، وغالبا النساء اللائي يعانين من اضطرابات ذهنية وكن يهمن على وجوههن خارج منازلهن، وهي مشكلة واضحة بنفسها في الصين الريفية. ويمكن أن تجلب جثث الأشخاص المتوفين حديثا أسعارا أعلى من جثث الأشخاص الذين دفنوا في القبر لبعض الوقت، والتي تعرف في هذه الصناعة باسم الجثث الجافة، مع ارتفاع أسعار جثث النساء بشكل أسرع بفعل قلة الإمدادات. وتجدر الإشارة إلى أن سونغ ليس هو القاتل الأول الذي يتم الكشف عنه في مهنة الاتجار بالجثث. ونقلت صحيفة «ساوث ويكلي» حدوث خمس حالات إضافية على الأقل.

ويعتقد تاي جيانلين، الصحافي الذي أجرى المقابلة مع يانغ، أن هذه الحالة تكشف عن وجود فجوة خطيرة بين المدن الغنية والحديثة وبين المدن الخطيرة والمتخلفة غالبا في الريف.