«سي آي إيه» تخشى كشف أسرار علاقتها بعائلة نووية سويسرية

العائلة كانت في قلب شبكة عبد القدير خان لتهريب المواد النووية.. وواشنطن ضغطت على سويسرا لإتلاف ملفات

TT

بعد أن حاولت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على مدار سبعة أعوام إخفاء علاقتها بعائلة سويسرية عملت من قبل لصالحها داخل إحدى أنجح الأسواق السوداء النووية في العالم، حدث تحول كبير يوم الخميس عندما أوصى قاض سويسري بتوجيه تهمة تهريب تقنية ومعلومات من أجل تصنيع أسلحة نووية ضد هؤلاء الرجال.

وعلى ضوء احتمالية رفع دعوى قضائية، وإجراء محاكمة علنية، قد يتم الكشف عن بعض أهم أسرار وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إذا ما حاول محامو الدفاع حماية موكليهم من خلال الكشف عن الطريقة التي عملوا من خلالها لصالح الوكالة. وقد يشوه ذلك ما وصفته إدارة بوش من قبل بأنه انتصار كبير تحقق بتقويض شبكة أسلحة نووية وذلك بالكشف عما تبقى من هذه الشبكة سالما من الأضرار.

وقال آندرياس مولر، القاضي السويسري، خلال مؤتمر صحافي في برن يوم الخميس: «يشبه الأمر أحجية، وإذا وضعت الأشياء معا ستكتمل الصورة».

وقد ساعد الرجال الثلاثة فريدريك تينر وولديه ماركو وأورس - في إدارة عصابة تهريب نووية تابعة لعبد القدير خان، مهندس برنامج القنبلة النووية في باكستان، بحسب ما ذكره مسؤولو دول عدة. ويقول مسؤولون سابقون في إدارة بوش إن عائلة تينر عملت سرا مع وكالة الاستخبارات المركزية، وقدمت معلومات عن عمليات البيع والتصنيع داخل شبكة خان، التي امتدت من إيران إلى ليبيا ووصولا إلى كوريا الشمالية، كما ساعدت العائلة الوكالة على إحداث عيوب في معدات أرسلت إلى بعض من هذه الدول.

وقد بذلت إدارة بوش جهودا كبيرة من أجل حماية هؤلاء الرجال من المقاضاة، وأقنعت السلطات السويسرية بتدمير المعلومات التي عثر عليها على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم والأجهزة التي وجدوها داخل منازلهم وشركاتهم؛ وهو ما قد يعوق محاولات مقاضاتهم. في الوقت الذي بدا فيه واضحا منذ عام 2008 أن آل تينر عملوا كجواسيس أميركيين، يعد الإعلان الصادر عن قاض سويسري، الخميس، ويوصي بمحاكمتهم بتهمة تهريب مواد نووية، بمثابة نقطة تحول في التحقيق. ومن شأن عقد محاكمة تسليط الأضواء على قضية أصرت باكستان على غلقها. ومن شأن ذلك أيضا الكشف داخل قاعة المحكمة عن قصة تورط أفراد تابعين لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في عمليات اقتحام داخل سويسرا، وقرار الوكالة الذي لم يفسر بعد بشأن مصادرة نسخ إلكترونية لعدد من تصميمات القنابل النووية عثر عليها على كومبيوترات تخص آل تينر. من بين التصميمات واحد يخص قنبلة ذرية صينية قديمة، إلى جانب تصميمين آخرين متطورين يرتبطان بالبرنامج النووي الباكستاني، حسب ما كشف محققون من دول عدة.

في نهاية الأمر، عثر على نسخ من هذه التصميمات في أرجاء مختلفة من العالم على كومبيوترات تخص أفرادا من شبكة خان، مما دفع المحققين للاشتباه في أن التصميمات ربما تكون قد وصلت إيران وكوريا الشمالية وربما دول أخرى. عام 2003، عثر محققون على واحد من التصميمات الذرية في ليبيا وأعادوها للولايات المتحدة للتحفظ عليها.

يذكر أن مولر، القاضي السويسري، يحقق في قضية آل تينر منذ قرابة عامين. وأعلن أن التقرير الذي وضعه في 174 صفحة يوصي بأن يواجه الرجال الثلاثة اتهامات بـ«دعم تطوير أسلحة ذرية»، في انتهاك للقانون السويسري.

ويواجه الثلاثة اتهامات بإمداد شبكة خان بالتقنية المستخدمة في صنع أجهزة الطرد المركزي، وهي الأجهزة التي تنقي اليورانيوم لتحوله إلى وقود للقنابل والمفاعلات. بعد ذلك، باع خان أجهزة الطرد المركزي لليبيا وإيران وكوريا الشمالية، وربما دول أخرى.

تأتي توصية مولر في وقت تم الإعلان فيه عن كتاب جديد يتناول تفاصيل غير معروفة من قبل حول علاقة «سي آي إيه». السرية مع آل تينر، التي يبدو أنها بدأت عام 2000 تقريبا.

ويحكي الكتاب الصادر بعنوان «التداعيات» (فول آوت)، من تأليف كاثرين كولينز ودوغلاس فرانتز، ومن المقرر طرحه في الأسواق الشهر المقبل، كيف أن «سي آي إيه» بعثت للرجال بتعليمات مشفرة، وتجسست على أسرتهم، وحاولت شراء سكوتهم، وفي النهاية دفعت إدارة بوش للضغط على سويسرا لتدمير الأدلة في محاولة للحيلولة دون اتهام آل تينر واضطرارهم للإدلاء بشهادتهم في محاكمة علنية.

يذكر أن كولينز تعمل كاتبة حرة ومحققة، أما زوجها فرانتز فسبق له العمل محررا لشؤون التحقيقات لدى «نيويورك تايمز» ورئيس تحرير إداريا سابقا لدى «لوس أنجليس تايمز». ويعمل حاليا في فريق عمل لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ. من ناحيتها، لم تعلق «سي آي إيه» قط على علاقتها بآل تينر، لكن القصة تسربت بصورة تدريجية بعد نشر تقارير صحافية حول أن عمليات البيع النووية غير القانونية التي نفذها خان أجبرت الحكومة الباكستانية على فضح الشبكة النووية ووضع خان قيد الإقامة الجبرية. لكن إسلام آباد لم تسمح للوكالة الأميركية، أو مفتشين نوويين دوليين قط بالتحقيق معه، ربما خوفا من توريطه مسؤولين باكستانيين آخرين رفيعي المستوى.

وعليه، لم توضع مطلقا صورة كاملة لنشاطاته، وخضع القليل من المتورطين معه للمحاكمة أو السجن، وهناك مؤشرات قوية على أن الموردين المتعاونين معه لا يزالون نشطين حتى الآن. إلا أنه في الوقت الذي خالج فيه الباكستانيين القلق بشأن كشف معلومات عن خان والآخرين الذين ربما يكون قد عمل معهم من أعضاء المؤسستين العسكرية والسياسية في باكستان، انصب قلق «سي آي إيه» على آل تينر. ويذكر الكتاب الجديد أن إدارة بوش ساورها قلق عميق حيال احتمال الكشف عن صلة «سي آي إيه» بأسرة تينر لدرجة دفعت وزيرة الخارجية آنذاك كوندوليزا رايس للضغط على مسؤولين سويسريين لوقف التحقيق.

ويذكر الكتاب أن «سي آي إي» اقتحمت منزل أحد أفراد أسرة تينر عام 2003 واكتشفت حيازته تصميمات تفصيلية لكثير من أنماط القنابل النووية.

من جهتها، رفضت بولا ويس، المتحدثة الرسمية باسم الوكالة، التعليق، ولم يرد محامو آل تينر على طلبات قدمناهم لهم للتعليق. وأعلن آل تينر أنهم لم يكونوا على دراية بأن المعدات التي شحنوها موجهة لمشروعات لإنتاج أسلحة نووية.

بناء على النتائج التي خلص إليها محققون سويسريون، يلمح الكتاب إلى أن تصميمات القنبلة النووية ربما وزعت على ستة مراكز تابعة لشبكة خان بمختلف أرجاء العالم - منها تايلاند وماليزيا وجنوب أفريقيا - وينتقد بشدة «سي آي إيه» لترك هذه التصميمات في أيدي أشخاص يشتبه في تورطهم في نشاطات التهريب النووي.

في أواخر 2007، قررت الحكومة السويسرية، تحت ضغوط أميركية شديدة، التخلي عن اتخاذ إجراءات قانونية لتوجيه اتهامات بالتجسس لآل تينر واتهامات أخرى ضد عدد من عملاء الوكالة الأميركية الذين عملوا على الأراضي السويسرية على نحو ينتهك قوانينها. مطلع عام 2008، مضى تحقيق أكثر محدودية بكثير حول اتهامات الاتجار في مواد نووية قدما بصعوبة كبيرة بسبب تدمير الحكومة السويسرية - بإيعاز من مسؤولين أميركيين - مجموعة ضخمة من ملفات كومبيوترات ومواد أخرى توثق التعاملات التجارية لآل تينر. وأثار هذا الإجراء ثورة غضب داخل البرلمان السويسري.

إلا أنه في عام 2008، اكتشف محققون سويسريون أن 39 ملفا تخص آل تينر كان من المقرر تدميرها أهملت، مما منح السلطات معلومات جديدة حول عمل الشبكة، وبث روحا جديدة في الدعوى القضائية. خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس، انتقد مولر بحدة الحكومة السويسرية لـ«تدخلها بشدة في مسار العدالة عبر تدمير جميع الأدلة تقريبا». وأضاف أن الحكومة أصدرت أوامرها أيضا للشرطة الجنائية الفيدرالية بعدم التعاون معه في التحقيق الذي يجريه.

حال توجيه اتهام رسمي لآل تينر وتحويل قضيتهم للمحاكمة في سويسرا، فإنهم سيواجهون عقوبة السجن لفترة تصل إلى 10 سنوات إذا أدينوا بخرق قوانين تصدير سلع ذرية. وقد قضى المتهمون الثلاثة فترة في السجون السويسرية أثناء التحقيقات حول تورطهم في التجسس والاتجار بمواد نووية. وستؤخذ في الاعتبار الفترة التي قضوها بالسجن حال صدور أي عقوبة ضدهم.

مطلع عام 2009، أطلق سراح ماركو تينر بعد احتجازه لأكثر من ثلاث سنوات قيد التحقيق، وأطلق سراح شقيقه أورس في أواخر عام 2008 بعد أكثر من أربع سنوات في السجن. وأطلق سراح والدهما، فريدريك، عام 2006.

وأوصى مولر بأنه، إضافة إلى توجيه اتهامات بتهريب مواد نووية، ينبغي اتهام ماركو تينر بغسل الأموال. حاليا، يعكف النائب العام السويسري على دراسة تقرير القاضي وسيتخذ قرارا في العام المقبل بشأن ما إذا كان ينبغي توجيه اتهامات للأسرة السويسرية المتهم أفرادها بالتجسس والاتجار النووي.

* شارك في التقرير من باريس ديفيد جولي

* خدمة «نيويورك تايمز»