2010.. عام الأزمات لمسيحيي مصر

أربع أزمات كبرى أوقعت قتلى ومصابين ومحبوسين

TT

يستحق عام 2010 أن يطلق عليه وبجدارة لقب «عام الأزمات المسيحية في مصر»، فقد بدأ العام بحادث أوقع 6 قتلى مسيحيين و9 مصابين وانتهى العام باعتكاف للبابا شنودة الثالث بابا المسيحيين الأرثوذكس احتجاجا على استمرار اعتقال مسيحيين متهمين بارتكاب أعمال شغب.

وما بين أزمة بداية العام واعتصام البابا في نهايته وقعت العديد من الأزمات التي قفزت بالمشاكل الطائفية بين المسلمين والمسيحيين إلى صدر الساحة السياسية المصرية خلال العام المنصرم.

استهل عام 2010 أزماته الطائفية في السادس من يناير (كانون الثاني)، عشية احتفال المسيحيين الأرثوذكس، وهم غالبية مسيحيي مصر، بعيد الميلاد، عندما تعرضت تجمعات للمسيحيين كانت خارجة للتو من قداس بكنيسة مدينة نجع حمادي بصعيد مصر لإطلاق نار من سيارة مسرعة، الأمر الذي أسفر عن مقتل ستة مسيحيين وإصابة 9 آخرين، بالإضافة إلى مقتل رجل أمن مسلم، كان معينا لحراسة الكنيسة، ليكتسي الثوب الكنسي بلون الحداد الأسود.

ورغم أن الشرطة ألقت القبض على 3 متهمين بارتكاب الحادث، وقدمتهم للمحاكمة بعد يومين من وقوعه، فإن الأمر لم ينته، إذ اتهم بعض قادة المسيحيين في المدينة نائبا مسلما في البرلمان بالتحريض على الحادث بسبب خلافه مع الأنبا كيرلس أسقف المدينة. وبالفعل قدم المحامي المسيحي نجيب جبرائيل بلاغا للنائب العام يتهم فيه النائب عبد الرحيم الغول بالتحريض على الحادث، كاشفا عن علاقة وطيدة تجمعه بالمتهم الأول الذي قدمته النيابة للمحاكمة، إلا أن التحقيقات لم تقطع بوجود مثل هذه الصلة.

وظلت أزمة مذبحة نجع حمادي مسيطرة على الشأن المسيحي بين الحين والآخر نظرا لاستمرار محاكمة المتهمين حتى انقضاء العام، فمن وقت لآخر يتظاهر أهالي الضحايا ليطالبوا بـ«العدالة الناجزة»، فهم ينتظرون القصاص لأبنائهم، كما طالب جبرائيل البابا شنودة بوقف الاحتفال بأعياد الميلاد المقبلة نظرا لتزامنها مع الذكرى الأولى للمذبحة.

وما إن خفت وقع أزمة نجع حمادي حتى ثارت أزمة «الزواج الثاني» عندما قضت المحكمة الإدارية العليا، وأحكامها نهائية وواجبة النفاذ ولا يجوز الطعن عليها بأي شكل، بإلزام البابا شنودة الثالث بابا المسيحيين الأرثوذكس بإصدار تصريح بالزواج الثاني لشخص طلق زوجته عن طريق المحكمة وليس عن طريق الكنيسة، وهو الحكم الذي رفضته الكنيسة بشكل قاطع بحجة تعارضه مع التعاليم المسيحية التي تنص على أن الطلاق لعلتي الزنا أو تغيير الملة فقط.

وأدى الحكم إلى أزمة بين الدولة والكنيسة، فالدولة ترى أن تنفيذ الحكم القضائي فيه فرض لهيبتها وسيادتها، بينما ترى الكنيسة فيه مخالفة لتعاليم الكتاب المقدس، وجاء رفض البابا شنودة لذلك الحكم قاطعا حين قال «أي مسيحي يلجأ للقضاء من أجل الزواج الثاني فهو زان».

وأضاف البابا «الزواج الثاني قضية دينية بحتة وليست عملا إداريا يمكن التدخل فيه.. لا يمكنني أن أطلب من الكهنة مخالفة تعاليم الكتاب المقدس، وموقفي من قضية الزواج الثاني لن يتغير لأنه ليس موقفا شخصيا، إنما هو تنفيذ لتعاليم الإنجيل».

وعقد المجمع المقدس للكنيسة في مصر اجتماعا لبحث الأمر فرفض تنفيذ الحكم القضائي بإجماع آراء أعضائه، وقال البابا شنودة «الكنيسة تحترم القضاء وتبجله، وفي الوقت نفسه لن تقبل أحكاما ضد الإنجيل، فزواج المسيحيين سر من أسرار الكنيسة، ومتعلق بتعاليم الدين المسيحي، وليس للمحكمة شأن في ذلك»، وطالب البابا شنودة بإقرار قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين في البرلمان بأسرع وقت، حلا للأزمة، التي تسببت في العديد من المظاهرات التي نظمها مسيحيون للتضامن مع موقف الكنيسة الرافض للحكم سبب الأزمة، فيما خفت ضجيجها وتوارت وراء أزمات أخرى.

ولم يكد المسيحيون ينفضون غبار أزمة الزواج الثاني، حتى طفت على السطح أزمة أخرى، تسببت فيها السيدة كاميليا شحاتة زاخر زوجة كاهن كنيسة بالمنيا في صعيد مصر، عقب اختفائها من منزل زوجها، الذي أبلغ الشرطة عن ذلك. وبعد بضعة أيام أعلنت الشرطة أنها عثرت على «كاميليا» وأنها تركت المنزل بسبب خلافات زوجية، وسلمتها الشرطة للكنيسة التي تحفظت عليها - ومازالت - في مكان غير معلوم حتى الآن.

وبثت بعض مواقع الإنترنت تسجيلات مصورة (فيديو) تؤكد إسلام كاميليا، وبعض الصور لها بالنقاب، إلا أن بعض المواقع القبطية بثت تسجيلا مضادا يظهر سيدة قالت إنها كاميليا وأكدت أنها ما زالت مسيحية ولم تسلم. وما بين التسجيلات المصورة وتلك المناهضة لها، ظلت الأزمة تبحث عن نهاية مفتوحة، فما زال مكان وجود كاميليا مجهولا، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان قصة وفاء قسطنطين زوجة كاهن كنيسة أبو المطامير بالبحيرة، والتي تكرر معها السيناريو نفسه.

قضية كاميليا تسببت في اندلاع مظاهرات لمسلمين يطالبون بتقليص نفوذ البابا شنودة، ويتهمونه بالضغط على الدولة، في سابقة هي الأولى من نوعها، إذ إن العادة جرت على أن الجانب المسيحي هو الذي يتظاهر احتجاجا أو للمطالبة بشيء ما.

ورغم أن بعض المحامين المسلمين أقاموا دعاوى قضائية لمعرفة مصير كاميليا، وينظر القضاء المصري تلك الدعاوى الآن، فإن الأمر لا يزال يراوح مكانه. لكن ظلال أزمة كاميليا امتدت إلى العراق عندما أقدمت عناصر تنظيم القاعدة على تفجير كنيسة بالعراق، للرد على ما قالت إنه «احتجاز نساء مسيحيات أسلمن في الكنائس المصرية» في إشارة إلى وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة، وتوعدت «القاعدة» بالانتقام من الكنائس المصرية، الأمر الذي أدى إلى تشديد الإجراءات الأمنية حول الكنائس والأديرة في مصر. ولم يكد هذا العام يلفظ أنفاسه، حتى شهد أزمة رابعة كان مسرحها منطقة العمرانية الشعبية بالجيزة، اندلعت في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما منعت قوات الأمن مسيحيين من تحويل مبنى خدمي تابع لكنيسة العذراء بالمنطقة إلى كنيسة مستقلة دون ترخيص من السلطات المعنية، فتجمهر آلاف المسيحيين خارج مبنى محافظة الجيزة محاولين اقتحامها، وحطموا السور الخارجي للمبنى وقطعوا طريق السيارات بشارع الهرم الرئيسي، ووقعت مصادمات بين المتظاهرين المسيحيين وقوات الأمن أدت إلى مقتل مسيحيين، وإصابة العشرات، فيما اعتقلت الشرطة نحو 160 مسيحيا وأحالتهم إلى النيابة بتهمة التجمهر وتحطيم ممتلكات عامة وارتكاب أعمال شغب.

ورغم خطورة الاتهامات الموجهة للمتهمين المسيحيين، فإن مطالبات مسيحية عديدة تكررت منذ تلك الأحداث بالإفراج عن المتهمين، خاصة أن عددا كبيرا منهم من الشباب صغير السن، ومن طلبة المدارس والجامعات الذين اقتربت امتحاناتهم الدراسية، وهو المطلب الذي تضامن معه البابا شنودة الثالث، الذي أكد في عظته الأسبوعية أنه يتابع القضية شخصيا، وأنه «لن يترك المسيحيين المحبوسين حتى يفرج عنهم»، وقال شنودة «دم المسيحي ليس رخيصا»، في إشارة إلى مقتل مسيحيين على يد الشرطة في تلك الأحداث، ليعتكف البابا بعدها لنحو 10 أيام في دير وادي النطرون وسط أنباء عن أن اعتكافه هو نوع من الاحتجاج الصامت اعتاد البابا اللجوء إليه في الأزمات الكبرى التي تكون الكنيسة طرفا فيها.

وقبل أيام انفرجت الأزمة جزئيا عندما قرر النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود الإفراج عن 70 من المعتقلين، ووعد بالنظر في حالة الـ86 معتقلا الآخرين، وهو ما أسهم في إنهاء اعتكاف البابا في الدير، وعاد إلى مقره البابوي في العباسية (شرق القاهرة) ليحضر خطاب الرئيس المصري حسني مبارك في جلسة افتتاح البرلمان.