«حرق أوبرا القاهرة» فيلم يوثق احتراقها عام 1971

يتضمن لقطات نادرة وشهادات حية من 13 شخصية عايشت الحدث

مشهد عام لميدان الأوبرا قبل الحريق
TT

«حرق أوبرا القاهرة».. بهذا العنوان أنتج أول فيلم وثائقي يوثق لحادث احتراق دار الأوبرا المصرية القديمة أو كما اشتهرت باسم الأوبرا الخديوية، الذي يظهر قبل أشهر قليلة من الذكرى الأربعين للحريق، حيث احترقت الأوبرا في فجر يوم 28 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1971، عندما أتت النيران بالكامل على مبناها ذي الشكل المعماري المميز بما فيه من ملابس وديكورات وإكسسوارات العروض، بعد أن ظلت منارة فنية وثقافية تؤدي رسالتها على مدى 102 عام منذ أن بناها الخديو إسماعيل في سنة 1869 بمناسبة افتتاح قناة السويس.

يرصد الفيلم في 40 دقيقة شهادات عن الحريق من خلال لقاءات حية مع ثلاث عشرة شخصية مختلفة تولت مناصب في إدارتها، أو فنانين أوبراليين قاموا بالعمل فيها، أو فنيين وعاملين بها كانوا شهود عيان على الحادث. وقد استغرق العمل فيه ما يقرب من 3 سنوات، لمحاولة البحث عن صور فوتوغرافية ولقطات فيديو تكشف عن أجزاء خفية في الحريق، والبحث عن أصحاب الشهادات من مصريين وأجانب ومقابلتهم.

كمال عبد العزيز، مخرج الفيلم ومدير التصوير وصاحب الفكرة والسيناريو، يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن فكرة الفيلم قد تكونت لديه بعد أن قام بتجميع عدد كبير من الصور الفوتوغرافية عن الأوبرا القديمة، وذلك كونه عاشقا للتراث المصري بشكل عام والأوبرا بشكل خاص، حيث قضى جزءا من حياته قاطنا في إحدى البنايات المطلة على ميدان الأوبرا حيث كانت توجد دار الأوبرا القديمة، ومن هنا بدأت لديه فكرة تنفيذ فيلم وثائقي لكي تعرف من خلاله الأجيال الجديدة قيمة الأوبرا القديمة وكيف كانت من أهم 5 أوبرات في العالم، وأيضا الإشارة إلى أن ميدان الأوبرا كان من أجمل ميادين العالم.

ويضيف «الفيلم يعد الأول من نوعه الذي يوثق من خلال مشاهد سينمائية لحريق الأوبرا، حيث يتضمن الفيلم لقطات للفيديو الوحيد الذي صور عن الحريق الذي قام بتصويره هاو ألماني يوم الحريق عندما كان يمر مصادفة بميدان الأوبرا ومعه كاميرا سينمائية 8 مم سجل بها الحريق منذ بداية الثواني الأولى لاشتعال النيران بين أركان المبنى، وأثناء تهاوي أجزائه واحدا بعد الآخر حتى انتهى وإلى الأبد. وقد كنت أظن مثل الجميع أن أحدا لم يسجل الحريق سينمائيا، لكن البحث قادني إلى تلك اللقطة المصورة، فقمت بشراء هذا الفيديو من ورثته بعد عشرين عاما بعدما اقتنعت أرملته بإخراج هذه الوثيقة الوحيدة والفريدة التي تسجل سينمائيا حادث حريق الأوبرا الخديوية إلى النور. وقد استعنت به عبر لقطات الفيلم ومدته 10 دقائق».

يعتمد الفيلم على مقاطع سمعية وبصرية قوية، من خلال كلام الشخصيات، إضافة إلى المشاهد المصورة من قبل. يتابع مخرج الفيلم «لجأت لقوة كلام الناس وشهاداتهم عن المكان والزمان رغم الصعوبات التي وجدتها في البحث عن شخصيات عاصرت الأوبرا، وركبت تلك الكلمات على صور الحريق، التي قمت بشرائها من مصورين أرمن وأجانب ومن ورثة مصورين صحافيين، وسافرت إلى محافظات مصرية مختلفة بحثا عنها، إلى جانب مجموعة كبيرة من الوثائق عن حريق الأوبرا وأخرى عن العروض التي قدمت على خشبتها والزائرين لها، وأبرزهم الملك فاروق».

من بين الشخصيات التي تتحدث في الفيلم عن حكايتها مع الأوبرا د. ماجدة صالح باليرينا مصر الأولى السابقة، وقائدا الأوركسترا د.طه ناجي ومصطفى ناجي، والمغنون الأوبراليون حسن كامي ود. رتيبة الحفني وفيوليت مقار، وصالح عبدون آخر مدير للأوبرا القديمة، والعازف عبد الحميد جاد، إلى جانب المغني الأوبرالي جاريجوار بارتيمان وعازف البيانو ألدو ميناتو اللذين عملا في الأوبرا المحترقة، بالإضافة إلى بعض الفنيين مثل فايق حنا مدير الكهرباء بالأوبرا وشحاتة أحمد فني تغيير المناظر وسمير عبد الباقي نجار قديم بالأوبرا.

يكمل عبد العزيز «هؤلاء الأشخاص عاشوا فترة الأوبرا القديمة وكلهم تحدثوا وعبروا بنفس اللسان عن تجربتهم، وعن إحساسهم وقتها بمستقبلهم الذي ضاع، مجمعين على أن ما حدث كان كارثة حلت بفنارة الثقافة المصرية وقتها. كما طرحت كلماتهم عن أسباب الحريق وجهات نظر متعددة وكونت صورة أشمل عن تلك الكارثة التي أغلق عليها الباب ولم يعرَف حتى الآن السبب الحقيقي لحريق الأوبرا».

وبرأيه أن الفيلم تأخر إنتاجه كثيرا، مما تسبب في فقدان كثير من الوثائق التي كان من الممكن الاستعانة بها.. لكن ظهوره أيضا في هذا التوقيت يضيف بعدا مهما، ففي الفترة الحالية يربط العالم بين العرب والمسلمين وبين الإرهاب، لكن فيلم «حرق أوبرا القاهرة» يفند ذلك ويوضح أننا مهد حضارات وكيف كنا منفتحين على العالم من خلال هذه الأوبرا.

ويذكر عبد العزيز، الذي عمل كمدير للتصوير في عدد كبير من الأعمال السينمائية والتسجيلية والتلفزيونية، أنه أخرج الفيلم بنفسه «لأني أحفظ المادة جيدا، وأعرف قيمة كل صورة عن الأوبرا، كما أنني ابن منطقة وسط البلد حيث كانت توجد الأوبرا فأردت أن أعبر عن قيمتها الكبيرة في حياتنا التي ذهبت ولم ننتبه إليها».

وبرأي مخرج الفيلم، تعد تجربته الوثائقية وما تنشط به الساحة العربية حاليا من إنتاج وثائقي مؤشرا إلى أننا كعرب بدأنا نعي أهمية توثيق تراثنا، وهو ما يعد مشكلة كبيرة خاصة لدى الأجيال الجديدة الناشئة، التي يجب أن تجد وثائق ترجع إليها حتى تتعرف على تاريخ أوطانها وحضارتها.