تجمعات مدنية «عفوية» لحزب الله في أحياء بيروت وأوساط «المستقبل» تعتبرها «تجربة لما سيحصل»

مصدر أمني لـ «الشرق الأوسط»: ما دام التحرك سلميا فلا يمكننا التصدي له

طفل لبناني يبكي بعد أن أعاده والده من المدرسة، في أعقاب ظهور تجمعات لشبان من حزب الله في أحياء بيروت (أ.ب)
TT

استفاقت مدينة بيروت بالأمس على وقع أنباء متضاربة عن انتشار مجموعات من الشبان المدنيين المناصرين لكل من حزب الله وحركة أمل في عدد من الأحياء البيروتية، بين الساعتين الخامسة والسابعة صباحا، على خلفية الإعلان عن تسليم مدعي عام المحكمة الدولية دانيال بلمار مسودة القرار الاتهامي إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، الذي يشك حزب الله في توجيهه أصابع الاتهام إلى عناصر من صفوفه.

وبينما انتقلت الأنباء صباحا بسرعة البرق بين اللبنانيين، هرع الأهالي إلى المدارس القائمة في الأماكن التي انتشرت فيها هذه المجموعات غير المسلحة، وتحديدا في المنطقة الممتدة بين الطيونة ورأس النبع وزقاق البلاط وبشارة الخوري، وصولا إلى طريق المطار، وأعادوا أبناءهم إلى المنازل وسط حالة من الخوف والقلق، على وقع تنفيذ القوى الأمنية من جيش وقوى أمن انتشارا مؤللا وراجلا واتخاذ تدابير أمنية مشددة. ولم تنجح مناشدة وزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة الأهالي بإعادة أبنائهم إلى المدارس لاستكمال اليوم الدراسي.

وانتقدت قوى 14 آذار، وتحديدا تيار المستقبل، وصف هذه التحركات بـ«العفوية». وقالت أوساط قيادية في تيار المستقبل لـ«الشرق الأوسط» إن هذه التحركات «تهدف لتوجيه عدة رسائل، أولاها تأكيد حزب الله لجمهوره أنه لا يزال قادرا على التحرك، وأن الأمور ما زالت بيده، وثانيها أن يبرهن للطرف الآخر على أنه لا يزال قادرا على التحرك ومتحكما بالوضع، وثالثها تقديم (بروفة) لما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة مع صدور القرار الاتهامي». وشددت على أنه «لا يمكن التكهن بخطوات حزب الله المقبلة، لأنه ينفذ أجندة إيرانية»، كاشفا عن «قرار لدى تيار المستقبل بالنزول إلى الشارع والدخول في مواجهة، وهو أوكل مهمة حمايته إلى القوى الأمنية».

وكان مصدر مقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يرأس حركة أمل، وضع ما حصل في إطار «تحركات شعبية عفوية في بعض المناطق». وأشار إلى أن «الأمر استدعى تدخل الرئيس بري للعمل حتى ساعات الصباح الأولى لاستيعاب ولجم هذه التحركات، واحتواء الوضع من خلال الاتصال بقيادات كثيرة».

أما الخبير العسكري، المقرب من حزب الله، العميد المتقاعد أمين حطيط، فأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن حزب الله «انتقل في الوقت الراهن من مرحلة التسوية إلى مرحلة المواجهة للدفاع عن المقاومة وجودا وسمعة»، موضحا أن «المقاومة ليست ملك شخص، بل ملك جمهور يدافع عنها ويحق للمدافع استعمال كل الوسائل الدفاعية المتاحة». وأكد أن «كل الأعراف والقوانين والشرائع تتبنى الدفاع المشروع عن النفس في كل ما يطال سمعتها وكرامتها، وبالتالي كل الوسائل مسموح باستعمالها، والمسألة ليست سلوكا لرفع العتب، بل لحفظ الذات». ورأى «الحق لفريق 14 آذار بعد أن التحق بالقرار الأميركي في إبداء رأيه حول كيف يدافع المستهدف عن نفسه». وقال: «مرحلة المواجهات لا تزال في طورها الأول، وليس ما حصل كل شيء، بل هو بداية الطريق»، مذكرا بأن سيناريو حزب الله ارتكز إلى «منع أسباب الفتنة، وإذا لم يتمكن من ذلك فمنع انفجارها، وإذا لم يتمكن أيضا فمنع انفجارها». ولفت إلى أن «المقاومة لم تتمكن من منع أسباب الفتنة، وهي اليوم تسعى إلى حفظ نفسها بمنع انفجار الفتنة».

وأوضح حطيط، الذي شدد على أن «مواجهة حزب الله مع المحكمة ليست مواجهة لبنانية – لبنانية، والتحرك في الشارع ليس تحركا لبنانيا ضد لبناني آخر، بل ضد أميركا وإسرائيل»، وأن «التسوية سقطت وبدأت مرحلة المواجهة، المتدرجة لجهة حجم الاعتداء»، مؤكدا أن «رد الفعل يقاس مستواه بمقدار الفعل الذي يحصل، ولكل فعل رد فعل».

في موازاة ذلك، كشف مصدر أمني مطلع لـ«الشرق الأوسط» أنه «ما دام أن هذه التحركات مدنية ولا تشكل مسا بالآخر، فيتم التعامل معها على أساس أنها طبيعية»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن «أي ظهور مسلح يعتبر خرقا للقانون ويقتضي على الأجهزة الأمنية أن تتصدى له بشكل حذر».

وشدد على أن «القوى الأمنية ليست مخولة في حال كانت التجمعات مسلحة بأن تعمد إلى نزع السلاح ومهمتها محصورة في حال إقدام هذه المجموعات على القيام بأي اعتداءات، وما دام التحرك سلميا فلا يمكن التصدي له»، معربا عن اعتقاده بأن ما حصل «ليس أكثر من استعراض».

وبحسب معلومات أمنية، فإن «شخصيات من المعارضة السنية ومن تيار النائب ميشال عون أبدت استياءها، مما حصل، ما دام أن القرار لم يصدر، ولم تنشر أي أسماء». ووفق المصدر نفسه، فإنه لدى حزب الله «سيناريو جاهز منذ مساء الأحد الماضي على أساس تنفيذه إذا صدر القرار الاتهامي مع الأسماء، ومع بقاء مضمونه سريا اكتفى بالقيام بهذا الاستعراض الشعبي».

وكان الوزير السابق وئام وهاب، وفي موقف لافت أمس، قد أكد أن «الجيش لا يتدخل ضد الناس وهو يعرف أنه لا إمكانية للتحرك ضد الناس، وأن القوى الأمنية مثل (الدرك) أنه في حال سقوط أي جريح أو قتيل لن تكون بعده مراكزها بمأمن»، محذرا «القوى الأمنية من قمع أي تحرك شعبي».

في المقابل، وجه نواب تيار المستقبل انتقادات لاذعة إلى حزب الله، فأكد النائب هادي حبيش «أن التحرك في بيروت كان منظما، ونزولهم باكرا ومن ثم انسحابهم لا يعتبر عفويا، وهو رسالة بأوجه عدة، لنا وللمجتمع الدولي». ولم يستبعد النائب معين المرعبي «طلب اللبنانيين الآمنين والعزل دعوة قوات دولية وعربية إلى حمايتهم من تصرفات وبهورات بعض العصابات المسلحة المنتمية لفريق التعطيل، التي تروع الآمنين وتهددهم كل يوم».

ورأى النائب عمار حوري أنه «في حال كان الفريق الآخر بصدد توجيه رسائل تتعلق بالمحكمة الدولية من خلال هذه التحركات، فهو يوجهها بالاتجاه الخاطئ»، بينما اعتبر زميله أحمد فتفت أن ما جرى «رسالة للقول للجميع إنهم مستعدون للذهاب إلى أبعد من كل المحرمات التي كانوا قد أعلنوا عنها»، مستغربا أن «يحصل هذا التحرك اليوم في ظل قدوم الوفدين القطري والتركي إلى بيروت».

أما نائب القوات اللبنانية التي يتزعمها سمير جعجع، أنطوان زهرا، فاعتبر أن «التحرك ليس عفويا، لأن نقل الناس في الفانات يكون منظما، وما حصل هو رسالة موجهة». وأكد النائب في حزب الكتائب، برئاسة أمين الجميل، أيلي ماروني أن «حزب الله يريد القول إن الشارع له، ويمكنه العودة إلى الشارع متى يريد، وقد عمل أمس على بلبلة الوضع وقام بعرض العضلات، وهذا مؤشر لما قد يقوم به في المستقبل القريب».