الحزب الحاكم يفصل بن علي وكبار مستشاريه.. والمبزع والغنوشي يستقيلان من التجمع

استقالة 3 وزراء محسوبين على اتحاد العمال.. ووفاة شقيقة الرئيس السابق جراء أزمة قلبية

TT

أعلن حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، الحاكم في تونس منذ سنة 1987، الذي أطاحت الاحتجاجات الاجتماعية برئيسه زين العابدين بن علي يوم 14 يناير (كانون الثاني) الحالي، أنه أزاح بن علي من رئاسته. وأعلن الحزب أيضا في بيان صادر عنه أنه نزع عضويته عن ثمانية من أعضائه، ويتعلق الأمر بكل من: زين العابدين بن علي، رئيس التجمع الدستوري الديمقراطي، وعبد العزيز بن ضياء، الوزير المستشار الناطق الرسمي باسم الجمهورية، وعبد الله القلال، رئيس مجلس المستشارين، وعياض الودرني، المستشار لدى الرئيس التونسي السابق، وعبد الوهاب عبد الله، مستشار الشؤون السياسية لدى بن علي، ورفيق بلحاج قاسم، وزير الداخلية، وبلحسن الطرابلسي، صهر الرئيس التونسي السابق (شقيق زوجته ليلى)، ومحمد صخر الماطري، زوج إحدى بنات الرئيس السابق. وأعلن الحزب الحاكم السابق، أن محمد الغنوشي، الوزير الأول (رئيس الوزراء)، وفؤاد المبزع، رئيس الجمهورية المؤقت، قدما استقالتيهما من التجمع الدستوري الديمقراطي.

وفي غضون ذلك، ذكرت أنباء في العاصمة التونسية أن نعيمة بن علي، 73سنة، وهي شقيقة الرئيس السابق توفيت أمس جراء إصابتها بأزمة قلبية.

إلى ذلك، أعلن عبد السلام جراد، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد عمالي) أمس أن الاتحاد سحب ممثليه من حكومة الوحدة الوطنية التي أعلن عنها أول من أمس، وهو ما يعتبر من أهم التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة. وقال جراد إن عبد الجليل البدوي، الوزير لدى الوزير الأول، وحسين الديماسي، وزير التكوين المهني والتشغيل، وأنور بن قدور، كاتب الدولة (وزير دولة) لدى وزير النقل والتجهيز، وهم شخصيات نقابية رشحتها المنظمة النقابية لتولي حقائب في الحكومة الجديدة، استقالوا من الحكومة.

وأضاف جراد: «إن هذه الحكومة تعتبر غير موجودة لأنها لا تمثل الشعب، ولا تستجيب لطموحاته، ولا تلبي مطالب الثورة العارمة التي تشهدها تونس»، ودعا الأحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية المشاركة في الحكومة إلى الانسحاب منها. كما طالب فؤاد المبزع، رئيس الجمهورية المؤقت، بالدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة. وفسر جراد أسباب هذا الانسحاب بتسرع الوزير الأول في «إعلان تركيبة الحكومة، وفي ذلك استخفاف بتطلعات الشعب إلى حكومة تعطي اعتبارا للقوى الحية بالبلاد، ولا تضم وجوها قديمة شاركت في العهد السابق».

وقال جراد إنه لم يقع إعلامه مسبقا بتركيبة الحكومة، وأنه اطلع عليها من خلال شاشة التلفزيون التونسي. إلا أن مصادر نقابية قالت إن جراد استجاب لضغط منخرطي الاتحاد الذين يزيد عددهم في تونس على مليوني منخرط.

وذكر جراد أن الاتحاد العام التونسي للشغل لا يريد حدوث فراغ سياسي في البلاد، ويرى أن تونس في حاجة إلى انتقال حقيقي، وليس إلى انتقال صوري للسلطة، وأنه يدعو إلى توفير قاعدة وأرضية صلبتين تكونان بمثابة الأساس والضمان لتأمين المرحلة المقبلة.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»: إن مصطفى بن جعفر، الأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الذي عين وزيرا للصحة، يستعد بدوره للانضمام إلى قائمة المستقيلين من الحكومة، وهو لا يزال ينسق بشأن ذلك مع حزبي المعارضة الراديكالية المشاركين في الحكومة. كما ذكرت المصادر ذاتها أن المخرجة السينمائية مفيدة التلاتلي، التي عينت وزيرة للثقافة، تدرس بدورها إمكانية تقديم استقالتها. وأفادت المصادر أن الطيب البكوش، رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، الذي كلف بوزارة التربية قدم استقالته، بيد أنه لم يتسن التأكد من استقالة الوزراء الثلاثة المذكورين بصفة رسمية.

من ناحية أخرى، نفت حركة التجديد المعارضة (الحزب الشيوعي سابقا) التي حصلت على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، خبر انسحابها من الحكومة الجديدة. وقالت الحركة: إنها دخلت الحكومة تجنبا للفراغ الذي يهدد البلاد وأمنها واستقرارها وحماية لثورة الشعب، وعلى أساس ما أعلن عنه الوزير الأول من ضرورة الفصل بين أجهزة الدولة، وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي. وطالبت حركة التجديد في بيان أصدرته أمس باستقالة جميع الوزراء المنتمين للتجمع الدستوري الديمقراطي من التجمع، وتجميد الممتلكات والحسابات المصرفية للحزب الحاكم السابق، باعتبارها ممتلكات الشعب. وقال سمير الطيب، عضو المكتب السياسي للحركة: «إذا لم تتحقق هذه المطالب بصفة عاجلة، فإن حركة التجديد ستراجع موقفها من المشاركة في هذه الحكومة». وأصدر حزب الوحدة الشعبية المعارض، الذي لم يدع إلى المشاركة في الحكومة، بيانا رفض خلاله منطق الإقصاء والتهميش، قائلا: إنه «لا يرتقي إلى ما تفرضه المرحلة الراهنة من تكاثف جميع القوى الحية في البلاد». ودعا البيان إلى «إصلاح جذري للدستور الحالي يأخذ بعين الاعتبار التحولات الحاصلة في المجتمع التونسي، والمقترحات من أجل إحداث نقلة نوعية في الحياة الديمقراطية بالبلاد».

وفي غضون ذلك، تسارعت الأحداث في تونس بشكل مثير طوال يوم أمس، حتى بات من الصعب التكهن بما يمكن أن تحمله الساعات القليلة المقبلة من مفاجآت، خاصة بعد أن عادت الاحتجاجات الشعبية، وخروج المئات من الجماهير للتظاهر في الشوارع، رافضين وجود الحرس القديم، ومطالبين بانسحاب الحزب الحاكم الذي احتفظ بغالبية الوزارات السيادية من الحكومة الجديدة (الداخلية والخارجية والمالية والدفاع)، على اعتبار أن وجودهم يعتبر محاولة شد إلى الوراء. وشهدت المسيرات مشاركة الصادق شورو، الرئيس السابق لحركة النهضة المحظورة، ودنيال روزق، أحد قياديي الحركة، وهي مشاركة قال عنها لطفي الحيدوري، عضو المجلس التونسي للحريات: «إنها مشاركة رمزية أراد من خلالها مساندة التحركات المنادية بخروج أعضاء الحزب». وشورو من مواليد سنة 1952، وحاصل على دكتوراه في الكيمياء من كلية العلوم بتونس، وظل يدرس بكلية الطب بتونس مادة الكيمياء إلى حدود اعتقاله سنة 1991. وانضم شورو إلى عضوية مجلس الشورى المركزي لحركة النهضة، منذ بداية عقد الثمانينات، من القرن الماضي، وانتخب في مؤتمرها المنعقد عام 1988 رئيسا لها، وواصل القيام بتلك المهمة حتى اعتقل في 17 فبراير (شباط) 1991. وحوكم شورو أمام المحكمة العسكرية بتونس في صيف 1992 على رأس 265 متهما من قياديي حركة النهضة. وطالب الادعاء العام بإعدامه، ولكن المحكمة قضت بسجنه مدى الحياة. وأفرج عنه نظام بن علي بشروط في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، لكنه سرعان ما أعيد إلى السجن بعد تصريحات أدلى بها لقنوات تلفزيونية أجنبية تؤكد على مواصلته العمل السياسي. ولليوم الخامس على التوالي، عاشت تونس أمس ليلة أخرى في ظل حظر التجول المفروض منذ الجمعة الماضي، وسجلت في المقابل بداية عودة للحياة بعد إقبال الموظفين والمؤسسات العمومية على نشاطاتهم، كما شهدت الكثير من المحلات التجارية تزويد المحلات الغذائية بالمواد الأساسية، بما جنب المواطنين الوقوف في الطوابير الطويلة للحصول على احتياجاتهم. ويواصل الأهالي في مختلف الأحياء الشعبية وغيرها السهر على طريقتهم، وبما يتوافر لديهم من إمكانات لحماية ممتلكاتهم وأعراضهم في وجه العصابات المسلحة، إلى جانب دورهم الكبير في مساعدة الجيش ورجال الأمن في إلقاء القبض على الكثير من أفراد تلك العصابات وحماية أحيائهم. ويرى المراقبون أن تصريحات وزير الداخلية أحمد فريعة، واستماتته في الدفاع عن الحزب الحاكم في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس، كانت وراء تأجيج المزيد من الشكوك، حول شرعية الحكومة الانتقالية، كما أن تصريحات رئيس الوزراء بشأن المكالمة الهاتفية، التي أجراها مع الرئيس السابق بن علي، زادت في إثارة الكثير من علامات الاستفهام حول مدى نجاعة الحكومة الجديدة في تجاوز المرحلة الانتقالية، واستعادة ثقة الشعب الذي ينظر بكثير من الشك والمخاوف إلى حقيقة نيات وأهداف الحرس القديم - الجديد في الحكومة، ومدى ولائه للبلاد. والواضح أن التوضيحات التي ارتأى الغنوشي تقديمها للرأي العام بشأن اتصاله بالرئيس السابق زادت في إضفاء مزيد من الغموض. وبدا الغنوشي مترددا وهو يدلي بتلك التوضيحات، لا سيما أنه غير متعود على مواجهة الصحافيين. ووقع الغنوشي في أكثر من خطأ منذ قراره الظهور إلى جانب كل من عبد الله القلال، وفؤاد المبزع للإعلان عن توليه رئاسة البلاد مؤقتا بعد هروب بن علي، ثم عودته أمس للحديث عن اتصال هاتفي معه قدم له من خلاله تقريرا عن الوضع في البلاد.

والواضح أن الغنوشي الذي اختار أن يعلن بنفسه عن ملابسات هذا الاتصال، تحسبا لتسريبه من قبل أطراف أخرى، واحتمالات اتهامه باستمرار التواصل مع الرئيس المخلوع، لم تكن تبريراته مقنعة، وهو الذي شدد على أن أخلاقه منعته من قطع المكالمة الهاتفية مع رئيسه السابق. بيد أن الغنوشي أخطأ مرتين، ودفع من حيث يدري أو لا يدري، إلى تعقيد المشهد السياسي الذي يبدو أنه سيكون مقبلا على المزيد من الغموض.