رئيس الصين في أميركا: بحث عن توازن للقوى وسط خلافات كثيرة

المحادثات تتوزع بين السياسة والاقتصاد.. ونقاش بين الأميركيين حول الأمهات الصينيات

أعلام أميركية وصينية تزين شارع بنسلفانيا أفينيو بواشنطن قبيل وصول الرئيس هو أمس (أ.ب)
TT

بدأ الرئيس الصيني هو جينتاو أمس زيارة إلى الولايات المتحدة تستمر 4 أيام وتأتي بعد عام شهد توترات شديدة بين القوتين العظميين.

ومنذ دخول باراك أوباما إلى البيت الأبيض في مطلع 2009 تتبع الولايات المتحدة دبلوماسية حيال بكين تقوم على إبراز نقاط التوافق، والإشارة إلى نقاط الخلاف من دون أن يتسبب ذلك في قطيعة. ويعقد أوباما قمة مع هو هي الثامنة بين الرئيسين، غير أن البحث عن توازن بين القوتين الكبريين في مطلع القرن الحادي والعشرين لا يخلو من الاحتكاكات، وهو ما أثبته العام الماضي. فقد كانت المواضيع الخلافية بينهما كثيرة، ومنها سعر اليوان الذي تعتبره واشنطن مخفضا عن قيمته الفعلية بشكل غير عادل يدعم الصادرات الصينية، ووضع حقوق الإنسان، والوصول إلى الإنترنت في الصين، ومسألة التبت، والنزاعات الحدودية البحرية بين بكين وحلفاء للولايات المتحدة، والقيود المفروضة على صادرات المعادن الاستراتيجية النادرة، ومبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان، وغيرها.

ويشمل برنامج الرئيس هو عشاء خاصا مع أوباما وعائلته، ثم مأدبة عشاء رسمية كبرى اليوم. وستكون هناك وجبة غداء في وزارة الخارجية، ولقاءات مع قادة الكونغرس، ثم، في آخر يوم، سيعقد هو مؤتمرا صحافيا مشتركا مع أوباما، كما يكون له اجتماع مشترك، يحضره أوباما أيضا، مع رجال الأعمال الأميركيين والصينيين.

وكان وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، زار بكين الأسبوع الماضي. وقال للصحافيين إن الولايات المتحدة قلقة بسبب الحشد العسكري الصيني في المحيط الهادي، وبسبب تكثيف الاستثمارات في مجال الأسلحة والمقاتلات النفاثة والتكنولوجيا.

ويوم الأربعاء الماضي، قال وزير الخزانة الأميركي، تيموثي غايتنر، إن بلاده تأمل من الصين فتح الباب أمام مزيد من المنتجات الأميركية، وتعرض تبادل التكنولوجيا المتطورة، وتشجع الصين لاستغلال فرص التجارة والاستثمار في الولايات المتحدة. وقال غايتنر إن الصين في حاجة أيضا إلى اتخاذ خطوات إضافية للسماح لعملتها بأن ترتفع في قيمتها.

كذلك، انتقدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، يوم الجمعة الماضي، علنا سجل الصين في مجال حقوق الإنسان. وأشارت إلى «الاضطهاد للمجموعة المؤيدة للديمقراطية»، مجموعة ميثاق سنة 2008. كما أشارت إلى سجن ليو شياوبو، الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2010. وقالت كلينتون: «تظل الصين تقمع الحريات. ووضع كرسي خال مع حملة جائزة نوبل في أوسلو سيظل رمزا لوعد لم يتحقق لأمة عظيمة، لكنه لا بد أن يتحقق»، وتزامنا مع الزيارة، أصدرت الأميركية الصينية إيمي شوا، أستاذة قانون في جامعة ييل، كتابا بعنوان «دعاء أميركي لأم من بلاد النمر». وأثار الكتاب ضجة في الإعلام الأميركي. وانتقد معلقون كثيرون الكتاب، قائلين إن طريقة الأمهات الأميركيات في تربية أطفالهن هي أفضل طريقة. وكتب واحد في موقعه في الإنترنت: «إذا كانت أمهات الصين أفضل من أمهات أميركا، فلماذا تظل الصين من دول العالم الثالث؟». وركز الكتاب على أن الأم الصينية، متمثلة في الأستاذة الجامعية نفسها، تتشدد مع أولادها وبناتها، وأحيانا تضربهم، وأحيانا تسيء إليهم، وذلك لإجبارهم على تحقيق أعلى الدرجات في المدارس. وأيضا، تمنعنهم من الاختلاط مع بقية الأميركيين والأميركيات، وتجبرهم على اختيار المواد التي يجب أن يتخصصوا فيها، وأغلبها في مجال الطب والتكنولوجيا.

ومن المرتقب أن تحظى المحادثات الاقتصادية بحيز مهم بين الجانبين، إذ ستسعى واشنطن لمطالبة بكين برفع قيمة عملتها اليوان، وكذلك زيادة واردتها من أميركا حتى يتحسن الميزان التجاري بين البلدين.

وقال مايكل غرين، خبير في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية (سي إس آي إس) في واشنطن: «تأتي هذه القمة في وقت يسعى الطرفان إلى المزيد من الاستقرار في علاقتهما السياسية والعسكرية والاقتصادية. يجب أن نلاحظ أن الصين عدلت موقفها بشأن الكثير من المسائل. ربما يقول البعض إن التعديل تكتيكي ومؤقت. لكنه، على الأقل، تعديل». وأشار غرين إلى أن الصين رفعت سعر عملتها، اليوان، بنسبة 4% منذ يونيو (حزيران) الماضي. وأشار غرين إلى أن الرئيس الصيني في تصريحات لصحيفتين أميركيتين «واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال»، نشرت يوم الأحد، قال فيها: «على الجانبين أن يواصلا السير في الاتجاه الصحيح في تطوير علاقاتهما وزيادة حجم المبادلات بينهما وترسيخ الثقة المتبادلة والبحث عن أرضية وفاق رغم الخلافات». غير أن غرين حذر من الإسراف في المراهنة على زيارة الرئيس الصيني. وذلك لأنه على عتبة نقل صلاحياته إلى رئيس جديد ما بين 2012 - 2013. ويرى الخبير أن هذه القمة ليس من شأنها إحداث تغيير عميق في العلاقات الصينية الأميركية، بل ستكتفي بتحديد القطاعات التي يمكن للبلدين التعاون ضمنها.

وقال نائب رئيس معهد كارنيغي ومركزه في واشنطن، دوغلاس بال، إن هذه الزيارة تحمل رهانات كبرى بالنسبة لأوباما على صعيد السياسة الداخلية، في وقت باتت حملة الانتخابات الرئاسية للعام 2012 قريبة. وخاصة في الجانب الاقتصادي، وذلك لأن الحملة الانتخابية لا بد أن تكون عن المشكلة الاقتصادية. وقال بال إنه بعدما تعزز وجودهم في الكونغرس «سينتقد الجمهوريون بالتأكيد (أوباما) إن بدا لهم أنه ضعيف أمام الصين، لكنهم سيهاجمونه أيضا إن لم يتول بالشكل الصحيح» هذا الملف. ومني حزب الرئيس أوباما بهزيمة انتخابية كبيرة في الانتخابات التشريعية لمنتصف الولاية عام 2010 وعمد الكثير من المرشحين فيها إلى التلويح بالخطر الصيني لتخويف الناخبين.