جدل حول منع أميركيين من الاستثمار في «فيس بوك»

شركة «غولدمان ساكس» تقصر الأمر في موقع التواصل الاجتماعي على الأجانب خشية خرق اللوائح المالية

TT

بعد مرور أكثر من أسبوع فقط على قيام شركة «غولدمان ساكس» بتوفير فرصة لعملائها المهمين للاستثمار في موقع «فيس بوك»، سحبت الشركة أول من أمس، الفرصة من العملاء في الولايات المتحدة بسبب مخاوف من إمكانية أن تخرق هذه الصفقة لوائح السندات المالية. ومثل هذا القرار يمثل إحراجا بالغا لشركة «غولدمان ساكس»، التي كانت قد سوقت الاستثمار لعملائها الأثرياء ومن بينهم أقطاب تجاريون ومديرون لأكبر الشركات في الولايات المتحدة.

وكان من المفترض أن يمثل العرض انتصارا للشركة، التي تحاول أن تتجاوز الخلافات مع المشرعين، بما في ذلك تسوية بقيمة 550 مليون دولار مع لجنة السندات والبورصة خلال الصيف الماضي بشأن عملية الاستثمار المعقدة في الرهون العقارية. ولكن من المحتمل أن تثير خطة «فيس بوك» الآن أسئلة جديدة حول ما إذا كانت شركة «غولدمان» قد حاولت دفع الحدود التشريعية مجددا.

واتخذت شركة «غولدمان» قرارها بعدما تسببت خطة الاستثمار في تعرض الشركة لعمليات تدقيق ومراقبة. وقد فتحت لجنة السندات والبورصة تحقيقا في تركيبة العروض، وما إذا كانت قد خرقت القانون بسبب التغطية الإخبارية الواسعة التي صاحبتها. وتحظر التشريعات الفيدرالية والحكومية ما يعرف باسم «الإغراء العام والإعلان» في تقديم العروض الخاصة. ولا يمكن لشركات مثل «غولدمان ساكس» تسعى لتحقيق مكاسب مالية أن تتخذ إجراء يشبه الترويج العام للعروض، مثل شراء إعلانات أو التواصل مع منافذ إخبارية.

وقالت الشركة في بيان أصدرته الاثنين: «في ضوء هذه التغطية الإعلامية المكثفة، قررت شركة (غولدمان ساكس) الاستمرار فقط في تقديم العرض لمستثمرين خارج الولايات المتحدة. وختمت الشركة بأن مستوى الاهتمام الإعلامي قد لا يكون متسقا مع الإتمام المناسب للاستثمار الأميركي الخاص بموجب القانون الأميركي».

وذكر تقرير نشرته جريدة «نيويورك تايمز» في وقت متأخر من يوم 2 يناير (كانون الثاني) أن مصرف «غولدمان ساكس» كان قد استثمر 450 مليون دولار في موقع «فيس بوك» وأنه سيخلق وسيلة استثمار خاصة بالنسبة لعملائه، واستشهد بأقوال أشخاص مشاركين في الصفقة، وهو الأمر الذي بدا وكأنه قد دفع عملية التدقيق التشريعي. وقالت الشركة في بيانها الصادر الاثنين: «أحدثت الصفقة اهتماما إعلاميا مكثفا في أعقاب نشر مقال مساء يوم 2 يناير (كانون الثاني) 2011 بعد وقت قليل من تدشين الصفقة».

ولم تكن «غولدمان ساكس» تخطط لبدء العرض في تلك الليلة، ولكنها قامت بتسريع وتيرة العملية بعدما اتصلت جريدة «نيويورك تايمز» بالشركة من أجل الحصول على تعليق، حسبما ذكر مسؤول تنفيذي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه لأنه لم يكن مفوضا للحديث.

وفي تلك الليلة، امتنع المتحدث باسم شركة «غولدمان» عن التعليق. وخلال وقت متأخر من الليل وقبل نشر التقرير، أرسل مسؤولون تنفيذيون في وحدة إدارة الثروة الخاصة بالشركة رسائل إلكترونية لعملائهم عن العرض، حسبما ذكر الأشخاص الذين تلقوا البريد الإلكتروني. وأضافت شركة «غولدمان» في بيانها يوم الاثنين أن الشركة اتخذت القرار بنفسها، وأن «هذا القرار لم يكن مطلوبا، ولم يطالب به أي طرف آخر».

وسوف يكون المستثمرون الأجانب قادرين على المشاركة في عرض «غولدمان» لأنهم لا يخضعون لقواعد لجنة السندات والبورصة عن الإغراء في العروض الخاصة. ولكن كل شركاء «غولدمان» سواء كانوا موجودين في الولايات المتحدة أو الخارج، لن يسمح لهم بالاستثمار، وفقا للأشخاص الذين اطلعوا على هذه المسألة.

ولم يتضح بعد مقدار الأموال التي ستستثمرها الشركة في موقع «فيس بوك». وفي مذكرة خاصة أرسلتها الشركة إلى عملائها عندما قدمت العرض، قالت إنها خططت لاستثمار ما يقرب من 1.5 مليار دولار، وأن الحد الأدنى للاستثمار هو مليونا دولار. وأوصلت الصفقة الإجمالية قيمة موقع «فيس بوك» إلى 50 مليار دولار.

وبينما كان العرض زائدا بالنسبة للإمدادات المتاحة - ربما بمقدار ثلاثة أضعاف - مع عدم أهلية العملاء الأميركيين في الوقت الحالي للمشاركة، لم يتضح ما إذا كانت شركة «غولدمان» أو موقع «فيس بوك» سيقللان من حجم العرض. ويوجد أغلب العملاء الأثرياء لشركة «غولدمان» داخل الولايات المتحدة، وقد يشعر هؤلاء المستثمرون بالإحباط لمنعهم من الاستفادة بفرصة رائجة محتملة تقدم لمستثمرين في أوروبا وآسيا.

وبالنسبة للمسؤولين التنفيذيين في شركة «غولدمان» الذين يديرون أموالا لعائلات ثرية، كانت ما تعرف باسم الاستثمارات الخاصة نقطة ترويج مهمة في إغراء العملاء للاستثمار في الشركة. والحجة التي تقدم للعملاء المستقبليين هي أنهم سيمتلكون إمكانية الوصول إلى نفس الفرص الاستثمارية من خلال استثمار أموالهم في شركة غولدمان، لأن الشركة، كانت تعتبر منذ فترة طويلة واحدة من أذكى الشركات الاستثمارية في العالم.

وقد توجه الصراعات على العرض أيضا ضربة لعلاقة شركة «غولدمان» مع موقع «فيس بوك» ولآفاق الشركة في قيادة العرض الأولي العام المنتظر منذ فترة طويلة للشبكة الاجتماعية، والمتوقع في عام 2012. وقال أشخاص مشاركون في العرض إن العلاقة بين الشركتين توترت، على مدار الأسبوعين الماضيين، بشكل متزايد، وتم تبادل الاتهامات بخصوص المسؤولية عن التسريبات الإخبارية، حسبما ذكر هؤلاء الأشخاص.

ودخلت شركة «غولدمان» كمستثمر في موقع «فيس بوك» من خلال علاقتها مع شركة «دي إس تي»، وهي شركة استثمارية روسية يقودها يوري ميلنر، وهو مساهم كبير في موقع «فيس بوك» كان قد استثمر في العديد من شركات الإنترنت الشعبية الأخرى، مثل شركة غروبون. وخلال أيام من التسريبات الإخبارية بشأن العرض، بدأت لجنة السندات والبورصة تحقيقا يدرس كلا من التقارير الإخبارية وتركيبة الصفقة.

واعتبرت الصفقة نفسها مثيرة للجدل لأن لجنة السندات والبورصة طالبت الشركات بالكشف علانية عن نتائجها المالية إذا كان لديها أكثر من 499 مستثمرا. ولكن خطط موقع «فيس بوك» وفقا للمذكرة المقدمة من شركة «غولدمان» كان من المزمع أن يتم الكشف عنها بحلول أبريل (نيسان) من أجل اتباع الجدول الزمني الذي يحدده القانون. ومن الوارد أن يسأل مستثمرون ومحللون المسؤولين التنفيذيين في شركة «غولدمان» عن مشاكل العرض عندما تنشر الشركة تقريرها عن الأرباح اليوم الأربعاء.

وقال ويليام سجوستروم، أستاذ قانون السندات المالية في جامعة أريزونا والذي كان قد كتب عن الاستثمارات الخاصة إنه لم يشعر بالمفاجأة إزاء خطوة شركة «غولدمان» نظرا للطريقة التي تم الكشف بها عن الأخبار الأولية عن العرض وكمية الدعاية التي صاحبت هذا الكشف. وقال سجوستروم: «ربما تكون شركة (غولدمان) قد درست الصفقة وقدرت أنها يمكن أن تكمل العرض خارج الولايات المتحدة على أي حال. وربما يكون العملاء الأميركيون للشركة محبطين إزاء عدم قدرتهم على المشاركة الآن، ولكن هذا أفضل من امتلاك مشكلة محتملة مع المشرعين».

* خدمة «نيويورك تايمز»