40% من إجمالي مياه اليمن تذهب لري زراعة القات

شح الموارد والاستنزاف الجائر أهم أسباب الأزمة

تتلخص أسباب تدهور موارد المياه في اليمن في الاستنزاف الحاد لمصادر المياه الجوفية (أ ف ب)
TT

كشفت مقاربات المؤتمر الوطني الأول لإدارة وتطوير الموارد المائية في ختام أعماله اليوم، الذي نظمه مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية بالتنسيق مع وزارتي المياه والبيئة والزراعة والري، وبمشاركة ممثلين عن البنك الدولي والحكومتين الهولندية والألمانية، عن الوضع المائي الحرج الذي يعيشه اليمن حاليا.

ويرجع سبب شح موارده المائية وتراجعها المستمر بالإضافة إلى ضعف قدرة الدولة بحكم الوضع الاقتصادي الهش، على تأمين مصادر مائية بديلة لتقليص الفجوة بين المتاح والمطلوب من المياه التي تقدر بأكثر من 900 مليون متر مكعب سنويا.

وأوضحت أوراق العمل التي ناقشها المؤتمر أن التنامي المطرد في الفجوة المائية، نتيجة للاستنزاف الحاد والجائر لمصادر المياه المحدودة أصلا، وعدم تفعيل الضوابط والتشريعات التي تنظم عملية استغلال هذه المصادر بشكل مستدام، أمر لا يهدد خطط وبرامج التنمية فحسب، لكنه ينذر بصراعات على مصادر المياه تهدد الأمن والسلم الاجتماعي.

وأشارت دراسات للبنك الدولي إلى أن مدنا يمنية كثيرة في مقدمتها العاصمة صنعاء مهددة بالعطش خلال أقل من عقدين إذا لم تتخذ التدابير اللازمة لتأمين مصادر مياه جديدة.

وتتلخص أسباب تدهور موارد المياه في اليمن في الاستنزاف الحاد لمصادر المياه الجوفية، التي هي المصدر الأساسي للحصول على المياه، إذ توفر ما نسبته 90 في المائة من احتياجات البلاد، لكن المشكلة تكمن أيضا في أن 40 في المائة من المياه الجوفية المستخرجة، تذهب لري زراعة القات، التي تستأثر بأكثر من 800 مليون متر مكعب من المياه سنويا، فزيادة الطلب على القات وارتفاع معدلات استهلاكه خلال القعود الخمسة الأخيرة، والفوائد المادية المجزية التي يحققها، أدت إلى عزوف المزارعين اليمنيين عن زراعة محاصيل نقدية مهمة كالبن والعنب والحبوب والتركيز على زراعة القات.

في هذا السياق أوضح الدكتور حسين العمري، رئيس مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية، أن اليمن بحكم موقعه الجغرافي وتركيبته الجيولوجية، يصنف كواحد من أربع دول هي الأشد فقرا في مواردها المائية في العالم.

وأشار إلى أن متوسط نصيب الفرد اليمني من المياه المتجددة لا يزيد على 120 مترا مكعبا في السنة وهو ما يعادل خمس متوسط نصيب الفرد في منطقة الشرق الأوسط، و2 في المائة فقط من نصيب متوسط الفرد في العالم والبالغ 7500 متر مكعب سنويا، في حين يقدر الحد الأدنى لكمية المياه الضرورية للإنسان بنحو 1600 متر مكعب سنويا.

ويزيد من معدلات استنزاف مصادر المياه الجوفية، الحفر العشوائي للآبار التي تقدر حاليا بأكثر من 100 ألف بئر في مختلف أنحاء البلاد، بأعماق تصل إلى ألف متر، ما أوصل عددا من الأحواض الجوفية إلى مرحلة النضوب الكامل، نتيجة استنزاف مياهها بوتيرة تفوق معدلات تغذيتها وتجددها بأكثر من 200 في المائة. يضاف إلى ذلك عدم تفعيل التشريعات التي تنظم عملية استغلال المياه الجوفية والهدر الناتج عن استخدام طرق وأساليب الري التقليدية، إذا تصل معدلات الهدر إلى 40 في المائة من إجمالي حجم المياه المستخرجة من المصادر الجوفية في بعض الأحيان، بجانب ضعف آليات حصاد مياه الأمطار بسبب قلة السدود والحواجز المائية، وتذبذب كميات الأمطار الساقطة سنويا، بفعل التغييرات المناخية. إضافة إلى أن مياه الأمطار تعد المصدر الأساسي لتغذية الأحواض الجوفية، بالإضافة إلى عوامل اجتماعية أخرى تتمثل في النمو السكاني المتزايد بنسبة 3.5 في المائة سنويا ويعد من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، ثم زيادة معدلات الهجرة الداخلية من الأرياف صوب المدن للحصول على مصادر مياه آمنة، وضعف الوعي العام بأهمية التعامل الرشيد مع مصادر المياه لضمان استدامتها.

وبحسب وزير المياه والبيئة اليمني، عبد الرحمن الإرياني، فإن البرنامج الاستثماري لقطاع المياه في اليمن، بحاجة إلى مليار ونصف المليار دولار، لضمان تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للمياه، لم تتوفر من هذا المبلغ سوى 550 مليون دولار قدمتها حكومتا ألمانيا وهولندا، إلى جانب حصة الحكومة اليمنية البالغة 24 في المائة من التكلفة الإجمالية للاستراتيجية، ما يشير إلى وجود عجز تمويلي نسبته 36 في المائة تسعى الحكومة لتوفيره عبر المانحين.

وقال الإرياني، إن الحكومة اليمنية بذلت جهودا كبيرة بالتعاون مع المجتمع الدولي للحد من تداعيات اتساع نطاق الفجوة الغذائية التي أفرزتها مشكلة شح المياه، وضعف تجدد مصادرها، فأطلقت في عام 2004 مشروع الحفاظ على المياه الجوفية والتربة بتكلفة 53 مليون دولار، 40 مليون دولار من هذه التكلفة قدمتها هيئة التنمية الدولية، فيما ساهمت الحكومة اليمنية والفئات المستفيدة ببقية التكلفة.

ورغم أن وزارة المياه والبيئة نفذت مئات المشاريع الخاصة بالمياه والصرف الصحي في إطار الاستراتيجية الوطنية للمياه خلال الأعوام 2000 - 2009م التي قدر عدد المستفيدين منها بأكثر من 2.4 مليون شخص على مستوى الريف والحضر، فإن نسبة الذين يحصلون على خدمات مياه منتظمة، لا تزيد على 55 في المائة في الحضر و35 في المائة في الريف اليمني، رغم كونه يضم 70 في المائة من إجمالي عدد سكان البلاد، كما لا يزيد عدد المستفيدين من خدمات شبكات الصرف الصحي على 18 في المائة من عدد السكان البالغ 22 مليون نسمة.

ومن بين أبرز الخيارات المطروحة لتأمين موارد مياه جديدة، خيار تحلية مياه البحر رغم التكلفة العالية لهذا الخيار التي تصل إلى 5 دولارات للمتر المكعب الواحد من المياه، ما يجعله أحد الخيارات الملحة والصعبة بالنسبة لوضع الاقتصاد اليمني بموارده المحدودة.

وبالنظر للوضع المائي الحرج والشائك الذي يعيشه اليمن فإن مؤتمر إدارة الموارد المائية، الذي هو الأول من نوعه على هذا المستوى، سعى إلى بلورة شراكة بين الحكومة اليمنية ومستخدمي المياه من ناحية والحكومة وشركاء التنمية والمانحين من ناحية أخرى، بهدف إيجاد إدارة مائية فعالة تعزز الضوابط والتشريعات الخاصة باستغلال موارد المياه المتاحة باستدامة وعدالة.