فشل الأخضر في الدوحة يفتح الملف الساخن: من حجب شمس المواهب الصاعدة عن الملاعب السعودية؟

«الشرق الأوسط» تناقش خبراء الكرة حول مشكلة توقف التفريخ والاستسلام لسيطرة المستهلكين

TT

أعاد الفشل الذريع الذي واكب مسيرة الأخضر السعودي في منافسات كأس آسيا 1102 بالدوحة، قضية «الأحياء والمواهب الناشئة» إلى الواجهة من جديد، وحفلت المجالس والمنتديات الرياضية على الإنترنت وكذلك القنوات التلفزيونية بنقاشات ساخنة حول مشكلة انحسار الضوء على عدد من الأسماء التي بات بعضها مستهلكا يركض دون جدوى في ملاعب الكرة ودون أن يقدم أي جديد لرياضة الوطن في المحافل الدولية، وتساءل الكثيرون عن أزمة تقلص إنتاج الأسماء الموهوبة التي تدعم المنتخبات الوطنية، وضعف الاهتمام والمتابعة من قبل الأندية لهذه الشريحة المنتشرة في ملاعب الأحياء.

ولعل الجميع يلاحظ تقلص عدد الملاعب في الأحياء المعروفة باسم «الحواري» وهي التي كانت خير عون لدعم الأندية بالنجوم في السابق، وخاصة في منتصف التسعينات ومطلع الثمانينات، وهذا يقودنا للحديث عن وضع الفئات السنية ومدى اهتمام الأندية بالنشء، والأهم من ذلك وضع المدرب القادر صاحب الإمكانات التدريبية والمؤهلات التي يستطيع من خلالها صقل موهبة هؤلاء اللاعبين بالشكل السليم.

«الشرق الأوسط» أجرت تحقيقا مع نخبة من المدربين الوطنيين المهتمين بالفئات السنية من أجل كشف السلبيات والإيجابيات التي شهدها هذا القطاع، وإيجاد الحلول من أجل تحقيق الأهداف التي من شأنها إعادة تكوين جيل يعود بالذاكرة للإنجازات والبطولات التي استطاع المنتخب السعودي أن يكون حاضرا فيها.

* بداية، يقول لاعب المنتخب السعودي السابق سلطان خميس الذي يعتبر من المتخصصين في اكتشاف المواهب، إن أغلب الأندية دائما ما تعتمد في اختيار لاعبيها في الماضي على متابعتها لدوريات الحواري وزيارة الأحياء التي تنتشر فيها الدوريات بسبب أن الأندية في ذلك الوقت تفتقر للمواقع والملاعب، وبالتالي فمن الطبيعي أن يتجه اللاعب الصغير لممارسة هوايته في ملاعب الأحياء في ظل وجود المساحات والملاعب المتعددة، ولكن مع مرور الوقت بدأت تتطور الأندية من خلال المنشآت والملاعب المتوفرة، وأصبحت الدوريات في الأحياء تتقلص شيئا فشيئا، والملاحظ حاليا في العاصمة الرياض أنه لا توجد المساحات الشاغرة التي تستطيع من خلالها إقامة المباني، فما بالك بالملاعب، ومع اختلاف الوضع، أصبح اللاعب يبحث عن النادي الذي يعتبر أسهل وسيلة للبروز، وأعتقد أن اكتشاف المواهب في الحواري والأحياء مرحلة مضت، ويفترض أن نتطور في هذه الناحية من خلال توفير مراكز للأحياء والبطولات المدرسية والجامعية التي تنظم فيها البطولات وفي وقت محدد.

وأضاف سلطان خميس: «آن الأوان للتركيز على الفئات السنية، ولا بد من المزج ما بين الخبرات الأجنبية والوطنية حتى تكون الاستفادة أكبر، وحسب معلوماتي فإن الاتحاد السعودي لكرة القدم خصص لجنة لكل ما يتعلق بالفئات السنية من حيث التنظيم وتطوير البطولات وتطوير المدربين والإداريين، والمشكلة الحاصلة في الوقت الراهن هي أنه يتم اختيار المدرب أو الإداري، دون النظر إلى المتطلبات التي يفترض أن تكون حاضرة، فالملاعب والتغذية والرعاية الصحية والمواصلات تعتبر عوامل مهمة لصقل موهبة اللاعب، فعملية انتقاله ليست مجرد مشاركة، وإذا ما أردنا تكوين لاعب متمكن، علينا الاهتمام بجوانب كثيرة أخرى».

وتحدث خميس عن مستوى الاهتمام بالمنتخبات السنية قائلا: «الحقيقة لا يوجد اهتمام على مستوى المنتخبات في درجتي الناشئين والشباب، فهناك ازدواجية واضحة في العمل، على سبيل المثال نرى مدرب البراعم هو من يدرب الناشئين، بمعنى أنه لا يوجد استقرار، ومراكز التكوين يفترض أن تكون على مستوى مناطق السعودية، ولا بد من استحداثها في الأندية، والاتحاد السعودي بدوره يفترض أن يضع سياسة معينة للأندية فيما يخص المراحل السنية، ففي السابق كان هناك شراكة بين القطاعات العسكرية والتعليم والجامعات، وحتى قطاع الحرس الوطني أنشأ مدرسة لتعليم كرة القدم، وأتذكر في ذلك الوقت أن الاهتمام والمتابعة كانت أكثر من رائعة، تصور أنه تم توفير الحافلات لنقل اللاعبين من أحياء مدينة الرياض، عطفا على المكافآت المالية والتغذية والملابس حتى وصل أكثر اللاعبين الذين يمثلون الهلال والنصر والشباب والرياض إلى تمثيل المنتخب السعودي الأول لكرة القدم».

من جهته، خالف المدرب الوطني خليل المصري حديث سلطان خميس حول قلة ملاعب الأحياء والحواري، وقال: «ملاعب الأحياء والحواري موجودة وبكثرة، لكن المشكلة تكمن في اعتماد الأندية الكبيرة على التعاقد مع اللاعب الجاهز الذي يأتي من الأندية الأخرى، فأهملت القطاعات السنية مثل البراعم والناشئين والشباب، وبالعكس الكرة السعودية ولادة ومليئة بالنجوم، وأكبر دليل على ذلك أن البلدان الأخرى تنهل من الأحياء السعودية، وكنا في السابق نجد أن الأندية الكبيرة تكتشف اللاعب وتصقل موهبته وتدربه وتبرزه وتستفيد منه أيضا، ولكن في الوقت الراهن الاعتماد على اللاعب الجاهز بات حقيقة لا يمكن حجبها، كانت الأندية في السابق تعتمد على مخرجات فئاتها السنية، ما عدا لاعبا أو لاعبين فقط، أما الآن، فقد حدث العكس تماما، إذ إن أغلب الفرق أتى لاعبوها من أندية أخرى، ومن أسباب تأخرنا عدم تطبيق احتراف اللاعب السعودي بالشكل المطلوب، وهذه مشكلة كبيرة وأزلية، وإذا قضينا عليها ستعود الكرة السعودية حتما لما كانت عليه من تألق، وأقصد هنا تطبيق التدريبات الصباحية أو الدوام الصباحي بمعنى أن يوجد اللاعب في النادي سواء كان من أجل تدريبات فنية، أو نواح ثقافية أو تعليمية، إذ إن ثقافة اللاعب مهمة جدا».

وشدد المصري على أن مدربي الفئات السنية لا بد أن يكونوا عالميين، وخير مثال على ذلك ما تقوم به الأندية الأوروبية التي تأتي بأفضل المدربين والمختصين الرياضيين لهذا القطاع، في حين لو اخترت مدربا ليس له تاريخ أو سجل تدريبي بهذا الاختيار ستقتل موهبة اللاعب، ويجب أن يكون المدرب مؤهلا تأهيلا كاملا، ويجب ألا يكون النظر إلى اسم المدرب أو جنسيته، بل لمؤهلاته التي تعتبر هي الأهم بالنسبة لي، ولا يمنع أن يكون مدربا سعوديا أو أوروبيا وتكون مؤهلاته على مستوى عال، خاصة فيما يتعلق بتدريب القطاعات السنية، البراعم والناشئين، حتى يتم إعداد اللاعبين بالشكل المطلوب.

من جانبه، ذهب المدرب الوطني جاسم الحربي بقوله إن أغلب النجوم السابقين الذين مثلوا المنتخب السعودي خرجوا من الأحياء وملاعب المدارس والأنشطة الصيفية التي كانت تفعل أثناء العطلات، وكان لها دور في تطوير مهارة اللاعب والرفع من مستوى المنافسة لديه، والوضع الحالي اختلف مع التطور والتكنولوجيا، وأصبحت وسائل الترفيه كثيرة واتجه كثير من أبنائنا للألعاب غير المجهدة بدنيا، مما أثر على خروج الكثير من المواهب في الوقت الحالي، ولكن مع كل ذلك هناك مواهب، ولكن السؤال هل هناك اعتناء أو توفير لسبل تطوير اللاعبين من خلال وجود الملاعب والمنافسات، الجواب بالطبع لا، حيث إنها اختفت تماما، فكانت منافسات المدارس لا تقل أهمية ومستوى في الحضور الجماهيري عن مباريات الأندية، لكن الآن اختفت تماما، وهذا يعتمد على بناء التعاون بين وزارة التربية والتعليم وبين الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ومن المفترض أن يكون هناك همزة وصل بين الاثنين، كونهما المعنيين في توجيه الشباب بالشكل الصحيح.

وأضاف الحربي: «من المفترض على الأمانة أنها توجد الملاعب الخاصة بكرة القدم، وهذه خطوة تعتبر جيدة، ولكن ما نشاهده حاليا مجرد ملاعب لكرة السلة والطائرة، في حين توجد ملاعب لكرة القدم صغيرة الحجم، لا بد أن تكون الملاعب كبيرة من أجل أن تسهم في إظهار المواهب، وفي الحقيقة الأمانة لم تقصر من خلال اهتمامها، ولكن لا بد من وجود إشراف على هذه الملاعب، حيث نشاهد في بعض الأحياء وجود مصادر الترفيه، ولو كانت هناك موهبة من سيكتشفها مثلا».

وعن اختيار المدربين لفئة البراعم والناشئين، قال الحربي: «إن مع وجود أي شخص مؤهل لهذه المرحلة أكاديميا تعتبر مرحلة للتأسيس، وليست مرحلة للتجريب، فليس كل من قرأ وكتب يستطيع التدريب بشكل علمي، إذ يجب أن يكون المدرب مؤهلا أكاديميا».

إلى ذلك، أكد المدرب الوطني فيصل البدين أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية أسهمت في تراجع النجوم الموهوبين، ومنها الملاعب والمساحات التي تلاشت مع مرور الوقت، والعامل الثاني المدارس فأغلبها لا يوجد بها ملاعب لكرة قدم، وإن كان هناك ملاعب فأغلبها إسمنتية أو رملية، وهي غير مهيأة للعب بالأصل، ولا بد من تعديل المدارس في عملية صقل المواهب واكتشافها، خاصة صغار السن، والعامل الثالث الأندية حيث لا توجد أكاديميات باستثناء النادي الأهلي الذي يستقبل أعمار اللاعبين من 6 إلى 12 سنة، في حين نجد أن الأندية الأخرى تستقبل لاعبين أعمارهم تكون ما فوق 13 و14 سنة، وهذا ينقص في العمر التدريبي للاعب، ولو أن اللاعب يبدأ وعمره 6 سنوات يتفرغ للكرة حتى يصل إلى 14 سنة فهذه 8 سنوات تحسب له في عمره التدريبي كلاعب في المستقبل، ونحن ليس لدينا أكاديميات، وحتى النادي أصلا لا يوجد لديه سواء ملعب أو ملعبين للفريق الأول والشباب والناشئين.

وذكر البدين أن المزج بين الخبراء والمدربين الأجانب والمدربين الوطنيين هي الطريقة المثلى للإشراف على تدريب الفئات السنية، ونحن في حاجة إلى تجهيز عدد كبير من الملاعب في الحواري والأحياء ما بين 80 إلى 100 ملعب في مناطق كثيرة في السعودية، حتى يتم اختيار اللاعبين لفئات الناشئين ومن ثم الشباب والفريق الأولمبي، لأن الأندية لا تستوعب عددا كبيرا من اللاعبين، لأنها ليس لديها إمكانات الملاعب والكوادر الفنية، ويفضل اختيار مجموعة من المدربين الوطنيين على حسب الكوادر الموجودة في الأندية للابتعاث للبلدان المعروفة بالاهتمام بالنشء مثل هولندا وإنجلترا وألمانيا، وأن تجرى لهم اختبارات ودورات ميدانية يطلعون من خلالها على سير العمل التدريبي ومقابلة الأجهزة الفنية والإدارية، حتى يستفيدوا من هذه الخبرات لنقلها للسعودية، أضف إلى ذلك أنه لا يمنع لو تمت الاستعانة بخبير أجنبي يكون حضوره للسعودية للإشراف على المدربين الوطنيين لفترة معينة، وهذا معمول به في كل البلدان، وفي اعتقادي ستكون هذه الخطوة إيجابية فيما يخص تدريب الفئات السنية.