«جمهورية ميدان التحرير».. ترفض منح تأشيرات زيارتها لمؤيدي النظام

رفضت منحها لتامر حسني وعمرو أديب وأحمد السقا.. ونجت شيرين عبد الوهاب * وائل غنيم: حان الوقت لتنحي الرئيس مبارك

TT

على غرار ما تفعله سفارات الدول وقنصلياتها في بلدان العالم، وبعد مرور أكثر من أسبوعين على اعتصامهم المفتوح بميدان التحرير، الذي أطلق عليه الكثير من المتابعين «جمهورية ميدان التحرير» في قلب العاصمة المصرية، حول المتظاهرون المناهضون لحكم الرئيس المصري حسني مبارك الميدان إلى ما يشبه الدويلة المستقلة عن النظام المصري، على غرار دولة الفاتيكان الواقعة بقلب العاصمة الإيطالية روما.. وأصبحت لها قوانينها وآدابها وقواعدها البروتوكولية الخاصة، بما يكفل للمعتصمين الحق في قبول أو رفض زيارة أي شخصية عامة للميدان.

وعقب بدئهم الاعتصام، اتخذ المتظاهرون عدة إجراءات تنظم الحياة بالميدان، منها التعاون في توفير المآكل والمشرب، ونظافة الميدان، وحماية أركانه من قبل اللجان الشعبية، وعلاج المصابين الذي يقوم به الأطباء المتطوعون، إلى جانب إصدار نشرات إعلامية خاصة وإقامة الحفلات وخلافه من أنشطة الحياة العامة.. في ظل إحاطتهم بقوات الجيش المصري، التي أكدت حمايتها للمعتصمين وحقهم في التظاهر السلمي.

ولكونهم القوة الحقيقية التي تسيطر على الميدان، صار من حق المعتصمين قبول أو رفض زيارة أي شخصية عامة والتحدث إلى المتظاهرين المرابطين بأرضه، في ما يشبه حق الدول في منح تأشيرات زيارتها للشخصيات المقبولة لديها أو حجبها عن الشخصيات غير المرحب بها. وتحول الناشط المصري وائل غنيم مدير تسويق شركة «غوغل» في الشرق الأوسط إلى شخصية بارزة على مدار الأسبوع الأخير، وبات كثيرون يتابعون كل خطواته وتصريحاته، فيما دعا البعض لتنصيبه متحدثا باسم المتظاهرين.

وزار غنيم ميدان التحرير أمس وسط مئات الآلاف من المتظاهرين والتقى بوالدة الشاب السكندري «خالد سعيد» الذي أطلقت من صفحة باسمه على «فيس بوك» الدعوة الأولى للتظاهر، قبل أن يلقي كلمة تجاوب معها المتظاهرون جميعا. وكتب غنيم على صفحته الشخصية على موقع الرسائل النصية القصيرة «تويتر» أمس بعامية مصرية: «ده مش وقت التفاوض.. التفاوض كان يحصل يوم 25 بالليل.. ده وقت الاستجابة لمطالب الشباب وهي تنحي الرئيس وتصفية الحزب الوطني»، في إشارة واضحة لمطالب المتظاهرين وعدم التراجع عنها. أما آخر ما كتبه الناشط الشاب على نفس الصفحة فكانت رسالة نقلها عن ضابط شرطة مصري أبلغه هاتفيا أنه ترك الخدمة بعد أن وصلته أوامر من وزير الداخلية السابق حبيب العادلي بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين عشوائيا. وفي ساعات الصباح الأولى أمس كتب غنيم «أرجوكم قولوا للشباب: التعرض لتامر حسني هو أكبر غلط إحنا دلوقتي بنخلي كل واحد عايز يراجع نفسه يفكر ألف مرة.. كل واحد بينضم لينا مكسب». ووجه رسالة إلى المصريين المغتربين قائلا: «أدعو كل مصري يعيش خارج مصر للعودة الآن ومشاركة إخوتهم وأخواتهم في المطالبة بحقوقهم»، مضيفا أنه بات فخورا أنه مصري. وكتب غنيم في وقت سابق أمس أنه قضى وقتا طويلا في محاولة دخول ميدان التحرير المزدحم، واصفا المشهد بأن «المصريين يصنعون التاريخ»، بينما كتب عقب مغادرته «أعزائي المصريون الفشل ليس خيارا مطروحا الآن». وشهد ميدان التحرير اعتراضات عارمة عند اعتلاء المطرب الشاب تامر حسني للمنصة الرئيسية به لمخاطبة المعتصمين فجر أمس، وصلت حدتها إلى محاولة بعض الشباب الاعتداء عليه بالضرب، لولا تدخل قوات الجيش لإخراجه من الميدان.

وأوضح مقطع فيديو يصور حسني وهو يبكي عقب الواقعة قائلا: «الناس فهموني غلط، أنا ما كنتش ضدهم»، في محاولة منه للتراجع عما سبق وصرح به في مداخلة تليفونية مع التلفزيون المصري مساء الأحد الماضي ومطالبته للشباب المعتصمين بالعودة إلى منازلهم فورا حقنا للدماء، قائلا إن التغيير الذي يطالبون به قد حدث بالفعل.

من جانبه، أكد معتز عبد الرحمن، أحد المعتصمين بالميدان المطالبين برحيل الرئيس مبارك، أن «الميدان لا يرحب بالخونة من عملاء النظام»، وأضاف قائلا: «اللي يهاجمنا ما لوش مكان بينا، لو عاوز يروح مصطفى محمود (في إشارة إلى موقع تجمع المؤيدين لمبارك) يروح، أو يروح يغني للريس عند قصره.. لكن التحرير بقى مكانا إحنا، واللي يجيلنا لازم يكون شخص مرحب به».

تامر حسني لم يكن أول «المطرودين» من ميدان التحرير، إذ سبقه إلى المصير نفسه الإعلاميون: منى الشاذلي وعمرو أديب ومكرم محمد أحمد، نقيب الصحافيين المصريين.. وأكد شريف عاصم، أحد المتظاهرين، أن أديب غير مرحب به بعدما شكك في وطنية المعتصمين واتهمهم بتلقي دعم من جهات خارجية وقال: «زي ما قال إن إحنا بيأكلونا من كنتاكي وبنقبض باليورو، يبقى جاي ليه؟؟ نفسه في كام يورو ولا جناح فرخة!!».

وفي نفس السياق، رفض المتظاهرون استقبال الفنان أحمد السقا بالميدان منذ عدة أيام، وذلك على خلفية مناصرته العلنية للرئيس المصري وقوله: «مبارك قدم لمصر الكثير، وما كان يجب أن يعامل بتلك الطريقة في أواخر فترة حكمه، خاصة بعد خطابه الأخير الذي حرك مشاعر المصريين»، إلى جانب رفضه استمرار المظاهرات، قائلا إن من شأنها تعطيل الحياة في الشارع المصري وإصابته بالشلل التام.

أما المطربة شيرين عبد الوهاب، فقوبلت بادئ الأمر بامتعاض المتظاهرين، إلا أن إعلانها من فوق منصة التحرير أنها لن تغني مجددا بالتلفزيون المصري الرسمي، وكلمتها التي وجهتها لمبارك قائلة: «إذا كان رئيسا لمصر ويريد أمنها، فعليه أن يأمر فورا بمحاكمة المسؤولين عن قتل المئات من الشهداء الأبرياء»، شفعا لها لدى المعتصمين الذين رددوا خلفها النشيد الوطني.

وعلى النقيض من هؤلاء، فإن فنانين مثل خالد الصاوي وأحمد حلمي وعمرو واكد وخالد أبو النجا وبسمة وآسر ياسين وأحمد عيد وتيسير فهمي والمخرج خالد يوسف وآخرين، يعتبرون من ضمن أبرز الشخصيات العامة المرحب بها للدخول إلى الميدان، بل إن المتظاهرين يعتبرونهم من حملة الجوازات «الدبلوماسية الحمراء» أو السفراء فوق العادة الذين ينقلون أصواتهم إلى العالم الخارجي.