منظمة «الفاو» تحذر من موجة جفاف داخل الصين

إذا اضطرت بكين للشراء فإن الأسعار سترتفع بمعدلات جنونية

الأرض جافة للغاية بدءا من بكين جنوبا وصولا إلى المقاطعات شمال شنغهاي (رويترز)
TT

أصدرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أول من أمس الثلاثاء تحذيرا من موجة جفاف شديدة تهدد محصول القمح داخل الصين، وهي أكبر دولة منتجة للقمح في العالم. وقالت المنظمة: إن ذلك قد يؤدي إلى نقص في مياه الشرب للمواطنين والحيوانات هناك.

وتكتفي الصين ذاتيا فيما يتعلق بالحبوب منذ عقود؛ وذلك لأسباب مرتبطة بالأمن القومي. وربما يؤدي أي تحرك من جانب الصين لاستيراد كميات كبيرة من الغذاء، في إطار التعامل مع موجة الجفاف، إلى زيادة في الأسعار العالمية لتتجاوز المعدلات القياسية التي بلغتها بالفعل خلال الفترة الأخيرة.

يقول روبرت زيغلر، المدير العام لمعهد أبحاث الأرز الدولي في لوس بانوس بالفلبين: «يعتبر وضع الحبوب داخل الصين أمرا مهما بالنسبة لباقي العالم، فإذا اضطروا للسعي إلى شراء الإمدادات من أجل مواطنيهم، ربما يتسبب ذلك في صدمات كبيرة بمختلف أنحاء سوق الحبوب العالمية».

وقد حذرت وسائل الإعلام الإخبارية التابعة للدولة في الصين، الاثنين الماضي، من أن المناطق الزراعية الكبرى داخل الصين تواجه أسوأ جفاف خلال 60 عاما. ويوم الثلاثاء، قالت وكالة «شينخوا» الإخبارية الحكومية: إن مقاطعة شاندونغ، وهي مركز إنتاج الحبوب داخل الصين، ستواجه أسوأ موجة جفاف خلال 200 عام ما لم تسقط الأمطار بنهاية الشهر الحالي. وترتفع أسعار القمح العالمية بالفعل، ويقال إنها من الأسباب التي تقف وراء احتجاجات داخل مصر وفي أماكن أخرى من العالم. وقال تقرير منفصل آخر صادر عن الأمم المتحدة الأسبوع الماضي: إن أسعار صادرات الأغذية العالمية وصلت إلى معدلات قياسية في يناير (كانون الثاني). وربما تؤدي تداعيات موجة الجفاف داخل الصين في أسعار الغذاء العالمية والإمدادات المتاحة إلى ظهور مشكلات خطيرة للدول الأقل ثراء التي تعتمد على استيراد الغذاء. وعلى ضوء احتياطي عملة أجنبية يبلغ 2.85 تريليون دولار داخل الصين، تقريبا 3 أضعاف ما لدى اليابان، صاحبة ثاني أكبر احتياطي عملة أجنبية، تتمتع الصين بقوة شرائية كبيرة للحيلولة دون وقوع أي نقص خطير في توافر الغذاء. ويقول زيغلر: «يمكنهم شراء ما يحتاجون، ويمكنهم عرض ثمن أعلى مما يعرضه أي طرف آخر.. وقد منع اكتفاء الصين ذاتيا فيما يتعلق بالحبوب أسعار الغذاء العالمية من بلوغ معدلات أعلى عندما ارتفعت قبل 3 أعوام».

وقالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أول من أمس الثلاثاء: إن 12.75 مليون فدان من إجمالي 35 مليون فدان داخل الصين يزرع بها القمح تأثرت بموجة الجفاف. وأشارت إلى أن 2.57 مليون شخص و2.79 مليون من الحيوانات الحية تواجه خطر نقص في مياه الشرب.

وتستخدم وسائل الإعلام الإخبارية الحكومية داخل الصين عبارات أكثر كآبة في الحديث عن موجة الجفاف. وقالت وكالة «شينخوا»: «لقد تسببت قلة سقوط الأمطار أو الثلوج في فصل الشتاء الحالي في حالة من الشلل داخل مناطق زراعية مهمة داخل الصين، وجفت الكثير من هذه المناطق. وقد تراجع إنتاج المحاصيل بصورة حادة؛ حيث إن الجفاف الأسوأ خلال 6 عقود لم يترك أي علامات على التحسن». وقالت وكالة «شينخوا»: إن مقاطعة شاندونغ، التي تقع في قلب حزام القمح الصيني، لم يصل إليها إلا 1.2 سنتيمتر، أو نحو نصف بوصة، من الأمطار منذ سبتمبر (أيلول). ولم يقدم التقرير مقارنة مع معدلات سقوط الأمطار المعتادة خلال هذه الفترة.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة، في تحذيرها الخاص يوم الثلاثاء: إن أثر الجفاف تراجع نوعا ما بسبب درجات الحرارة الأقل من الصفر على مدار أيام قليلة ومشاريع ري حكومية. وحذرت المنظمة من أن البرد الشديد، مع درجات حرارة أقل من سالب 18 درجة سلزيوس (أقل من صفر بمقياس فهرنهايت) ربما تكون لها آثار «مدمرة».

وقال كيسان غونجال، المسؤول بمنظمة «الفاو» داخل روما والذي يتناول الإخطارات الخاصة بقارة آسيا، عبر الهاتف: إنه إذا سقطت الأمطار قريبا وتغيرت درجات الحرارة ربما يمكن إنقاذ محصول القمح وقد يكون المحصول وفيرا.

ويوم الثلاثاء، حذرت هيئات المناخ الصينية من صقيع خلال الليالي التسع المقبلة بقلب مقاطعة شاندونغ، مع درجات الحرارة التي تتراجع إلى ما يصل إلى 21 درجة بمقياس فهرنهايت. ويتوقعون أن فرصة سقوط الأمطار خلال الأيام العشرة المقبلة ضعيفة.

ويقول غونجال: إن التحذير الخاص بالصين هو أول تحذير تصدره منظمة الأغذية والزراعة في أي مكان من العالم خلال العام الحالي. وقد أصدرت المنظمة تحذيرا واحدا فقط العام الماضي؛ حيث عبرت عن «مخاوف كبيرة» بشأن إمدادات الغذاء داخل منطقة الساحل الأفريقية، لا سيما داخل النيجر. وقام الرئيس هو جين تاو ورئيس الوزراء ون جيا باو بزيارات منفصلة إلى مناطق ضربتها موجة الجفاف الأسبوع الماضي، ودعا كل منهما إلى «جهود شاملة» من أجل التعامل مع النقص في توافر المياه.

وفي المعتاد نادرا ما تذكر تقارير الغذاء العالمية الصين، ويرجع ذلك إلى أن الصين تتعامل مع الكثير من التفاصيل الخاصة بالإنتاج الزراعي والاحتياطي على أنها من أسرار الدولة. ولكن للصين أهمية كبيرة بالنسبة لإمداد الغذاء العالمي، لا سيما إذا ساءت الأوضاع.

وقد جذبت موجة الحرارة داخل روسيا، الصيف الماضي، ومعها الفيضانات داخل أستراليا، خلال الأشهر الأخيرة، اهتماما عالميا بسوق القمح الدولية؛ لأن روسيا وأستراليا من المصدرين المهمين. ولكن بقي قطاع القمح الصيني في عزلة كاملة تقريبا عن باقي العالم، من دون صادرات أو واردات، حتى العام الماضي، عندما بدأت عملية واردات متواضعة. ولكنه يعتبر قطاعا كبيرا؛ حيث يمثل سدس إنتاج القمح عالميا. وتظهر قاعدة بيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أنه في 2009 أنتجت الصين قرابة ضعف كمية القمح التي تنتجها الولايات المتحدة أو روسيا وأكثر من 5 أضعاف ما أنتجته أستراليا.

وفي الوقت الحالي، نجد الأرض داخل الدولة جافة للغاية، بدءا من بكين جنوبا وصولا إلى مقاطعات خبي وخنان وشاندونغ ومقاطعة جيانغسو، شمال شنغهاي. ويشمل حرص الصين على تحقيق اكتفاء ذاتي في الأغذية حرصها على تحقيق اكتفاء ذاتي في الذرة، التي تتم زراعتها واستهلاكها بالكامل داخل الصين، ولا توجد سوى القليل من الواردات أو الصادرات. وطبقا لإحصاءات منظمة الأغذية والزراعة يمثل قطاع الذرة داخل الصين خُمس الذرة في العالم، وهو أمر غير معروف على نطاق واسع خارج الصين. وتتم زراعة الذرة بالأساس في المحافظات الشمالية من الصين، التي تشهد أسوأ موجات الجفاف.

ويقول غونجال: إن نجاح أو عجز محصول الذرة، وكذا محصول الأرز، سيعتمد في الأغلب على سقوط الأمطار خلال فصلي الربيع والصيف، وليس قلة الأمطار خلال الشتاء. ولا يشيع سقوط الأمطار خلال فصول الشتاء بجنوب الصين، التي تعتبر أكبر منطقة تنتج الأزر في العالم، لكن فصل الشتاء من العام الحالي قلت فيه الأمطار بدرجة أكبر. كان لدى الصين قرابة 55 مليون طن من القمح كمخزون خلال الصيف الماضي، بحسب ما ذكره غونجال. وتمثل هذه الكمية قرابة نصف المحصول السنوي. وتعتبر الصين بالفعل من أكبر مستوردي فول الصويا، وهي بذور زيتية، وليست حبوبا. وتشتري الصين فول الصويا بالأساس للاستخدام كطعام للحيوانات؛ لأنه تكثر اللحوم في الأطعمة الصينية.

*خدمة «نيويورك تايمز»