مصر مهددة بمخاطر انخفاض الجنيه وارتفاع التضخم

خبير بنكي لـ «الشرق الأوسط»: حجم الدين العام قد يصل إلى 97% بحلول عام 2014

المركزي المصري تدخل لحماية الجنيه وحذر المضاربين (أ.ب)
TT

رشحت تقديرات بنكية، أمس، أن يقفز حجم الدين العام لمصر إلى ما يقارب 97% بحلول عام 2014 مقارنة بالناتج المحلي، متوقعة أن يقفز عن معدله في الوقت الراهن 70% إلى 85% من الناتج المحلي بنهاية العام الحالي 2011، كما تم تقدير حجم الانخفاض في التدفقات المالية للمغتربين المصريين من 7.7 مليار دولار إلى 5.4 مليار دولار، بسبب الاضطرابات التي تعيشها مصر في الوقت الحالي.

وقال التقرير، الذي أصدره البنك السعودي - الفرنسي أمس، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: إن معالجة الخلل في ميزان إنفاق رأس المال مسألة حيوية؛ لذا لن تستطيع أي حكومة مصرية - سواء الحالية أو المرتقبة - تقليص إنفاقها العام في العام الحالي بعدما تحملت أعباء تمويلية ضخمة على مدى بضع سنوات.

واعتبر الدكتور جون إسفيكياناكيس، مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي - الفرنسي، معد التقرير، أن أي حكومة مصرية جديدة تصل إلى السلطة ستضطر إلى تعزيز الدعم المالي الحكومي في المدى القصير.

وقال الدكتور جون: إن الأهم من ذلك هو حقيقة أن هذا الدعم المالي الإضافي سيترافق حتما معه ازدياد العجز في الميزانية المصرية وارتفاع أسعار فائدة القروض.

وككل الأرقام التي تهم الاقتصاد المصري والتي يجري فحصها في الفترة الحالية، فإن التقرير يعتبر أن الوضع في مصر بلغ نقطة اللا عودة على الأقل من الناحية الاقتصادية؛ لذلك تقلصت التوقعات بنمو الاقتصاد المصري خلال العام الحالي من 5.3% إلى 3.7%، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض العوامل السلبية الإضافية قد تتلاشى في المدى القريب.

وأوضح الدكتور جون أن التوقعات السابقة كانت تضع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي الكلي في مصر عند 70% تقريبا خلال السنوات الثلاث المقبلة، إلا أن التطورات الأخيرة دعت إلى إعادة النظر في هذه الأرقام؛ لذلك ترشح التوقعات الآن أن يرتفع نسبة الدين العام المصري إلى 85% من إجمالي الناتج المحلي الكلي في العام الحالي وإلى 97% بحلول عام 2014.

وستؤدي الاضطرابات والإجراءات الجديدة بحسب التقرير إلى تقليص فرص زيادة إيرادات الحكومة المصرية، وتشير التوقعات إلى زيادة العجز في الميزانية العامة المصرية في العام الحالي من 8.2% إلى 12.3%.

وقال معد التقرير: إن السياسة المالية ستمثل تحديا إضافيا كبيرا للحكومة المصرية؛ إذ من المستبعد أن تتمكن خلال العام الحالي من تقليص دعمها للوقود أو تطبيق إجراءات مشددة لمكافحة التهرب من دفع الضرائب، مستبعدا في الوقت ذاته أن يشهد العام الحالي استبدال ضرائب المبيعات بالضريبة الإجمالية للقيمة المضافة أو اتخاذ أي إجراءات جديدة لسد الثغرات الموجودة في نظام ضريبة الدخل. ولن يتم تمرير مشروع القانون القاضي بفرض ضرائب على العقارات.

كما أن الاعتمادات التي أعلن عنها وزير المالية الجديد لتعزيز البنية التحتية ورفع الأجور بنسبة 15% بهدف تسهيل انتعاش الاقتصاد، ستمثل عبئا إضافيا على الميزانية وستضعف الوضع المالي للحكومة المصرية، وبالتالي ستكون البنوك تحت ضغط تمويل الميزانية، الأمر الذي سيولد حتما تحديات إضافية في المدى القصير؛ لأن معدل نمو القطاع الخاص سينخفض بسبب تراجع النشاط الاستثماري.

وستفرز الأحداث الجارية التي تعيشها مصر خفضا في الحوالات المالية من المغتربين المصريين، التي كانت تقدر بـ7.7 مليار دولار، إلى 5.4 مليار دولار، أي أعلى بقليل من المستوى المقدر في عام 2005.

وحذر الخبير البنكي الذي أعد التقرير من النقص في الحوالات المالية، معتبرا أن شح السيولة يعتبر أحد عوامل المخاطرة المالية والاقتصادية؛ لذلك نصح بمعالجتها سريعا.

وقال الدكتور جون: إن العامل الذي يثير قدرا أكبر من القلق يتمثل بتدفق رأس المال من داخل مصر إلى خارجها؛ إذ من المحتمل أن يزداد هذا التدفق بشكل كبير في المدى القريب، فقد أدى النمو المتسارع لتدفق رأس المال من مصر إلى خارجها في أواخر عام 2008، إلى خفض مستوى الاحتياطي النقدي للدولة المصرية وتقليص ودائع العملات الأجنبية لدى بنكها المركزي وضعف أداء بنوكها المحلية. وأضاف: «إن المستثمرين المحليين والأجانب قد يختارون الانسحاب المبكر من مصر بسبب عدم الاستقرار السياسي والغموض الذي يلف مستقبل البلاد»، مشيرا إلى أن الذين أحجموا عن إيداع رؤوس أموالهم في الخارج خلال السنوات القليلة الماضية قد يقومون بذلك الآن.

والحديث عن الاقتصاد المصري يستدعي الحديث عن العملة المصرية، الجنيه، الذي سيواجه جزءا من المشكلات التي يعيشها الاقتصاد المصري.. يشير التقرير إلى أن المعطيات الراهنة تؤكد خفضا لسعر الجنيه مقابل الدولار بنحو 20% من قيمته في الفترة الحالية، الأمر الذي سيتطلب تدخلات عدَّة من جانب البنك المركزي المصري، والسبب برأي معد التقرير هو تناقص الأموال المتدفقة إلى مصر وتزايد الأموال المتدفقة منها إلى الخارج.

وأشار الدكتور جون إلى أن المعطيات على أرض الواقع تشير إلى أن الانخفاض ستفوق نسبته المتوقعة في سعر صرف الجنيه المصري نسبة الانخفاض التي سجلت بين سبتمبر (أيلول) 2008 ومارس (آذار) 2009، التي كانت تقدر حينها بـ6%.

وأشار التقرير إلى أن سعر صرف الجنيه المصري سيعود إلى الارتفاع عندما يتدفق رأس المال إلى مصر بمعدلات كبيرة، وسيكون السحب من احتياطيات الدولة المصرية بالعملات الأجنبية عاملا حاسما في دعم الجنيه المصري، لكن تصاعد التوترات السياسية والاعتماد المتزايد على البنوك المحلية والتحويل المتوقع لبعض الودائع إلى الدولار الأميركي.. كلها عوامل ستؤثر سلبا في المشهد النقدي المصري في المدى القصير.

وتوقع معد التقرير أن تواجه الحكومة المصرية (معضلة حقيقية)؛ لأنها قد تضطر إلى إنفاق جزء كبير من احتياطياتها من العملات الأجنبية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تقليص الحجم الإجمالي لهذه الاحتياطيات إلى مستويات ما قبل عام 2002.

وقال الدكتور جون: إن حدوث انخفاض كبير في سعر صرف الجنيه المصري وعائدات الخدمات والسياحة والحوالات المالية المقبلة من الخارج سيؤثر سلبا في ميزان الحساب الجاري في المديين القريب والمتوسط؛ لأن معدل نمو الاقتصاد المصري بات مرشحا للانخفاض.

وتابع: «قد يؤدي التراجع المتوقع في الطلب المحلي على السلع الاستهلاكية المستوردة إلى تخفيف بعض الضغط المفروض على الحساب الجاري، لكن هذا التخفيف لن يكون كافيا، مما سيخفض معدل نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تجاوزت 13 مليار دولار في عام 2008، بعدما ظلت أقل من مليار دولار أميركي قبل عام 2004، وذلك على أساس توقع تراجع ثقة المستثمر بالاقتصاد المصري».

وشدد التقرير على أن الجنيه قد يتعرض لضغط إضافي بسبب العودة المحتملة للسوق الموازية للدولار الأميركي، التي تداولت الجنيه المصري بأقل من سعره الرسمي بنحو 15% في أواخر عام 2003 وخلال عام 2004، عندما تتراجع الثقة بالاقتصاد المحلي وبالجنيه، وقد تمثل هذه السوق الموازية عاملا رئيسيا في تعديل التوقعات للاقتصاد الكلي المصري في المديين القصير والمتوسط. ونتوقع أن تواجه مصر أزمة سيولة.

كما استبعد معد التقرير أن تتعطل قناة السويس؛ لأن الجيش المصري سيحافظ على عملها بشكل سلس، ومن شأن أي شك في المرور الآمن عبر قناة السويس أن يزعزع استقرار مصر بشكل كبير؛ لأنه قد يفتح الباب أمام التدخل العسكري الخارجي.

وسينجم عن انخفاض سعر صرف الجنيه المصري ارتفاع في تكاليف الواردات، خصوصا السلع الغذائية، مثل القمح، وبما أن الأسعار العالمية للسلع الغذائية في ارتفاع مستمر، الأمر الذي قد يفرض أعباء إضافية على الاقتصاد المصري. وسيتفاقم التضخم في مصر لأن الجهود المنسقة التي بذلتها الحكومة المصرية لكبحه باءت بالفشل.

ولمح التقرير إلى أن معدل تضخم أسعار الأغذية الذي يبلغ نحو 17% والذي يمثل 44% من سلة التضخم ـمشكلة رئيسية بالنسبة للحكومة المصرية.

وتوقع الدكتور جون أن تفشل الحكومة المصرية في تقليص الضغوط التضخمية بفاعلية، والتي ستواجهها خلال العام الحالي؛ لأن نمو العجز في الميزانية سيعزز هذه الضغوط حتما، وسيظل تضخم أسعار الأغذية مصدر قلق كبير؛ لأن إمداد السوق المحلية ببعض السلع الغذائية قد يتعطل من حين لآخر بسبب الأزمة الراهنة، مع ذلك، ينبغي على الحكومة المصرية أن تعالج التضخم؛ لأنه يسجل حاليا مستويات مرتفعة.