نساء قبائل غوجار الهندية يتمسكن بحياة الترحال

يتولين تجارة ألبان تصل قيمتها إلى 30 مليون روبية يوميا

تعتمد قبائل جامو وكشمير برمتها على الرعي وتتمسك بحياتها القائمة على الترحال ولم تتأثر بإغراءات التمسك بأرض محددة وزراعتها
TT

تمتعت أمين بيبي، 70 عاما، منذ طفولتها بحياة البدو الرحل، حيث اعتمدت في كسب قوتها على رعي الأغنام والماشية، وكانت تتخذ من السهول منزلا لها، ومع حلول الصيف كانت المراعي الخضراء اليانعة على سفوح الجبال تتحول إلى منزل لها طيلة ستة شهور.

وعلى مدار العقود السابعة الماضية، لم تفعل شيئا سوى رعي الأغنام والماشية وكسب قوتها عن طريق بيع الحليب ومنتجات الألبان الأخرى.

تنتمي بيبي إلى قبيلة دهودي غوجار من جامو وكشمير، التي تعتمد برمتها على الرعي وتتمسك بحياتها القائمة على الترحال ولم تتأثر بإغراءات التمسك بأرض محددة وزراعتها.

كل يوم، تستيقظ في الرابعة صباحا من دون منبه لتحلب الماشية، بينما الشمس لم تشرق بنورها بعد ومن دون توافر كهرباء، وتنقل الحليب إلى أوعية معدنية ضخمة. ومع بزوغ الفجر، تنطلق لبيع الحليب في السوق، مرتدية «كورتا» (قميص) مزدانا بالزخارف و«سالوار» من دون غطاء للشعر، وكانت تضع في أنفها حلقة ذهبية وتدل شخصيتها على نموذج نادر من التحرر النسوي.

داخل أسرتها، توزع الأدوار بدقة، حيث يتولى زوجها وأبناؤها تعبئة الحليب في حاويات ضخمة وتضعها على متن شاحنة وتقود هي وزوجات أبنائها السيارة حتى المدينة لبيع الحليب. وداخل مركز تجميع الألبان للبيع الجملة، تتولى زوجات أبنائها تفريغ حمولة الشاحنة، بينما تدخل في نقاش مع المشتري ويعبس وجهها أحيانا عندما يحاول شراء الحليب بثمن أقل لشكه في نقائه. وبعد جدال حاد، تحصل على السعر الذي تريده.

وبعد يوم من العمل الشاق، تجلس بأحد المقاهي لتنفث دخان التبغ، بينما تتناول زوجات أبنائها الشاي وبعض الطعام الخفيف.

ومن المشاهد السائدة داخل أكبر مركز لتجميع الألبان في جامو - لابو دي هاتي، احتشاد عشرات من النساء لبيع مئات اللترات من الألبان، والحصول على مقابل نقدي.

من جانبه، قال أنيل كومار، مالك المركز «يتمتع هؤلاء النسوة بدرجة عالية من الذكاء، رغم عدم حصولهن على قسط من التعليم، ولديهن قدرة كبيرة على عقد الصفقات. وبناء على مستوى جودة الحليب، يحددن السعر. وهن يملكن مهارات حسابية فريدة، وهو أمر مثير للدهشة حقا. إن ما نحسبه على الآلات الحاسبة، يقمن هن بحسابه على أصابع اليد وأسرع من الآلة الحاسبة».

ليست النسوة وحدهن في عائلة أمين بيبي من يقمن بأدوار حيوية في إمداد الحليب ومنتجات الألبان للمدن في جامو وكشمير، بل هناك قرابة نصف مليون سيدة مسلمة من قبيلة دهودهي غوجار في جامو وكشمير، يشاركن في هذا الجهد.

وتتمتع نساء القبيلة بمكانة رفيعة وحرية داخل الأسرة. وتتميز النساء بقوة بدنية واضحة، ورغم أنهن يعشن في مجتمع ذكوري، فإن لهن دورا واضحا في شؤون الأسرة ولا يمكن تجاهل آرائهن بالنظر إلى جهودهن في العمل وإسهامهن المادي الكبير. بجانب الأعمال الأسرية التقليدية، تقوم النساء بأعمال أخرى مثل تجفيف روث الحيوانات وتحويله لوقود وكساء الجدران والأرض بالجص ونقل المياه الصالحة للشرب.

حمل وجه زليخة، 35 عاما، وهي أم لأربعة أطفال، علامات تنبئ بالحياة القاسية التي عانتها. تعمل زليخة يوميا على توزيع الحليب من منزل لآخر مستخدمة عربة يجرها ثور داخل جزء سكني من المدينة، بينما يتولى زوجها، ألطاف، رعاية الـ25 جاموسة التي يملكانها، حيث يوفر لها العلف والماء والرعاية الطبية. ورغم أن 10 من هذه الجاموس فقط تدر اللبن، فإنها جميعا تحظى بمستوى كبير من الرعاية.

الواضح أن الأسرة تكن حبا شديدا لقطيع الجاموس الذي تملكه. ويعد الجاموس هنا من الحيوانات القيمة للغاية، ويجري التعامل معها بتبجيل وباعتبار أن كل جاموسة فرد قائم بذاته له اسم خاص به يدعى به. وعلى خلاف الحال مع المسلمين الآخرين، لا يتناول هؤلاء الأشخاص اللحم البقري أو لحم الجاموس. وعن ذلك، قالت زليخة: «إنها من يجلب لنا قوتنا، فكيف نأكلها؟» وعندما سألنا ألطاف حول ما إذا كان يشعر بالقلق تجاه ذهاب زوجته بمفردها للمدينة، أجاب من دون أدنى مؤشر على غطرسة ذكورية في نبرته: «زوجتي قادرة على تولي المهام الإدارية أفضل مني، وهي جيدة بأمور التسويق والحسابات. وهي قوية العزيمة، علاوة على أنه ليس هناك ما يضير في خروجها وبيعها الحليب. إننا نقسم الأدوار بيننا، فأنا أهتم بالماشية، بينما تتولى هي بيع الحليب».

من جانبه، يساعد شمس الدين، 75 عاما، زعيم عدة عائلات من قبائل غوجار استقرت بصورة مؤقتة في راخ باروتي على امتداد طريق باثانكوت - جامو، زوجة ابنه الشابة في الاستعداد للذهاب إلى السوق، بينما انهمك ولده في رعاية الماشية.

وقال «دور المرأة على الصعيدين الأسري والاقتصادي مهم. كان سيستحيل علينا الاضطلاع بنشاطنا التجاري في تجارة الألبان من دون نسائنا. إنهن عماد هذه التجارة. من دونهن، سنعجز عن إدارة شؤون المنازل والتجارة. إننا نبجلهن كثيرا».

لكن النساء الأكبر سنا من القبيلة يبدين عزمهن على تعليم الأجيال الأصغر من فتياتهن مهما تكلف الأمر. وتشير الأرقام إلى أن 89 في المائة من نساء غوجار بين 10 و65 عاما أميات.

تعتبر سليمة، 7 سنوات، واحدة من أول جيل في أسرة سالو بي يذهب للمدرسة، حيث ترتاد مركزا مفتوحا في أغانواري وتجلس تحت شجرة خلال الحصص، وعندما تمطر السماء أو يشتد القيظ، يتوقف عمل المدرسة. وقالت بخجل «أريد أن أصبح معلمة وأعلم جدتي، لقد علمتها بالفعل كيف تكتب اسمها بالإنجليزية».

وقال سالو بي: «إننا سعداء أن فتاة من أسرتنا ترتاد المدرسة. لم يذهب أي من رجال أسرتنا للمدرسة قط. إننا نعيش في فقر، وإن كنا نتمتع بمكانة اجتماعية جيدة، لكن نرغب في مستقبل أفضل للأجيال المقبلة».

وبالمثل، لا ترغب جانو، 45 عاما، في أن تعيش ابنتها، 15 عاما، حياة شبيهة بحياتها. ترتاد ابنتها، زبيرة، المدرسة وهي في الصف الثامن. وتقول عنها الأم بفخر: «إنها مجتهدة في دراستها، أتمنى أن تصبح معلمة وأن أزوجها من شخص يوفر لها حياة مستقرة».

ورغم عشقها لحياة الترحال، قررت جانو الاستقرار في غابة على حدود جامو لتعليم بناتها الثلاث.

من ناحيته، قال بشير خاتانا، زعيم قبيلة غوجار «تتمتع النساء بمهارات إدارية استثنائية ربما تذهل الكثير من حملة درجة الماجستير في إدارة الأعمال. كل يوم نبيع ألبانا بقيم تتراوح بين 30 و40 مليون روبية في سوق الولاية. ورغم أن هؤلاء النسوة أميات، فإن بمقدورهن إجراء أدق العمليات الحسابية في ثوان معدودة، بينما يحتاج آخرون آلات حاسبة لإجرائها».

رغم أميتهن، تتمتع النساء بحقوق اجتماعية استثنائية، فلهن حق اختيار الزوج وحرية الطلاق حينما يرغبن. ويسمح بالطلاق والزواج مجددا للرجال والنساء. وبينما تتشدد العادات بالنسبة لطلاق الرجال، يبدو الطلاق أيسر أمام النساء.

مثلا، بعد 10 سنوات من الزواج، رغب زوج راضية بي في العيش مع أخرى. ولم يكن هناك سبب مقنع وراء رغبته هجر زوجته، لذا عوقب بغرامة نقدية بلغت 300 ألف روبية لصالح زوجته السابقة، مع تحمله مسؤولية إعالة الأطفال مع حق الزوجة في رفض المشاركة فيها.

على النقيض، رغبت حليمة بيوي، أم لثلاثة أطفال، في الانفصال عن زوجها بعد بضع سنوات من الزواج والارتباط بآخر. وقد سمح لها بالطلاق وحرية الاحتفاظ بحضانة أطفالها. ومجددا، وقعت مسؤولية إعالة الأطفال على الأب.

يوجد لدى أهل غورجار تقليد «بهايتشارا باناشايات». ويجري انتخاب أعضائها عبر على أساس العمر والخبرة والمعرفة. وينظر هذا المجلس في قضايا الزنا والطلاق وانتهاك الأعراف وإهانة «بهايتشارا باناشايات». ويجري تغريم المخطئين غرامات ضخمة أو معاقبتهم بنبذهم اجتماعيا، وقد يسمح لهم بمعاودة الانضمام للمجتمع بعد احتفال عقابي.

وتتحلى جميع النساء المتزوجات من غوجار بحلي ذهبية في الأنف والذراعين. وعندما احتاج رجل ما للمال، يسهم باقي أفراد المجموعة. وعن هذا الحلي، شرح شمس الدين أن «هذه هي العلامات الدالة على أن المرأة متزوجة. وإذا اضطر رجل لبيعها لدواع اقتصادية، يتعرض لسخرية المجتمع بأكمله».

تحركت أسرة بوبان بيبي، 70 عاما، وبجانبها قطيع الماشية الذي تملكه نحو محمية داشيغام الوطنية، حيث ذاب الجليد وترعرع العشب الأخضر. وتحمل الأسرة برفقتها أواني وأغذية وملابس. وبينما يركب كبار السن ظهور الحيوانات، يسير الأصغر سنا لمئات الأميال بجانب الماشية. أما منازلهم التي يبيتون بها فتتنوع بين الأكواخ والخيم أو حتى العشب تحت السماء. وتنتقل الأسرة في أبريل (نيسان) وتعود للسهول في أكتوبر (تشرين الأول) كل عام.

ورغم كبر سنها، تعشق بوبان بيبي حياة الترحال التي تعيشها، وترى أن المرء إذا لم يتحرك يصبح جامدا كالحجر.